ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 27/07/2012 Issue 14547 14547 الجمعة 08 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

الصخر والأظافر

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأليف - الأديب عبدالفتاح أبو مدين:

قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)

عبدالفتاح أبو مدين أديب كبير، وناقد أريب، وصفة يراع الناقد الكبير الدكتور عبدالله بن محمد الغذامي فقال فيه: «عبدالفتاح أبو مدين ليس مبدعاً في إنتاجه الكتابي والثقافي فحسب، لكنه مبدع في عمله، في تصديه للعمل، وفي أخلاقيات العمل، وفي حماسه للفكرة التي يؤمن بها، وأعتقد بأننا سنظل نسجل لعبدالفتاح أبو مدين هذا الدور الفاعل الحقيقي في تفعيل الثقافة وفي تحريكها وفي جعل العمل الثقافي يتحول إلى إنتاج فعلي يجسّد على المنبر وعلى الكتاب وعلى الدعوات المستمرة»، وإلا فعبدالفتاح أبو مدين أكبر من أن يضمه كتاب بين دفتيه؛ فهو أديب ذائع الصيت، وهو ناقد ألقى إليه النقد بعموده وذروة سنامه، وهو عروضي له أذن موسيقية قوية الجرس، تلتقط بسرعة مذهلة ما شذّ عن عروض الشعر وبحوره الأربعة عشر التي أرسى قواعدها الخليل بن أحمد الفراهيدي.

وكتاب الصخر والأظافر كتاب يجمع بين دفتيه مقالات كُتبت في أوقات متقاربة ومتباعدة، فجاء هذا الكتاب ليجمعها في مساحة واحدة، وليجعلها سهلة التناول ميسرة، وليسهل على قارئ الكتاب التهامها في آن واحد. وجاء الكتاب كثير الورق، يقع في ستمائة وأربعين ورقة في القطع المتوسط، وهو من طبع النادي الثقافي الأدبي بجدة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما سرّ تسمية الكتاب بالصخر والأظافر؟ ولا يفوت المؤلف الفاضل أن يقول في ملمح استفتح به الكتاب: «الصخر والأظافر حوار بين قطبين: العالم والذات، حين يغدو العالم صخرة وتجمع الذات قواها لتكون ظفراً ينغرس في قلب الصخرة، حيث تغدو الحياة صخرة، وتشحذ التجربة الإنسان ليكون ظفراً يتشبث بالصخرة، حين يغدو النصف صخرة وتصبح القراءة ظفراً يحاول أن يترك أثره على الصخر، الصخر والأظافر».

إذاً، فهذا الكتاب ثمرة من ثمرات النحت في الصخر حتى انبثقت منه قراءات لقصائد شعرية متعددة ودراسات تحليلية لكتب عديدة، وبحوث أدبية لقضايا مختلفة، ودروس نقدية لنصوص أدبية.

بدأ الكتاب بإهداء إلى الدكتور عبدالله الغذامي؛ حيث عده المؤلف رمز الثقافة والوفاء والتقدير، وهو لها أهل وجدير بها، ثم إهداء الكتاب إلى طائفة استلذت مرارة العوز فصبرت وصابرت حتى كان اليسر بعد العسر، وحلو الحياة بعد مرها، وقدم الأستاذ الفاضل سعيد مصلح السريحي بمقدمة جامعة للكتاب، أوضح فيها منهجية الأديب عبدالفتاح أبو مدين في كتابه هذا، والأستاذ سعيد السريحي كما يقول المؤلف: (عني بترتيب الموضوعات وتقسيمها إلى أبواب وفق تجانسها)، وللحديث عن الأستاذ الكبير محمد حسين زيدان نصيب وافر من حديث الكاتب والكتاب، ويصفه المؤلف الفاضل بقوله: «والرجل قارئ للتاريخ، وذو ذاكرة قوية وحافظة تختزن الكثير مما وعت، وهو نسابة يعرف القبائل في الجزيرة العربية وأفخاذها التي تفرعت عنها، ويعني بالسير.. وهو يعي الكثير من أسماء العلماء والساسة في العالم العربي، ولاسيما في العصر الحديث، فهو قد قرأ وسمع ومحص ما تلقى وعرف».

والأستاذ محمد حسين زيدان كانت له أحاديث رائعة في الإذاعة، منها «كلمة ونص»، وفي رمضان كان له برنامج تاريخي يذاع قبيل المغرب، وكان يغشى النادي الأدبي الثقافي بجدة ويعلق على المحاضرات التي يلقيها الضيوف هناك، ويصف المؤلف كتب الزيدان فيقول: «وللرجل كتب ليست كثيرة، لكنها قيمة؛ لأنها قيمة، منها: كما أشرت سيرة بطل وكلمة ونص والعهود الثلاثة، وذهب الزيدان لتبقى آثاره ندرسها ونتعلم منها ونردد تلك المواقف». وللمؤلف وقفة حول الذوق الأدبي، فهو يرى أن الأستاذ الدكتور أحمد ضيف أول من تحدث عن الذوق الأدبي حديثاً موضوعياً في محاضراته الجامعية؛ حيث ألقى محاضرات مهمة عدة عن النقد الأدبي، جمعها في كتاب سماه (مقدمة لدراسة بلاغة العرب)، ثم جاء الدكتور طه حسين وتحدث حديثاً وافياً عن النقد، وانتهى إلى أن الذوق دربة واستعداد، ثم جاء الأستاذ أحمد الشايب فكتب بحثاً ضافياً عن الذوق الأدبي في كتابه (أصول النقد الأدبي)، ويعتبر المؤلف الأستاذ أحمد الشايب أول من توسع في تفصيل الحديث عن الذوق توسعاً يسنده الفكر المتئد والاطلاع الشامل، ثم جاء الأستاذ أحمد حسن الزيات ليتحدث عن الذوق في كتابه (دفاع عن البلاغة)، ويعقد المؤلف حديثاً فيه تشابه بين الزيات وعبدالقاهر الجرجاني فيقول: «وحديث الزيات عن البلاغة قريب في منحاه من حديث الإمام عبدالقاهر؛ لأن عبدالقاهر الجرجاني كاتب مبين قبل أن يكون ناقداً بلاغياً، والزيات زعيم البيان العربي في أسلوبه الأدبي؛ فهو أيضاً كاتب مبين قبل أن يكون ناقداً بلاغياً».

وللمؤلف في كتابه آراء نقدية كثيرة مهمة، منها الإشارة إلى قصيدة النثر الحديثة، وتسميتها بالشعر المنثور أو قصيدة النثر، ويرى المؤلف - حفظه الله - أن في هذه التسمية إشكالية حيث يقول: «أبادر إلى أن ثم إشكالية تصادفنا بمجرد أن تقع أعيننا على عنوان (قصيدة النثر)؛ ذلك أن الربط يبدو متنافراً غير متجانس بين كلمتي قصيدة ونثر، فالمفهوم العام عند العربي أن كلمة قصيدة تحمل مواصفات معينة ومحددة تدل عليها، وكلمة نثر تدل على مقالة أو بحث نسقه العام النثر، والنثر غير الشعر، فكيف جاز هذا التركيب غير المتجانس في مسماه ومعطياته؟ إنها إشكالية سيظل الجدل حولها يدور ويتجدد إلى ما شاء الله». وأشار المؤلف إلى نقطة مهمة يغفل عنها كثير من الدارسين، هي المقارنة بين شاعر وآخر بقصيدة واحدة، قالها كل منهم، وقد تكون قصيدة الأول قوية، وقصيدة الثاني ضعيفة، فلا يكون هذا عدلاً في المقارنة بينهما، وهنا يقول المؤلف الفاضل حفظه الله ورعاه، وسدد في سبيل الأدب والنقد خطاه: «ومن سوء ما نلحظه لدى بعض الناقدين أن يختار قصيدة قوية لشاعر فيقرنها بقصيدة ضعيفة لشاعر في مستواه، وهذا هو الظلم بعينه، ولاسيما أنه يترك القصيدتين ليحكم على الشاعرين حكماً عاماً بما انطبع في ذهنه بعد هاتين القصيدتين وحدهما، وربما ارتفع بواحد إلى السماء وهوى بنظيره إلى الأرض، وهذا المسلك ليس عدلاً؛ لأن الشاعرين لا تتم المتوازنة بينهما في قصيدة بل في ديوان وديوان». والمؤلف له رسالة نقدية، ومنهج واضح في النقد، واتجاه نقدي بارز تبناه في حياته، وهذه الرسالة النقدية تظهر واضحة جلية في نقده لأحد الكتب الذي ختم به نقده للكتاب بقوله: «هذه ملاحظات عابرة، وأقول عابرة لأني قرأت الكتاب قراءة سريعة، فاختلجت الصفحات بين يدي اختلاجاً مرتعشاً، وكنت بين أن أسكت عن كلمة النقد الصائب فأسيء إلى ممارساتي في هذا الحقل العاصف، أو أن أجهر بكلمة الحق أداء لأمانة القلم، واثقاً من أن أول من يستفيد من هذه الملاحظات هو المؤلف الناقد، ولم أشأ أن أستقصي فأقول جميع ما لدي، لكني أبديت وأخفيت وأعلنت وأسررت راجياً أن أكون فيما أبديته مراعياً حق الناقد وفيما أخفيته متعمداً الرفق العاطف الذي يكتفي بالشيء عن الشيء ما دام المقصود أن ننبه ونوقظ لا أن نجرح بمبضع الطبيب». فأكرم به من نقد بناء هادف، غرضه التقويم لا التجريح، وغايته البناء لا الهدف، وهدفه التشجيع لا التحطيم.

ولكن ماذا عن رأي المؤلف عن الشعر الحر؟ وهل يراه شعراً؟ نترك له المجال فسيحاً ليقول: «وأنا مع كل شعر ينبض بالإحساس الصادق حراً كان أو عمودياً».

والمؤلف على اطلاع دقيق بثقافة شرائح المجتمع المختلفة، يقول في نقده لقصص الأطفال، وما يراه من فراغ محتواها، وعدم مناسبتها لنفسيات الأطفال وعقولهم: «هي لا تهتم كثيراً بالهدف التربوي، وأكثر مؤلفيها ليسوا على دراسة بنفسيات التلاميذ وما يشغل خواطرهم، بل إن بعض الضرر متحقق في بعض القصص التي يقرؤها التلميذ الناشئ من المستورد خاصة؛ إذ تشتمل على أحداث خرافية، أبطالها من الجن المردة، فتنقل روح الخوف والفزع في النفوس الغضة تارة، وتحث على الإعجاب بالبطولات الزائفة بدلاً من الإعجاب بالشخصيات المثالية ذات الأهداف النبيلة».

وبعد:

فقد انتهت هذه الرحلة الميمونة وهذا التطواف المبارك عبر صفحات زادت على الستمائة صفحة، عرض فيها المؤلف كثيراً من الكتب بالدراسة والعرض والتحليل، كذلك تناول فيها دواوين كثيرة، سواء كانت لأدباء محليين أو من خارج المملكة، وكان عرضه وتحليله لهذه الكتب والدواوين عرضاً جميلاً وممتعاً. وشخصية المؤلف النقدية بارزة ظاهرة جليّة؛ فهو يضع الكتاب المدروس في الميزان العدل حاكياً الإيجابيات والسلبيات، فالناحية الإيجابية تدعم الكتاب وتشجع مسيرته، والناحية السلبية ينظر فيها ويُعتنى بها، وعين المؤلف النقدية في غاية الدقة المتناهية، وهو لا يترك شاردة ولا واردة إلا عرض لها وتناولها تناولاً ماتعاً وشائقاً.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة