ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 31/07/2012 Issue 14551 14551 الثلاثاء 12 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما اندلعت المظاهرات في سوريا في إطار الربيع العربي, كنت مع لفيف من الزملاء في قسم الأدب بـ[جامعة القصيم], وهم خليط من جنسيات عربية شتى، ولدى الكثير منهم حِسُّ سياسي، وللبعض منهم يد في الانتفاضات

الشعبية في بلادهم، وكان منهم من يراهن على سقوط النظام السوري بزمن أقصر وخسائر أقل، بحجة أنه نظام طائفي متسلِّط، والأغلبية السنية محتقنة، وتنتظر من يبدأ الانتفاضة.

ولم أكن متفائلاً، فالثمن الباهظ الذي سيدفعه الشعب السوري بمقاومته غير المتكافئة, لن يحقق الانتصار الذي يراهن عليه البعض بالسرعة واليسر. ولقد قلت, ولما أزل أقول: إن السقوط آت لا محالة, ولكنَّ الثمن سيكون شاقا ومرهقا, وغير متصور الفداحة من الدماء والدمار. والذين رصدوا الحراك الشعبي في [تونس] و[ليبيا] و[مصر] و[اليمن] ظنوا أن الحراك في سوريا لن يكون بعيداً عما يجري في تلك الأقطار، باستثناء [ليبيا]القبلية الأعرابية, وتلك حسابات خاطئة، فسوريا لها أبعادها الطائفية والإقليمية, وقبضة نظامها الفظ الغليظ، وهي ضالعة في المحاور الإقليمية والدولية، وليس من السهل تفكيك أحلافها ومهماتها في المنطقة بذات الطريقة التي تحدث هنا أوهناك، ومن ذا الذي يتوقع سهولة سقوطها، وهي قد تنكرت لقوميتها، وقامرت بمصالح أشقائها، وباعت عروبتها للمجوسية, واستغلَّت مهماتها المخولة لها من [جامعة الدول العربية] في [لبنان] استغلالاً طائفياً، أدى إلى تشبع المنطقة بالولاء الطائفي, والتسلح الحزبي, ولما تزل تحفظ الحدود مع إسرائيل، وحين احتاجت المدد كشفت جبهتها مع العدو فضلاً عن تمكين الثورة الإيرانية من تصدير طموحاتها الصفوية, بشكل لا يمكن احتماله. والوهن الذي انتاب الأمة العربية، مكن للطَّامعين من تمرير لعبهم القذرة، ويسَّر للماكرين والمتربصين النفاذ بشكل وقح ومكشوف.

وإشكالية الانتفاضة السورية أنها ليست مقتصرة على الدولة والشعب, بحيث تُحسم في الساحات, وعبر الهتافات والاحتجاجات السلمية، إنها شبكة من المصالح المتداخلة وسط الأراضي السورية، فـ[الروس] المفلسون يودون أن يُبقوا على موضع قدم لهم، يتنازعون من خلاله من أجل البقاء. و[الإيرانيون] المتهورون يودون أن يتنفسوا من تلك الرئةالمعطوبة، ويصدروا هلوستهم التي أغثت الرأي العام العالمي, وكشفت عن الخرافات الطائفية والأحقاد المجوسية والغل الفارسي. و[حزب الله] الذي خدع نفسه -كما الغواني- بأوهام النصر, لا يمتلك إلا شرياناً واحداً مَعْطوباً يمتد إليه عبر الأراضي السورية, ومتى انقطع, هلك كما السمك حين يغور عنه ماء البحر، كل أولئك ترتبط مصائرهم ومصالحهم بوجود الطغمة النصيرية الحاكمة، بكل مُضمرِها الطائفي, وانغلاقها الحزبي, وجبروتها, ودمويتها.

والشعب السوري الأعزل المخذول عالمياً وإسلامياً وعربياً لا يمكن أن يفرط بالإنجازات التي حققها، وهو ماض في مواجهته العنيفة غير أنه سيواجه حرب إبادة شرسة، تحت غطاء التخبط العالمي والعجز العربي والغثائية الإسلامية. وعلى الرغم من فداحة الثمن, وتشعب القضية, فإنه سيظل صابراً مصابراً مرابطاً، ومصراً على تحقيق النصر بأي ثمن.

وإشكاليته الأصعب فيما بعد سقوط النظام القادم بِبْطْء, إذ لم نسمع عن تشكيل حكومة في المنفى, تهيئ نفسها لملء الفراغات، وتفِّوت الفرصة على المؤتمرين من أجل وضع خطة لما بعد النظام, فالثوار بعد لم يتفقوا على شيء فضلاً عن أن يرسموا سياسة مستقبلية, ويضعوا خارطة طريق. فهم جميعاً لإسقاط النظام، وقلوبهم شتَّى في الرغبات والانتماءات. وهذا الانفلات والتفرق سيؤديان إلى فوضى سياسية, تكون حتما أسوأ مما سواها في دول الربيع، وإذا كان الصراع في [ليبيا] قبلياً، فإنه في سوريا سيكون (أيديولوجياً) كما أن الموقع الجغرافي السوري حسَّاس وخطير، ولن يترك إلا إذا كان مؤدياً إلى التآكل والضعف وذهاب الريح. وتجربة [الربيع العربي] لما تزل تراوح في مكانها، ولما يتمكن الثوار من سد الفراغات الدستورية، والانتقال من روح الثورة إلى سِدَةِ الحكومة المدنية بمؤسساتها وأنظمتها وقوانينها ورجالاتها الذين يبتدرون المسؤوليات. وهذا الإبطاء سيؤدي في النهاية إلى التدخلات الخارجية, وشل السيادة الوطنية، فالدول التي تعرضت للفراغات الدستورية بأمس الحاجة إلى تدارك الأمر, وملء الفراغات, وإن لم يبادر عقلاء الأمة أزِمَّةَ الأمور, فإن الاستعمار الذي خرج من الأبواب مدحوراً, سيتسور المحاريب منصوراً.

ولأن الوضع السوري معقد, والحكومة المأزومة رمت بثقلها في اللعب السياسية الثقيلة الوزن, فإن مشارف النهاية بعيدة المنال, غالية الثمن, وسلعة الحرية و[الديموقراطية] غالية، ولها ذيول كالمتاهات. والشعب السوري الذي واجه الآلة العسكرية المتَشبِّعة بالطائفية بكل عنفها وعفنها وبشاعتها، سيدفع وحده الثمن, المتمثل بشلالات الدم وركام الجماجم. وحين يتخلى [الروس] عن الحكومة السورية, وهم متخلون في ساعة العسرة -ولا شك- تصبح الأطماع الإيرانية في العراء, ولن تستطيع ملء الفراغ, ومن ثم سَتَنْتَكِص على عقبيها, وينكشف أزلام النظام، وينقطع الحبل السري عن [حزب الله], ويبدأ الأخذ بالثارات الدَّفينة على الأراضي السورية واللبنانية، ولم تعد هناك إمكانيات إقليمية, لمبادرة الأزمة ووأدها في مهدها، وتمكين الشعب السوري من ترتيب أموره, وتضميد جراحه.

الحكومة السورية ساقطة لا محالة, والتحالف الشيعي النصيري البغيض ذاهب لا محالة، والخشاش الطائفي الذي نسل من جحوره هنا وهناك باسم الحرية, سيعود إليها خاسِئاً وهو حسير, ولكن من يصطلي بحرِّها ؟ ومن يتحمل نفقاتها ؟ ومن يملك معالجة المرحلة الانتقالية؟ تلك هي معضلة المعضلات، وأي حسابات تنكِّبُ عن ذكر العواقب حسابات خدَّاعة.

سقوط الحكومة السورية العَصِيُّ سيكون له ذيول خطيرة على المنطقة, إذ ليس من السهل تصفية نظام محوري بحجمه وبمهماته المعلنة والمضمرة دون فوضى قاتلة. وهانحن نسمع بأسلحة الدمار الشامل وإمكانية تسريبها أو استخدامها. ولو كان الحزب الجمهوري في [أمريكا] هو الحاكم, لانفتحت شهيته للحرب تحت أي تبرير [مُفَبْرك]. على أن كل الأطراف تدرك حجم الكارثة مع الإِقْدام أو الإحجام. وهذه الحسابات ستمد أمد المقاومة، وفي النهاية فإنه ليس باستطاعة حلفاء النظام السوري المتفانين في لملمة أشلائه وإطالة أمد بقائه تَحَمُّل النتائج، وسقوطها لن يكون سقوط نظام وحسب, إنه سقوط مشروع طائفي خطير. والثلاثي الروسي الإيراني السوري، لن يذعن، ولن يتقبل المصير القاتل بسهولة, وبدون ثمن، ما لم يكن هناك استعداد عربي وإسلامي وعالمي لمواجهة المتغيرات.

[روسيا] من السهل أن تبيع موقفها بثمن بخس,كما باعته في [العراق], ولكنها في الوقت نفسه تعرف كم خسرت من سمعتها وإنسانيتها وعلاقاتها.

و[أمريكا] التي لدغت في أكثر من جحر, لن تقامر, وبخاصة أنها في زمن الحمائم, وهي راضية بالمناورات, وترقب النتائج، و[تركيا] تحسبُ ألف حساب للأقلية النصيرية عندها, والتي تناهز العشرين مليون، و[إسرائيل] أمام خيارات أحلاهما أمَرُّ من العلقم، إنها خلطة غريبة ومعقدة, وتثويرها يزكم الأنوف.

والنظام الإيراني ذاق طعم المكاسب من مغامرات [أمريكا] وإخفاقاتها، فلقد كان محاصراً بمتشددين سنيين في [أفغانستان], وبمتعصبين قوميين في [العراق], ولقد هيئت له أجواء الموقعين, ليكونا في صالحه، ومن فواتح الشهية أن العراق سلم لعملاء إيرانيين، يسبَّحون بحمد الآيات والملالي، غير أنه سيظل في اضطراب. ولن يكتب له الاستقرار إلا بالتعددية وتقاسم الحقائب.

و[إيران] الموتورة من الخليجيين لن تفرط في سوريا, لأنها أسُّ الهلال الشيعي، ولن تسمح بسقوطها إلا مكرهة، فسقوط النظام في سوريا مؤذن بسقوط المشروع الفارسي والحلم الصفوي. ودول الاستكبار لن تقضي على ذلك الحكم بدون بديل يضمن لها مصالحها, ولن تمكن العالم العربي من أخذ أنفاسه, والارتداد إلى الداخل ليبني نفسه, ويعالج أوضاعه. إن من مصلحة اللعب الكبرى واللاعبين الكبار أن يكون هناك توازنُ قُوى بين المتصارعين، ومن ثم ستظل [إيران] و[تركيا] لاعبين متساويين, وسيبقى العرب بحاجة إلى مظلة غربية, تحميه من صراع الأعراق والطائفيات والمصالح، ومصر التي أحس نخبها بفوات الزعامة، لا تملك آليات استعادتها.

وسقوط النظام السوري في النهاية سيغير نظام اللعب وأساليبها، ولكنه لن يحسمها.ودون سقوطه خرط القتاد، وعلى دول الجوار في ظل المتناقضات أن يعيدوا ترتيب أوراقهم، وأن يلتفوا حول بعضهم، وليعلموا أن سقوط النظام السوري سيضاعف المسؤوليات، ويعقد الأوضاع, والرماح المتفرقة يسهل تكسيرها.

نسأل الله السلامة والخروج من هذه الضوائق لنا ولا علينا.

 

لمَّا يحن بعد سقوط النظام السوري..!
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة