ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 09/08/2012 Issue 14560 14560 الخميس 21 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى عقد اجتماع استثنائي لدول “منظمة التعاون الإسلامي” في مكة المكرمة يومي 26- 27 رمضان الجاري (ليلة القدر) في مكة المكرمة غرب المملكة،

خوفاً من “تجزئة” الأمة الإسلامية التي تواجه الكثير من المخاطر.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إنه: “حرصا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ابن عبد العزيز لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين ووحدتهم في هذا الوقت الدقيق والمخاطر التي تواجهها الأمة الإسلامية من احتمالات التجزئة والفتنة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى وحدة الصف والكلمة، دعا (الملك عبد الله) إلى مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في مكة المكرمة”. وتمنى الفيصل أن “يحقق المؤتمر طموحات الأمة الإسلامية لما فيه خدمة الإسلام ووحدة الصف والكلمة”. وسيكون المؤتمر هو الرابع المنعقد في دوراته الاستثنائية بعد آخر مؤتمر استثنائي استضافته مدينة مكة في ديسمبر من العام 2005 برئاسة خادم الحرمين، في إطار “منظمة المؤتمر الإسلامي” التي تضم 57 دولة إسلامية، فيما كان مؤتمر دكار السنغالية الذي انعقد في 2008 هو آخر دورة اعتيادية تعقد كل ثلاث سنوات. وكان مقررا أن تستضيف مصر المؤتمر التاسع الدوري لكن ظروف الربيع العربي حالت دون إقامته، حتى جاءت دعوة خادم الحرمين إلى عقده استثنائيا.

أتفق تمام الاتفاق مع د. أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي عندما صرح أن العالم الإسلامي يجتاز أصعب مراحل تاريخه منذ الحرب العالمية الأولى، وأن الصعوبات التي تجتازها الأمة الإسلامية في اللحظة الراهنة متزامنة مع تحولات تعصف بخمس دول عربية في منطقة الشرق الأوسط، تحتاج إلى “وقفة تأمل” في القمة الإسلامية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الرحاب المقدسة بمكة المكرمة. وأن خادم الحرمين الشريفين هو من يستطيع بموقعه ومكانته السامية أن يجمع شمل الأمة الإسلامية وأن يتسامى فوق الخلافات؛ كما أن هناك دولا ولدت بعد سايكس بيكو ونهاية الحرب العالمية الأولى، تواجه في اللحظة الراهنة تحديات وجود.... كما أن عقد هذه القمة في العشر الأواخر من رمضان وبالضبط في ليلة القدر وفي بقعة من أزكى البقاع في العالم تعطي لهذه القمة قيمة خاصة جعلت خادم الحرمين الشريفين يحس بجسامة المسؤولية.

إن المنطقة العربية والإسلامية تعاني من أزمة بنيوية خانقة؛ فالصومال مازالت دولة ضعيفة بكل المستويات ويزداد سوؤها يوما بعد يوم، والسودان انفصل جنوبه عن شماله ويواجه تداعيات انشقاقات جديدة، والحالة العراقية وإن تحسنت بعض ملامحها فمازالت تعاني مشاكل سياسية وطائفية؛ والثورات في مصر وتونس وليبيا لا تعني إطلاقا مد العصا السحرية لتثبيت التنمية وتحقيق النمو وتجذير الديمقراطية، واليمن لا زال يبحث عن حل لأزمته السياسية الداخلية، وسوريا في مأزق نظام حكم استولت عليه الأيام وأباد خضراءه الهرم فطبخته الدولة وأكل عليه الدهر وشرب بما أرهفت السلطوية من حده ومازال يمارس الحل الأمني ويقتل شعبه في أبشع صور الجرائم الإنسانية؛ وأصبحت منطقة جنوب الصحراء والساحل مرتعا للجماعات الإرهابية خاصة وأن العديد من الأسلحة الليبية هربت إليها في أوج الصراع بين الثوار وقوات القذافي، والأزمة المالية العالمية الخانقة تلقي بظلالها على العديد من الدول العربية والإسلامية.

انطلاقا من كل هذا الكلام، ينتظر الوطن العربي والعالم الإسلامي تحديات جساما، يمكن أن نذكر بعضها في النقاط التالية:

1) ضرورة زرع الثقة بين الحاكم والمحكوم وبين الدولة والمجتمع، لأن على الجميع أن يعمل في إطار المؤسسات وفي إطار الدولة الأم ومحاولة الإصلاح من الداخل بعقلية جديدة وبأفكار متنورة جديرة بالمحافظة على القشرة الحساسة الحامية لهبة الدولة ولمبدأ ديمومة المؤسسات.

2) كل الدول فهمت أنها تكون قوية بتماسك مجتمعاتها، وتفاهم الدولة والمجتمع وعقدها الاجتماعي، بمعنى أنها أخيرا فهمت أن الوصاية الخارجية لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن معادلة عيش الدولة بين سندان الخارج ومطرقة المجتمعات معادلة سلبية؛ فالاستقواء يكون بالمجتمعات والدول تكون قوية بمجتمعاتها.

3) بناء نظام عربي-إسلامي متكامل؛ فهذا النظام بقي لعقود نظاما مبتورا ومريضا مرضا مزمنا بسبب الآليات المتحكمة في تركيبته؛ فلا خلق جامعة الدول العربية، ولا التوقيع على العديد من الاتفاقيات والشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف، ولا خلق بعض التجمعات دون الإقليمية، مكنت منظومة العمل العربي المشترك من الالتحاق بركب النظام الأوربي مثلا أو النظام الأمريكي أو النظام الآسيوي بمعنى أن النظام العربي كان خارجا عن النظام العالمي وهذا يدفعنا إلى التساؤل: هل الأمة العربية لها من الديناميات ما يدفعها إلى تشكيل وحدة إقليمية متماسكة على شاكلة الاتحاد الأوروبي مثلا؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا أخفقت في تحقيق الوحدة؟ بعض المحللين يرجعون مصدر العلة إلى بعض العوامل كالصراع على الزعامة والنفوذ بين القيادات العربية والنخب، والاختلاف في حجم المعطيات الاقتصادية بين الدول العربية، والتباين الكبير في نظم الحكم والإيديولوجيات وتنامي النزاعات الوطنية المرتبطة بالدول القطرية، وأخيرا استمرار التدخل الغربي-الإسرائيلي لاجتثاث بذرة الوحدة العربية الكامنة في تربة الأمة وإخماد شعلتها المتقدة على حياء.

إلا أن هذا النوع من التفكير يبدو لنا خاطئا ولا يسمح لأي حصيف قارئ أن يحقق فيه أي تقدم معرفي، ومن هنا العديد من النظريات الخاطئة.

فالتاريخ يُخْتَزَلُ في هذه العوامل وكأنه نتيجة معطيات أنشئت مسبقا، ويكفي الباحث تشخيصها لشرحها؛ والصائب أن التاريخ لا يخضع لقواعد العوامل، وإنما هو يندرج في إطار من الديناميكية المستمرة تتعدى العوامل ومكونات المجتمعات المختلفة، وتخلق سيرورة مستدامة تغير تلكم العوامل والمكونات بحسب الأزمنة والأمكنة والظروف.

إن مسألة الاتحاد، أيا كان نوعها، هي عملية تغيير وتبديل، وهي استراتيجية لا تتطلب وجود عوامل إيجابية قائمة بحد ذاتها في تلك المنظومة الاجتماعية، ليتم بذلك ولادة طبيعية للوحدة؛ صحيح أن عوامل التاريخ والجغرافيا والدين واللغة هي عوامل مساعدة، ولكنها ليست كافية بدون إرادة سياسية قوية تعبر عنها وتفعلها الدول.

لذا ينبغي تجاوز القشرة السطحية لهذا المفهوم، وعدم وضع معادلة حتمية بين الوحدة الثقافية والوحدة السياسية، وبين الوحدة الثقافية وتكوين دولة أو اتحاد؛ ويكفينا دليلا أن الأوروبيين اتحدوا وأن العرب تفرقوا، مع العلم أن العوامل الدينية والثقافية التي يمكن أن تجمع العرب والمسلمين أكثر انسجاما واتساقا من تلك التي تجمع الدول الأوروبية.

4) على الدول العربية اليوم أن تنجح في تحقيق التحالفات والتكتلات والتكاملات الإقليمية والاندماج البناء؛ وهذه هي الطريقة التي ستسمح بخلق فرص للشغل وتحقيق التنمية وخلق شروط النمو؛ وللأسف بقيت بعض الدول تقول إنها ستعرف هجرة لا مثيل لها من الدول العربية الفقيرة إذا لم تحكم عوامل التبادلات والتكتلات الإقليمية، وهذا التخوف كنا نسمعه مثلا عندما أرادت أوربا الشرقية الانضمام إلى الاتحاد الأوربي وكانت بعض الأوساط الألمانية تحذر من تسونامي بشري يهاجر إليها من دول كهنغاريا ورومانيا، يحدث أزمة اجتماعية واقتصادية في ألمانيا ولكن لم يقع شيء من هذا القبيل.

5) الوطن العربي والعالم الإسلامي في حاجة إلى تطوير التعليم لأن نهضة الأمم تكون بالعلم ولنأخذ مثال الولايات المتحدة الأمريكية واليابان حيث نجد أن البحث العلمي المتقدم وجودة التعليم هما أساسان في قوة الاقتصادين وهيمنتهما.

6) على العالم العربي أن يمأسس لنظم اقتصادية وتنموية متماسكة وأن يدمج شعوبه في عملية التنمية وفي سيرورة سياسية واجتماعية واقتصادية مندمجة تقوم بتحسين شروط الحياة بشكل دائم ومستمر وتقوية مختلف المجالات المجتمعية بما فيها الاقتصادية والبيئية... فهي استثمار لكل الموارد من أجل الإنسان.

ويمكن جمع كل هذه النقاط في كلمة التضامن الإسلامي البناء والعقلاني؛ فمنظمة المؤتمر الإسلامي أقيمت على مفهوم التضامن الإسلامي، وهو الشعار الذي رفعه الملك فيصل رحمة الله عليه، وشعار التضامن هو الكلمة الأساسية التي تبلور بحق مفهوم الأمة: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ .

 

انتظارات القمة الإسلامية بمكة المكرمة
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة