ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 09/08/2012 Issue 14560 14560 الخميس 21 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

السيكولوجيا الناظمة للمجموع بطبيعتها تتجاوب مع الهامشي وتُغرم بالوجداني وتتمايل مع ذلك الصوت الذي يستجيش مشاعرها ويعزف على وتر عاطفتها أو يخاطب لديها ذلك البعد البهيمي المستكن وهذا يعني بالتالي أن تصدير فعالية مّا أو الالتفاف الجماهيري حولها ليس دائما آية على الكفاءة - ومن ثم التزكية - بالضرورة،بل في كثير من الأحيان هو مؤشر على خلاف ذلك،لكن ومع أن تلك الذهنية الجماهيرية تفكر على هذا النحو البالغ البساطة إلا أن لها سلطة نافذة كثيرا ما يسقط في فخها صناع الوعي العام. لماذا؟ لأن الجماهير لما تمنح ولاءها لشخص مّا فتهتف باسمه وتصفق له بإفراط سينتابه شعور تلقائي بأنه مدين لتك الجموع التي ليس بمقدوره ردّ الدين لها إلا بالانصياع وتجسيد ما ترنو إليه!

ومهما كانت إرادة الرائد صلبة ومهما كانت درجة استقلاليته عالية إلا أن لسلطة الجماهير أثرا عليه بشكل أو بآخر إذ الجموع لها سطوة قلّ من ينجو بنفسه من إيحاءاتها.

حامل الفكر بحاجة إلى الجماهير لا لترفع اللافتات الممهورة باسمه بل لتجسد فكرته وتبث الروح في أوصالها وتُحيل معالمها إلى نماذج مشخصة في الخارج،والجماهير هي الأخرى بحاجة إلى صاحب الفكر ليعلي كفاءة إدراكها فيضيء لها الحيثيات الغامضة ويوسع لها الخيارات التي تبدو محدودة وليفتح وعيها على تجليات من آفاق الممكن. إنها علاقة ارتباطية في الصميم.

بيد أنه لا يليق بحامل لواء الفكر وربان سفينته أن يغازل تلك الجماهير -وهي تبدو مغازلات خفيفة وخفية في الغالب!- فلا يكتب إلا رغبة في تصفيقها ولا يغرد إلا بآلية تضمن تزايد أعدادها وتعالي مستوى هتافها ولا يتحرك إلا على نحو يضاعف كثافتها إنه حينئذ يبدو في الظاهر قائدا بينما هو في حقيقته مقود يجسد دور التابع المتلبس بموبق العبودية المصروفة لغير من يستحقها! هذا النمط البراجماتي الجماهير هي من تصنعه على عينها -العملية هنا مقلوبة!- وعلى نحو يقدح في مبدأ (الإخلاص)كقيمة توحيدية طالما عانينا جراء إهدارها لصالح تَضَخّم البريستيج الاجتماعي! هذا الصنف لا يقل عنه ذلك الصنف الآخر الذي لا يجد ذاته إلا في مخالفة الآخرين ومعاكسة التيار ولذا فهو يعتمد في تحركه -وانطلاقا من دافع المناكفة!- على مصادمة الجماهير والهمز واللمز للفرقاء إنه يبني رؤيته - مع أنها رؤية توصف بأنها إصلاحية!- بطريقة تُفقده تلك الشريحة العظمى المستهدفة بالإصلاح! هذا الخطل يتقاسم جريرته الطرفان: سواء ذلك الذي اندمج في القطاع العريض حتى التهمته الجموع،أو ذلك الذي يجيد صناعة المعارضين يجيد ذلك وبمهارة فائقة من خلال امتهانه لعملية استعداء السواد الأعظم وإعلاء مستوى الرقم التصاعدي للمناوئين! وإذا كان الأول مأسور لرغبة الجماهير مستسلم لإرادتها يراوح المداورة في فلكها وليس بمقدوره الإفلات من قبضتها بفعل ذلك الثمن الذي يتقاضاه إذا كان الأول كذلك فإن الثاني قد أخفق في مجال الاحتفاظ بالرصيد الشعبي وصارت الجماهير تفقد الثقة به رويدا رويدا وبشكل تراكمي ومتدرج حتى أزاحته عن موقع التأثير وأفقدته بالتالي القدرة على قيادة الدفة إذ ليس بمقدوره ملء عقول لفظته من الأساس،وتجافت عنه فكريا ومن ثم على الصعيد الوجداني.

إن التوسط مطلب و(الإخلاص) قيمة غائية والتوازن مسلك لا مِراء في حتمية الصيرورة إلى معانقته والحصافة تقتضي الاحتفاظ بمسافة مناسبة مع الأتباع،وهامش نسبي يؤْذن بالتحرك في نأي عن المبالغة في الدنو حتى لا يكون آلة بيد غيره فتُستنفد طاقته ويتعرض للابتذال، كما أنه يتحاشى النأي والركون إلى مكان قصي حتى لا تتوسع الفجوة فتلفظه الجماهير وينفض عنه أولئك المعنيون باستهلاك أطروحته ومدها بالبواعث اللازمة للحضور النوعي المؤثر.

abdalla_2015@hotmail.com
 

قبضة الجماهير
عبدالله بن محمد السعوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة