ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 08/09/2012 Issue 14590 14590 السبت 21 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

استهلالة:

سيظل المهتم والباحث والراصد للجهود السياسية والدولية للخارجية السعودية بقيادة سمو الأمير سعود الفيصل - حفظه الله تعالى- متردداً وحائراً في كيفية استخلاص أهم الجهود والأعمال والأدوار التي أداها وتابعها وتبنتها وزارة الخارجية برئاسته، فالحيرة والتردد والشتات ليس بداعي الغموض وقلة المعلومات والبيانات، فوزارة الخارجية تملك قاعدة معلومات عالية الجودة والدقة والشمول، وإنما الحيرة التي ستواجه الباحث هو القدرة على تحليل ودراسة واستخلاص أبرز النظريات والسلوكيات والقواعد التي انتهجها سمو الأمير سعود منذ توليه منصب وزارة الخارجية وإلى اليوم، فوجود المعلومة بين عيني الكاتب والباحث والمتابع ليس هو الطموح والهدف وصانع الفرق، فهذا سهل المنال ومتوفر للجميع، وإنما المغزى والغاية هو القدرة في القراءة والتعرف على ملامح شخصية سمو الأمير سعود، الذي قاد هذه الوزارة لتصبح بفضل الله تعالى ثم بدعم وتوجيه ملوك وقادة البلاد - غفر الله لهم - لتتبوأ منزلة عالية في القطب الدولي والقاري والمحلي.

وكما هو معلوم لدى الناس، فالسياسة محط شك وظن في التوجه والنهج والطريقة، وهذا ما لم نعهده ونلاحظه في أداء سمو الأمير سعود الفيصل، بدليل أن الإعلام الدولي والإقليمي والمحلي منذ توليه هذا المنصب وخوضه عدداً كبيراً من الجولات السياسية الحاسمة، لم يرصد أي مخالفة لسموه الكريم، تجاه نهج المملكة العربية السعودية سواء في العقيدة أو الفكر أو الهدف أو النمط أو التوجه أو السلوك، مما انعكس على احترام كافة المحللين والناقدين لجهوده وأعماله، وإن كانت لهم توجهات وأهداف أخرى، تخالف توجه السياسة الخارجية السعودية، وسنُظهر خلال الكلمات والأسطر التالية أهم القواعد والخصائص التي تَمثل بها سمو الأمير «سعود الفيصل» حتى وضعته وأنزلته هذه المكانة الدولية والعالمية، ليصبح «عميد وزراء خارجية العالم» بلا منافس وباستحقاق تام.

النزاهة السياسية:

فالسياسيون أنفسهم، والمتابعون لهم، والمتلقون لأوامرهم، رسخ في أذهانهم أن النجاح السياسي معول على الكذب والتناقض والتحايل وعدم الصراحة ما أدى لوصف السياسي أياً كان بالمخادع والمخاتل، وهذا لم يعرف عن سمو الأمير سعود ولست أقول وحده، فهناك سياسيون صادقون أمناء شرفاء، فقد تمسك سموه الكريم بمبادئ وقيم وقواعد أخلاقية وإنسانية وقبل كل شيء إسلامية المنبع والأرض كانت بمثابة قمم الجبال الشاهقة موضوعة في صدره وبين عينيه، والنزاهة قيمة عليا تعني الوضوح والشفافية والصدق، وهي تُعد أعلى وأفضل مراتب التعامل والتواصل بين الأطراف، وهو ما عليه سمو الأمير سعود، في تواصله وتعامله وتفاوضه وهدفه، فلم يساوم في القضايا السياسية الرئيسة التي تمس الإنسان العربي المسلم، مهما كانت الضغوط وطال الزمن وتعقدت الظروف وتزايد عدد المحبطين والحاقدين والمتخاذلين، وهذا المبدأ والسلوك، قلما تراه في العرف السياسي، ولاسيما إذا كان هناك مصالح ومنافع، فإن هناك دولاً باعت دولاً، وتنازلت عن قضايا مصيرية، وأهداف هامة، من أجل المصلحة العاجلة الشخصية.

الوضوح والشفافية:

السيرة الذاتية المهنية للإنسان أياً كان يمكن أن تُرصد ويتعرف عليها من خلال السؤال والتتبع لمواقع العمل التي انتمى إليها طوال حياته، هذا لمن أراد مزيداً من الفهم والتعرف والتمحيص، سمو الأمير سعود - أمده الله بالصحة والعافية - أراحنا من عناء ذلك التتبع والسؤال والتأكد، وذلك من خلال جهوده المرئية والمسموعة والمكتوبة، فالمؤتمرات والندوات واللقاءات والتصريحات والجهود والقرارات والحوارات والزيارات التي قام بها ويقوم بها إلى الآن، هي محط تناول الباحث والمتابع والراصد، ووضوح الأمير سعود هو أحد أسباب استمراره نجماً لامعاً في العقد السياسي المحلي والإقليمي والدولي، فالقضايا التي يبحثها ويحاور لأجلها، لم تتغير لهجة خطابه في إقرارها وإثباتها وكسبها، مهما اختلف المتباحثون والمتحاورون والسياسيون معه، والحقيقة وحدها هي التي تؤكد ذلك فهناك وزراء آخرون تنازلوا وتهاونوا في جوانب كبيرة ومهمة، من أجل كسب الوفاق والتصالح و»الشهرة الإعلامية» على حساب مبادئ أخلاقية ومعتقدات دينية قد تضر شعوبهم في الغد دون أن يشعروا.

الهمة والصبر:

وإن تشابهت المسميات كلقب «الوزير»، فليس بالضروري أن تتوافق معها العزيمة والهمة والقوة النفسية. وما أقصده أن كافة دول العالم، لديها حقيبة وزارية تحمل اسم وزير الخارجية، ما عدا سوى بعض الدول المضطربة والمنعزلة وهم قلة جداً، إن لم يكن ليس لهم وجود الآن، وأعود لأتحدث عن هذه النقطة المهمة، فأسوق المثل الذي قالته العرب قديماً لتصف الرجل الهمام المناضل الفاضل فتقول «قدر الرجل بقدر همته»، والأمير سعود الفيصل، ضرب بعزمه وهمته وصبره وكفاحه أعلى مراتب الهمة والصبر والنضال السياسي وإن كان سموه يميل ويحب الخفوت والصموت وهضم العطاء، إلا أن التاريخ شاهد له على ذلك، وإلا ما هي هذه الهمة والعزيمة التي دفعته للعمل طوال هذا الفترة بإخلاص وصبر وأريحية، ومهما تحدثنا عن هذه الميزة والهمة، فالجميع نساء ورجال، وخاصة الكبار حين يرون سموه في الاستقبالات والزيارات، يعلمون قدر الإنجاز والعمل والعطاء الذي قدمه لأمته ووطنه وللعالم المسالم بكافة أقاليمه، وأقول والخير دائم في رجال هذا الوطن «الأمير سعود الفيصل أتعب من بعده».

إدارة العواطف:

آفاق العالم في السنوات العشرين الأخيرة على مصطلحات ومفاهيم إدارية نفسية اجتماعية، تساعد وترتقي بأداء وعطاء العاملين، ومن ذلك فنون ومهارة «إدارة العواطف»، وإذا كنا في العمل الحكومي والخاص المحلي والمحدود، نضطر للحصول على مثل هذه البرامج الاجتماعية والنفسية، بغية الرفع من أسلوب التعامل والتخاطب، ولامتلاك القدرة على ضبط النفس حال الحوار والانفعال، مع أن الجهود قليلة جداً مقارنة بالعاملين في المنظمة السياسية، والعاملون معنا يسيرون وفق الهدف الذي نعمل من أجله، ومع هذا يقع من بعضنا تجاه البعض الآخر بعض الاندفاع والتهور والعنترية ما يؤدي لوقوع اصطدام نفسي وبدني، وهذا ونحن نعمل تحت مظلة ومؤسسة واحدة، ونسير خلف هدف ورؤية معينة، فكيف بإنسان يعمل مع أعداء ومخالفين له في العقيدة والهدف والسلوك والأطماع، مجبراً وملزماً بالتحاور معهم ومناقشة أطروحاتهم ومقترحاتهم وآرائهم وبرامجهم ومواقفهم مهما كانت مزعجة وتافهة ومقصودة الإيذاء والأذية المعنوية، وكيف إذا كانوا أحلافاً ومنظمات وفرقاً تتحامل على سياسة الدولة وتوجهها. وأُجلي وأُبين مرادي بشكل أكبر للقارئ ليعرف مستوى وحجم ومكانة سمو الأمير سعود وقدرته في ضبط عواطفه وانفعالاته من خلال هذا المثال: «فكلنا يتابع بعض الحوارات التلفزيونية التي تقدمها بعض القنوات الفضائية، والهدف منها المحاورة السياسية، وإثبات الحقائق بين الأطراف، ليصل المتابع والمواطن للحقيقة من خلال قناعة شخصية ذاتية، ومدة الحوار لا تتجاوز ساعة «60 دقيقة»، فنلاحظ ما أن يُفحم أحد الطرفين جليسه الآخر إلا ويحتد النقاش، ويبدأ معه تراشق التهم والعبارات المسفهة للآخر، حتى يصل للاشتباك بالأيدي، مما يضطر المقدم، لإنهاء الحلقة وقطع الإرسال، وهذا وهم يتحاورون في وقت محدد، وباستعداد مسبق، وفي قضايا عامة قد لا يتضرر الطرفان من بقاء كل وجهات النظر على ما هي عليه»، وقد اخترت هذا المثال لأوضح مدى قوة تماسك العاطفة لدى سمو الأمير سعود، بشكل تطبيقي صادق، وفي فترة مبكرة من عمره، والتي غالباً ما يعتريها اندفاع العاطفة الفطرية بسبب السن والمرحلة، لكن التاريخ لم يدون ولو تصرفاً مشيناً اندفاعياً من سموه كالذي نراه من نظرائه ومعاصريه.

السفارات والسفراء:

استطاعت وزارة الخارجية، بقيادة سمو الأمير سعود، إتاحة مناخ اجتماعي خاص للسفراء والسفارات، يتوافق مع بيئة المجتمع السعودي ومع تطلع البلد المستضاف دون أن يمس أحدهما خصوصية الآخر بأي شكل من الأشكال، وهذا ما تمكنت من القيام به وزارة الخارجية، برئاسة سمو الأمير سعود ببراعة، وبدعم ومؤازرة وتوجيه الملوك الراحلين - طيب الله ثراهم - فتم تخصيص منطقة سكنية يتوفر على أرضها كل مطالب الحياة الاقتصادية والتموينية والترفيهية والصحية على شكل هندسي رائع ومنظم، يوفر للقائمين في السلك الدبلوماسي من أداء مهامهم بكل راحة وانسجام، وهذا نادر أن تشاهده في معظم دول العالم، بسبب ارتفاع نسبة التكاليف المالية جراء بناء مثل تلك المدن الدبلوماسية، ومع هذا فهي رغم حداثتها ونضجها إلا أن هناك جهوداً مستمرة لتطوير ساحاتها ومواقعها، ولا ننسى دور ورعاية ومتابعة سمو الأمير سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع - حفظه الله تعالى - في إنشاء هذا الصرح العمراني الكبير إبان توليه إمارة منطقة الرياض، والفريق الهندسي المشارك لذلك. وقبل أن أختم هذا النص، أدعو لمن أراد التعرف على حجم الجو الصحي والمهني والأمني والإداري للمملكة ولوزارة الخارجية على وجه الخصوص، والذي كان وراء إتاحته رجل اسمه «سعود الفيصل» هي المشاعر والعواطف والتعبيرات الوجدانية التي يدلي بها السفراء عند انتهاء فترة عملهم بالمملكة عبر مقالاتهم الصحفية وتصريحاتهم الإعلامية.

تطوير الوزارة:

الكل يعلم أن وزارة الخارجية هي الصورة الأولى لكل بلد يعي هذه الحقيقة، وكما يقال المحتوى يُدرك بظاهرة وعنوانه وغلافه، ووزارة الخارجية رغم انطلاقتها القوية منذ عهد المؤسس -رحمه الله تعالى - ومروراً بعقبه الأبرار، كانت تنمو وترتقي وتتطور إدارة وفكراً وتواصلاً وعطاء، وكان سمو الأمير سعود، يدرك بالتجربة والممارسة أهمية تطوير المرافق الدبلوماسية الإدارية، فأنشأ معهداً خاصاً لتخريج العاملين في السلك الدبلوماسي ليستقوا من معين الثقافة السياسية السعودية علماً وعملاً وأملاً، وكانت بمثابة ذراع أخرى لكلية العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، غير أن المعهد أدق تخصصاً وأكثر أصالة في فن السياسة والاتيكيت والمراسم والبروتوكول، وفهم العالم وثقافاته وعقائده، ويتلقى الدارسون والمتدربون تلك البرامج والمواد والعلوم من متخصصين وممارسين للعمل الدبلوماسي، وهذا إنجاز ريادي سياسي، تفطّن له سمو الأمير سعود وهو أن لكل دولة خصوصية مناخية اجتماعية في العرف والعقيدة والتوجه، وأن الإعداد الدقيق والمكثف للإنسان، أهم وسائل نجاح السياسية الخارجية في المستقبل، فوضع ثقته في أبناء هذا الوطن، ليواصلوا ما بدأه أسلافهم منطلقين من معاهد سعودية متخصصة تتمسك بالأصالة وتدعو للتحديث والتطوير.

الكلمة المنتقاة:

الوزير الراحل د. غازي القصيبي -رحمه الله تعالى-، أشار في كتابه «حياة في الإدارة» عن جهود وفكر سمو الأمير سعود, ووصفه بأنه قارئ نهم وضليع وملم، وأؤكد فأقول تصريحات سمو الأمير سعود -رعاه الله تعالى- تعطيك ملامح أولية حول عمق الثقافة التي يمتلكها، وأسلوبه الخاص في التصريح والتعبير والتعليق لم يبن فجأة وبالصدفة، فالحياة عركت سموه حتى ألانت له وتطوعت بين يديه الجمل والعبارات والمعاني، وقد تميز -حفظه الله- بأنه «ليس يقول ما يشتهي، بل ما يتطلبه الموقف وتستدعيه المناسبة ويتلاءم مع الظرف والحدث» وهذه صعبة المنال لكل أحد، والسياسيون يعلمون أن خطر الكلمة أشد ضرراً من خطر الرصاصة، وذلك لأنها تهدم مصالح وتذيب علاقات وتقوض جهود، ومع ذلك ومع طيلة وتداخل القضايا والأهداف ظل سمو الأمير سعود في غاية التفنن والسداد في انتقاء الكلمة والعبارة والمثل إن هو استدل به أو جعله موضحاً لمعنى يريده.

النهاية والختام:

يقول العقاد في كتابه (أنا): «ويعزيني عن كثير من الثناء أن الناس لا يبذلونه لمن يكبرونه، بل يبذلونه لمن لا يملأ قلوبهم بالإكبار».: ص 156 - المكتبة العصرية. وهذا يتطابق مع قامة ومكانة وإنجاز سمو الأمير سعود الفيصل، فهو ممن يمجد الإنجاز والعمل الصامت والعطاء المتواصل، فليس لديه وقت للاستعراض والتباهي، وهو أيضاً لا يحاول أن يملأ النقص وعدم الثقة الذي قد يخالج شعور بعض المسؤولين والإداريين في لحظات الإخفاق العابرة التي لا يسلم منها أحد، فيقوده ليحاول لفت الأنظار إليه من خلال كسب ود ملاك الأقلام والأعمدة والمقالات، وهو أمر طبيعي إذا دعت له الحاجة بسبب غياب المعلومة على الكاتب والصحفي لكن لا يصبح ديدنه ومنهجه، وهو ما دفعني لأحاول أن أجتهد مع تقصيري المؤكد في العرض والقراءة والتحليل، وبخاصة وأنا أقوم بتحليل وتوضيح ملامح شخصية لها حضورها الدولي والعالمي والإقليمي المؤثر والعميق والبنّاء. ومن هنا أدعو بقية الزملاء من الكتّاب والمهتمين والمعتنين بتحليل وقراءة التراجم والسير للقادة والعظماء، لأن يوظفوا ملكاتهم ومواهبهم وقدراتهم في تحليل إضافي لشخصية سمو الأمير «سعود الفيصل»، لتتوفر لدينا مجموعة قراءات تحليلية اجتماعية إنسانية، تكون بمثابة المراجع الاستقرائية لحياته السياسية والدولية، وخاصة بان سموه الكريم جمع بين العلم والممارسة والخبرة والاحتكاك الطويل والعميق والمتشعب الذي يعد منقبة يندر توافرها في أي رجل سياسي في العالم، فحفظ الله سموه من كل مكروه، وأمده بمزيد من الصحة والعافية.

 

الحياة السياسية والدولية للأمير سعود الفيصل
عبدالحميد جابر الحمادي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة