ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 17/09/2012 Issue 14599 14599 الأثنين 01 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الأسبوع الماضي سعدت بالذهاب إلى الطائف بدعوة كريمة من المشرفين المسؤولين عن مهرجان سوق عكاظ، ولم يكن غريباً على من استهوته دراسة التاريخ - مثلي - أن ينتشي بذكرى لحادثة مرّت بها حياته في ربوع تلك المدينة الجميلة.

في عام 1379هـ، أيْ قبل أكثر من نصف قرن، كنت قد ذهبت من مسقط رأسي عنيزة إلى مكة المكرمة لأداء امتحان السنة النهائية في المعهد السعودي، وفي ذلك الوقت كانت الطائف أجمل ما تكون عروساً رائعة لا يحتاج ساكنها إلى أيِّ وسيلة من وسائل التكييف غير الطبيعية، وقضيت هناك أياماً سعيدة مع أولئك الأصدقاء. وبعد أن غادرتها بأيام بعثت قصيدة إلى من أكرموني وسعدت معهم في ربوع الطائف المبهجة؛ مشيراً إلى ما حدث لي في أثناء سفري منها .. قلت:

قال الذي قوله على قَدّْ حاله

يطلع ويدخل ويتردَّد على ماش

عِزِّي لمن صار أسود الحظ نحاله

والغلدمه صارت له لحاف وفراش

ليلة رجيتوا لي طريق السهاله

ومعي رفيق قلبه أبيض من الشاش

حبيب لكن من علامة خباله

ركبه لدردعه وتركه بلا كاش

جديد صاروخٍ يسابق ظلاله

ما طبّ للتوضيب والكشف بقراش

سرنا من الطايف وجنَّة جباله

وقلوبنا كنَّه تغلب بكمَّاش

ومن يوم خَلَّي الزفت صرنا بحاله

الكل جاه من البطانيج هشهاش

مَرٍّ علي يمينه ومرٍّ شماله

ينفض ملايلنا كما طاش ما طاش

قَرمْبعٍ ما بالمواتر مثاله

الكيلو الواحد يخلِّيه مطراش

يوم انتصف بالرِّيع بَيَّن عطاله

يا كنّ تقطيعه عيارات رشاش

ويوم انحدر خلاَّ سالم بفاله

دَلَّى يخابط تقل هرشٍ به هراش

وزَودٍ على النعمة تجيك الكماله

بَنْشَر وصرنا بين هَايشْ ومنهاش

إلى هَرَجْ واحدْ خَطَرْ من قباله

يعطيه كفٍّ يارد الموت من ناش

لولا أن صدر اللِّي يسوقه حياله

ما هو بمرور زُعولٍ وحَشَّاش

كان اتركه بارضه ودَوَّر بداله

بُكْسٍ إلى تكَّى على طارته شاش

رحم الله تلك الأيام، كانت أيام شباب بالنسبة لي. وللشباب متعته؛ بل مُتَعُه المتدفِّقة حيوية. وكانت الحياة العامة أقرب إلى الفطرة والطبيعة مما أصبحت عليه. كان النفاق موجوداً، لكنه كان محدوداً إذا قيس بما أصبح عليه بعد مرور أكثر من نصف قرن. ونظرة إلى صحف تلك الأيام - مثلاً - ومقارنتها بصحف وطننا الحالية كافية للدلالة. وكانت الرشوة موجودة، لكنها كانت محدودة إذا قُورنت بما أصبحت عليه بعد مرور أكثر من خمسين عاماً. كان النبي محمد صلى الله عليه وسلَّم، المُرْسَل هداية للعالمين قد حذَّر من الرشوة، ولعن الراشي والمرتشي، لكن من المؤسف حقاً أن يصبح من الأقوال غير المنكرة - إنْ لم يُقَل المقبولة المجنَّدة - مقولة: «امرخ السير يسير». ومع أنّ صفتيْ النفاق وممارسة الرشوة؛ راشياً ومرتشياً، كانتا محدودتين في تلك السنوات، التي كنت أعيشها شاباً لمَّا يلتحق بالدراسة الجامعية بعد، فإني ذكرت وجودهما السيئ في مجتمعنا؛ وذلك في أبيات من قصيدة عنوانها (كلما فكرت)؛ مُعبِّراً عن حيرتي فيما أشاهده حولي:

قلت: أَندسُّ كغيري بين أحضان الوظائف

وهنا جَمَّعت أوراقي ومالي من معارف

وتقدَّمت إلى الباب رضيّاً غير خائف

قال لي من في يديه الأمر بالتوظيف: آسف

هات حق الدرب .. قلت: النبع من بئري نازف

قال: لا تصلح منذ الآن: مجنون مخالف

. . .

وتركت الباب خلفي تاركاً ظل الوظيفة

عملاً من يدفع الرشوة يبصره حليفه

وتوجَّهت إلى البيت فألفيت صحيفه

قلت في نفسي: لعلِّي أجد الروح النظيفه

سَطَّرتها بمداد النور أقلام شريفه

وإذا الكلُّ مُرَاءٍ خَطَّ للزلفى حروفه

وكان ذهابي إلى الطائف في الأسبوع الماضي - كما ذكرت في مستهل هذه المقالة - لحضور مهرجان سوق عكاظ. وفي طليعة ما أسعدني في المهرجان هذا العام، فوز الشاعرة المبدعة المتألِّقة روضة الحاج بجائزة (شاعر عكاظ)، فلقد وُفِّقت لجنة الاختيار كلَّ التوفيق في اختيارها فائزة بتلك الجائزة الرفيعة. وكنت قد سعدت بمعرفتها ومعرفة إبداعها الشعري قبل سبع سنوات؛ وذلك في أثناء سفري إلى السودان مع زميلي وصديقي العزيز البروفيسور عزالدين موسى، لحضور احتفال حجر الأساس لمشروع جمعية العز بن عبدالسلام الثقافية الاجتماعية في الخرطوم.

وكان من سعادتي أن أُتيحت لي فرصة الاستماع إلى شعراء وشاعرات في السودان، والاستمتاع بما ألقوا وألقين من شعر جميل. وكان من الشاعرات المبدعات؛ شعراً وإلقاءً، الشاعرة روضة الحاج، التي شاركت في لقاءين ثقافيين إبان وجودي هناك، وأطربت الحاضرين والحاضرات بما ألقته من إبداع شعري مُحلِّق.

وبعد عودتي من السودان إلى رحاب الوطن نشرت في صحيفة الجزيرة الغَرَّاء مقالة من ثلاث حلقات عنوانها: «وللسودانيين في القلب مَوَدَّة». وتحدثت في تلك المقالة عن علاقتي بأولئك الإخوة الكرام؛ بداية ورسوخاً مع مرور الأيام. ومن ضمن ما تحدثت عنه في الحلقتين الثانية والثالثة حديثي عن الشاعرة روضة الحاج، التي شاهد الجميع تألُّقها في إلقائها قصيدتها الفائزة بجائزة شاعر عكاظ هذا العام، ثم في إلقائها ما ألقته من شعرها الجميل في مساء اليوم التالي لتسلُّمها تلك الجائزة. وفي الأسبوع القادم - إن شاء الله - سأواصل الحديث عنها بخاصة وعن فعاليات سوق عكاظ هذا العام بعامة.

 

شيء من ذكرى أيقظه سوق عكاظ
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة