ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 05/10/2012 Issue 14617 14617 الجمعة 19 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

(دمى بلا أجنحة) وشجن الحزن النبيل

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أصاب الكاتب المكسيكي الكبير كارلوس فوينيتس كبد الحقيقة حين وصف الكتابة الأدبية الجيدة بأنها تلكم الكتابة التي لا تكتفي بأن تعكس الأشياء أو تقلد الحياة فحسب، وإنما تلك التي تتحدث حول ما لم يوجد بعد، أو ما هو موجود لكنه خفي أو ممنوع، عندئذ تصل إلى شيء أعظم أهمية.. وهذا ما نجح فيه إلى حد بعيد الروائي السعودي الشاب محمد الفلاج في روايته الصادرة أخيراً (دمى بلا أجنحة).

(دمى بلا أجنحة) نص يتحدث بعفوية عن الحرب الأمريكية على العراق من زاوية إنسانية بالغة تكشف العديد من خفايا النفس الإنسانية. لغة الرواية يميزها أنه كتبت بشجن عميق نتألم معها، ونتبادل مع شخصياتها آلاماً بآلام بأشواق وشجى بشجى مثله.تعتمد الرواية -في إحدى تقنياتها- على تدفق الحوارات التي تثري النص، بين شخصيات إنسانية باهرة بتلقائيتها ونبلها وعمق وعيها بالحياة.. وهاكم حوار بين أم ووليدها:

وبين يديها طفلها ياسر، وهو أصغرهم يسأل أمه: هل هذه ألعاب نارية، ولماذا لا نذهب نلعب مع بقية الأطفال؟.. شايفة يا أمي كم هي جميلة الألعاب!

ما عمر رحنا ولا مرة..

يا بني هذه لعبة لسيادة الرئيس بوش وصدام حسين، واحنا بس نتفرج من بعيد حتى تنتهي وبعدين نشوف ايش رايح يصير ومين يفوز بشعلة نار وحديد يحطبون من أرواحنا، نام يا بعد عمري بكرة يجي مرزوق وتروح معه..

ضم الطفل صدر أمه يتحسس الحنان الذي يفوق احتياجه، يداعب خصلات شعرها، يعفر أنفه بصدرها يشم رائحة الوجود كله..

حتى نام بأحلام وردية خلقت له من بضع كلمات وأماني من صباح الغد سوف تختفي.

يا إلهي! أي تساؤل هذا الذي يهز النفس هزاً من طفل بريء؟

وأي قلوب تكاد تنخلع من ذلكم التساؤل البريء: (ولماذا لا نذهب مع بقية الأطفال)؟!..

ويتبعه بهذه الجملة التقريرية التي تكاد القلوب أن تتصدع لسماعها: (شايفة يا أمي كم هي جميلة الألعاب؟!

أدبية (دمى بلا أجنحة) تنبع من جمعها بين العذوبة والبساطة التي نكاد نلامسها بقلوبنا، ونراها بأعيننا رأي العين.

ولا يدري القارئ من أين نشأ كل هذا الشجن والحزن الذي يملأ سطور الرواية؟

الملاحظ في الرواية كذلك ثراء الشخصيات الإنسانية، وربما كان نموذج جاكلين الأمريكية أروع ما جاء بالرواية.

(جاكلين) التي بدأت رحلة العمل مع مجموعة من الموظفين، وهي ضمن المنسقين في المنظمات الإنسانية كي تحصي عدد المحتاجين والفقراء الذين يفتقدون أدنى وسائل العيش والبقاء.

جاكلين في هذه الرواية تمثل الإنسان في ذروته العليا، الإنسان الذي يبتسم ويشعر كل من حوله بقيم التواضع.

جاكلين الشابة الأمريكية التي ما تمنت شيئاً سوى أن تعود لبلادها ولم تتلطخ يداها إلا بإطعام الفقراء، ولا تنحني -حسب قولها- إلا لمن هنا (العراقيين المهمشين) ولم تعد لها أي هوية سوى الجنسية البشرية.

ويختتم الكاتب روايته بتقديم وصف بديع لياسر الطفل العراقي الصغير الذي جاء حاملاً دميته وقدميه الحافيتين اللتين ذاقتا أشواك الألم والفقر واليتم، جاء مهرولاً لجاكلين الوجه البشوش، عله يجد مأوى، فمدت يديها ورفعته لأعلى كي ترميه على صدرها بكل قوة، لكنها كانت النهاية.

فقد دوى انفجار بطريقة تشبه الأفلام السينمائية، فتناثرت أطهر الأجساد، مختلطة بقطع حديد السيارة المفخخة، وبدمية ياسر التي سقطت بنفس المكان الذي كان يلعب فيه.. وتنتهي الرواية وقد ضاع جسد جاكلين الذي تناثر أشلاء في كل مكان، ومختلطاً بدمى بلا أجنحة.

محمود القيعي - أكاديمي في معهد الإدارة العامة

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة