ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 09/10/2012 Issue 14621 14621 الثلاثاء 23 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

حمدًا لك اللهم على آلائك، وشكرًا لك اللهم على جزيل نعمائك، ونصلي ونسلم على أشرف رسلك، وخيرة خلقك، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم لقائك، وبعد:

فلقد عشنا في الأيام الماضية أحداثًا متوالية, وفتنًا متتابعة, وصورًا متباينة, فالعالم الإسلامي والعربي خصوصًا يمر بمرحلة من المتغيرات والتحولات التي لا نملك إلا أن نلجأ إلى الله أن يجعل عواقبها خيرًا للمسلمين, حروب طاحنة, وإفساد وطغيان وتهجم على سيد البشر, وانتقاص من مكانته, وتشويه متعمد لشخصه ولسيرته, إلى غير ذلك مما يندى له الجبين, وفي ظل هذه الفتن, وبإزاء هذه الأعمال الشيطانية ثمة تصرفات وردود أفعال هي بأمس الحاجة إلى ترشيد وتأطير, وضبط للعواطف بالأصول الشرعية, لئلا تكون النصرة للباطل, وتدفع لمزيد من الأعمال المسيئة.

وفي خضم هذه الأعمال المشينة تبرز جهود قيادة بلاد الحرمين, تلك الجهود المباركة, والأعمال الجليلة التي تؤديها دولة الحرمين, وتحققها على أراضي المقدسات في منظومة من الخدمات والتسهيلات التي تصب في خدمة هذا الدين ونصرته, ونصرة أتباعه وأنصاره, وتقديم دين المسلمين وحضارتهم وثوابتهم للعالم بما يكشف الحقائق, ويزيل اللبس, ويصد الهجوم, ويكف العوادي, وليس هذا الشأن منهم معلقًا بمثل هذه الأعمال, أو ردة فعل لها, بل الحديث عن المنجزات الكبرى التي تقدمها المملكة العربية السعودية في منطقة الحرمين الشريفين والمشاعر حديث عن أهم مقومات العز والتمكين, والريادة العالمية, لبلد أخذ على عاتقه منذ تأسيسه على يد الموحد الباني المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله, وجعل الجنة مأواه-, وحتى هذا العهد الميمون المبارك, والعصر الاستثنائي لمليك حبيب قريب إلى شعبه, جعلته أعماله ومنجزاته التي تنطلق من إخلاصه لدينه ولشعبه قريبًا إلى قلب كل مواطن على هذا الثرى الطاهر, بل قريب من كل مسلم فوق كل أرض وتحت كل سماء, يؤازره ويعاضده ويشد من أزره ويقويه سمو ولي العهد الأمين, والعضد المكين, صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز, فهم من حمل هذه الأمانة والمسؤولية عن هذه الدولة المباركة ومواطنيها, وعن المسلمين في كل أنحاء العالم, وعن مقدسات المسلمين في هذا الوطن الغالي خصوصًا, ولذا فالحديث عن منجزاتهم عمومًا, وفي مكة والمدينة والمشاعر خصوصًا حديث له مذاقه الخاص, ورونقه الذي يحمل السعادة على قائله وقارئه, لأنه حديث عن خصائص ومميزات حمى الله بها وطننا، وهيّأ ووفق لها قادتنا، وجعل قدرهم وشأنهم ورسالتهم أن تحمى هذه المقدسات، وأن يتوافروا عليها خدمة وإعمارًا وتطويرًا ودعمًا بكل الإمكانات والوسائل والتقنيات التي تجعل من هذه البقاع المباركة أجمل وأبهى وأفضل مناطق العالم، ثم هو حديث عن ثوابت المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بهويتها ورسالتها تجاه الأمة الإسلامية في كل مكان، ذلك أن هذه البلاد المباركة والوطن الآمن بلد السلم والسلام، والخير والإنسانية، ومهوى الأفئدة ومهبط الوحي، وموئل المسلمين في كل مكان، هي قلب العالم الإسلامي النابض، وروحه الفاعلة، ومحركه الفعال ومحط أنظار أبنائه، ومهوى أفئدتهم، ومتجه قبلتهم، ونصير -بعد الله- لمظلومهم ومضطهدهم، ومعين لمشردهم وضعيفهم ومنكوبهم، وداعم أساسي لجميع قضااهم على تنوع أجناسهم وألوانهم وتباين وتباعد بلادهم وديارهم، اختار الله لها أن تكون حامية وخادمة لأشرف وأطهر البقاع، ومنحها من الفضائل والنعم ما يمكنها من أداء واجبها تجاه هذا الشرف الكبير الذي اختصها الله به، ولذا فهي تعطي ولا تبخل، وتؤيد ولا تتنازل، وتعطف وترحم، تبني ولا تهدم، تسهم وتشارك، تعطي وتبذل دون منة أو أذى، أو انتظار لمدح وثناء، في ثبات على المواقف والمبادئ نابع من رسوخ وأصالة في القواعد والأسس، منتج للقوة في الحق، وفق نظرات صائبة وسياسة حكيمة، وأحكام سليمة تنطلق من رسالتها السامية وغاياتها النبيلة، وأهدافها العالية المستمدة من مبادئ الإسلام «عقيدة وشريعة وأخلاقًا»، والتي قاعدتها الأصلية، ومنبعها الصافي، ومعينها الذي لا ينضب كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف هذه الأمة، تنطلق مما تميزت به الشريعة من الأصالة، والكمال والتمام والشمولية، والصلاحية لكل زمان ومكان وأمة قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي».

ودولتنا الفتية أخذت بذلك وطبقته منذ النشأة الأولى، وعملت به في دقيق أمورها وجليلها، كبيرها وصغيرها، علمًا وعملاً، تعاملاً وتصرفًا وعلاقة، عبادة ومعاملة، أحكامًا وسلوكًا واحترامًا للحقوق، وتقديرًا لكل مستحق، وأثمر هذا التمسك كل مظاهر الالتزام بهذا الدين والقيام به وتطبيقه، وما خدمة الحرمين الشريفين إلا شاهد على هذا الثبات والتمسك بالأصول، فقد سارت على هذا المنهج الراسخ منذ عهد مؤسس هذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية الإمام المصلح عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- الذي يسجل له التأريخ عناية ورعاية بالبلد الحرام منذ أن توحد مع الحجاز وصار دولة قوية فتية ترفع علمها خفاقًا يحمل كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله, وتوالى أبناؤه البررة، -رحم الله الأموات، وحفظ الأحياء- على هذا الشأن العظيم ألا وهو خدمة الحرمين الشريفين، الذي يعدونه من أعظم مسؤولياتهم، وأهم أماناتهم, وصار هذا جزءًا من أعمالهم ومنجزاتهم وجهودهم التي يلمسها المسلمون في وطن الإسلام، ويشعر بها كل مسلم فوق كل أرض وتحت كل سماء، وحديث الأفعال يشهد على ذلك، ويقف الراصد فيه على جملة عظيمة تعد من المآثر والمفاخر التي يفخر بها كل مسلم، كيف لا وقد خلعوا عن أنفسهم كل الألقاب التي يستحقونها، واعتبروا لقب خادم الحرمين الشريفين هو أشرف وأجمل ما يوصفون به، وما أجمله من لقب يحمل أبعادًا ودلالات عميقة في الارتباط بهذه البقاع الطاهرة، والعناية بها وخدمتها, والتشرف بذلك, وتحمل الأمانة والمسؤولية كاملة تجاهها.

ولغة الأرقام ترصد إنفاقًا كبيرًا، وعناية فائقة وأعمالاً جليلة يبذله ولاة أمرنا, ويجعلونه من أهم سياسات الإنفاق الرشيدة, تماشيًا مع الأسس والثوابت, ولذا لا يهم حجم الإنفاق مهما بلغ في مقابل ما يحدثه من تحولات في هذه الأماكن المقدسة, والواقع يشهد بذلك, إذ لا يمر زمن إلا وتشهد المدينتان المقدستان (مكة المكرمة, والمدينة المنورة) خدمات وجهودًا تتواكب مع ازدياد أعداد المسلمين القادمين إلى هذه الأماكن المقدسة من شتى أنحاء العالم، وما أن تنشأ مشكلة إلا وترصد الميزانيات لدراستها ووضع الحلول المناسبة لها، وهذا كله لا يخفى على متأمل وراصد.

ويأتي تمام العقد، ومنتهى العناية ما وفق الله إليه خادم الحرمين الشريفين الملك - عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- حينما كان العالم في غضب وغيظ من الإساءة العظيمة لمقام النبوة, وغليان جسدوه في أعمال لا يعدو معظمها أن يكون ردة فعل قد لا تحقق شيئًا من النصرة, بل قد تكون الأمور عكسية, فيأتي الرد البليغ, والجواب الصريح, والعمل المبارك, والموقف الذي لا يستغرب, والتعبير الصادق من مليك مسلم, وإمام فذ, ووالٍ عادل, وملك صالح, يجعل محطته في عودته من رحلته التي قضى فيها إجازته الخاصة في بلد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, ليحمل الطائر الميمون ركبًا رام أن يجسد مثلاً أعلى في النصرة والمحبة, فيقصد مسجد رسول الله ويؤم هذه البقعة المباركة,ويستهل عودته بالصلاة في المسجد النبوي والسلام على خير البرية وأزكى البشرية، ثم يضع حجر الأساس للتوسعة العملاقة ليقدم للمسلمين أجمع أعظم منجز تأريخي نوعي في هذه البقعة الطاهرة, بعد أن سبقها عمل مماثل في البقعة المقدسة الكبرى, وأول بيت وضع للناس في الأرض, لتكون أبلغ رد على تلك الإساءة البغيضة لمقام النبوة الشريف, ولجناب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

إن هذه التوسعة هي أعظم توسعة شهدها التأريخ، وبها يكتمل عقد هذه التوسعات العظيمة لهذه البقاع الطاهرة، وبها يمكن لهذه الدولة المباركة أن تقدم جميع ما يحتاج إليه ضيوف الرحمن من المساكن والبيوت والمآكل والمشارب, وكل ما ييسر لهم زيارتهم, وحجهم وجميع مناسكهم.

والمتابع والمطلع على أحوال الحرمين الشريفين والأوضاع الأمنية في الأراضي المقدسة يدرك بأن حجاج بيت الله الحرام لم يتمتعوا في عصر من العصور بعد القرون الأولى بنعمة الأمن والأمان والسلام في بلاد الحرمين الشريفين مثل ما تمتعوا بهما منذ زمن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى الآن، فالحمد لله على آلائه وتوفيقه وتسديده.

ومن يتأمل تلك الجهود، خصوصًا في عمارة المسجد النبوي الشريف وتشييده يدرك أن ذلك الأمر ما هو إلا تعبير عن التمسك بهذا الدين, والأخذ به بقوة, والبذل السخي في كل ما يحقق انتشاره وبلوغ رسالته للعالم؛ لأن المرحلة الحالية من التوسعات التي كمل بها واسطة العقد لم تكن استجابة للوضع الآني, والاحتياج الفعلي, بل هي استشراف لمستقبل واعد, يوازي تزايد أعداد المسلمين, وما يحملونه من هوى لهذه البقاع المقدسة, ثم هذه العمارة العظيمة هي تطبيق لمنهج الإسلام في حثّه على بناء المساجد وتشييدها، وتعظيم شأن من يقوم بهذه الأعمال الجليلة, فقد أثنى الله على من يعمر بيوته حسًا ومعنى, فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}، فهذه شهادة من الله بأن من يقوم بهذه الأعمال فهو مؤمن، وباعثه على هذا العمل هو إيمانه بالله، وهو دليل هداية، قال ابن كثير رحمه الله على هذه الآية: «شهد تعالى بالإيمان لعمار المساجد»، وقال القرطبي رحمه الله على هذه الآية: «دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة؛ لأن الله سبحانه ربطه بها»، وإن من عمارة المساجد إقامتها، وترميمها وتعاهدها وصيانتها, لاسيما إن كانت أعظم المساجد وأقدس البقاع.

ومما ورد في فضل الإنفاق على المساجد وتعميرها والمساهمة في استمرارها وبنائها ماورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ». رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

قال السندي في شرحه لابن ماجه: وقوله: «كمفحص قطاة: هو موضعها الذي تخيم فيه وتبيض لأنها تفحص عنه التراب، وهذا مذكور لإفادة المبالغة في الصغر, وإلا فأقل المسجد أن يكون موضعا لصلاة واحد».

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة، لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه. . . ، وقيل بل هو على ظاهره، والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر».

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ».

قال النووي في بيان عظمة هذا الثواب: «يحتمل قوله: مثله، أمرين: أحدهما: أن يكون معناه: بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها أنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الثاني أن معناه: أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا».

و عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة» رواه الترمذي، وهو حديث حسن.

فكل هذه النصوص دالة على عظم القيام على المساجد وتشييدها، وعمارتها وإصلاحها، وهو ثواب عام في عموم المساجد، فكيف إذا كان ذلك في عمارة الحرمين الشريفين، والقيام بشؤونهما، فأعظم به من ثواب وفضل لا يقادر قدره، ولا يعلم أحد منتهى أمده، ونحتسب ذلك لكل من قام بإعمار المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن توسعة بقعة هي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمسجد الثاني من المساجد التي تشد إليها الرحال, وموطن انتشار الإسلام وقوته وظهوره في صورته الأولى, ويكون ذلك في آخر الزمان حيث يأرز الإيمان إلى هذه البقعة بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولذا يكون بهذا العمل الجليل:

1- حماية العقيدة، وتحقيق توحيد الله، وإخلاص العمل له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى التوحيد ونشره من هذه البقعة، وكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من حقوق توحيد الله, وإعلان شعائر التوحيد.

2- إعانة للمتعبدين، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعان متعبدًا شاركه في أجره، فقال في الغزو: «من جهّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا», وهذا لا يختص بهذا العمل, بل كل من أعان المتعبدين في عبادتهم شاركهم في الأجر, ولذلك لما خلف النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه في أهله, وتكلم من تكلم, قال له صلى الله عليه وسلم: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه ليس نبي بعدي» أخرجه البخاري ومسلم.

3- إحسان إلى زائري هذه البقعة، والإحسان مرتبة عالية، ومنزلة عظيمة في الدين، جزاؤها من جنس العمل، {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان}.

4- قيام بحق البقعة والمكان، وتهيئة له، كيف لا وهي مهاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها مسكنه وقبره صلوات ربي وسلامه عليه.

5- يثمر ذلك كله نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصرة سنته, وشريعته, والقيام بحقوقه التي منها خدمة مهاجره صلى الله عليه وسلم, وخدمة قاصديه.

6- وهذا كله أبلغ تعبير عن محبته صلى الله عليه وسلم؛ إذ المحبة دليلها الاتباع والنصرة, وتوجيه الجهود لكل ما يخدم نشر دينه من خطاب ودعوة وزمان ومكان, ولهذا فإن هذا العمل الجليل من خادم الحرمين الشريفين نحتسبه زادًا له إلى رضوان الله وجنته, ومرافقة سيد الخلق, وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم, ونسأل الله أن يحقق ذلك له.

7- تحقيق أمثل الأساليب التي تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للبشرية في مقابل أقذع وأشنع الأساليب التي انتهجها الأعداء للنيل من مقام النبوة, ولذا فإن ما قام به خادم الحرمين الشريفين من هذا العمل الجليل أمر يستحق الإشادة, ويحق لنا كمسلمين ومواطنين أن نفاخر به, وأن نقدمه لأولئك الذين آذونا في رسولنا صلى الله عليه وسلم, وأن ما فعلوه لن يثني عزيمتنا في خدمة ديننا ونصرة رسولنا صلى الله عليه وسلم بما يعتمده العقلاء أسلوبًا للمحاورة والتواصل.

8- حماية وصيانة للأماكن المقدسة، وفي ذلك من الفضل والثواب ما لا يخفى, يمكن أن يدرك بالنظر إلى مقابل ما ذكره الله، فقد توعد الله من قصد مكة بمجرد إرادة سيئة، فقال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}، فكيف بمن قام بعمل، وإذا كان هذا جزاء وعقوبة من قام بذلك، فإن فضل من حافظ على أمن البيت الحرام والمسجد النبوي وسهر على ذلك، وجنّد كل طاقته لتحقيق أفضل البيئات سيكون أعظم وأوفر.

9- الوفاء بحاجة المسلمين، وتحقيق مقاصد الشريعة في اجتماعهم ووحدتهم وائتلافهم؛ لأن من أعظم ما يؤلف المسلمين ويوحد كلمتهم توحدهم على عباداتهم واجتماع كلمتهم على مناسكهم، وتوجههم، فإن هذا من مقاصد هذا الدين العظيم.

هذه جملة من الفضائل تبين أن إعمار وتطوير وخدمة الحرمين ليست كسائر المساجد، بل هي أعظم فضلاً وأجرًا وثوابًا، لأن من المتقرر في الشريعة أن العمل يعظم بعظم آثاره، وهذا ما نحتسبه لولاة أمرنا -أيدهم الله-.

وحتى يكون هذا الحديث تفصيلاً لما حصل في هذه العهود أذكر هنا نبذة سريعة عن التوسعات السعودية التي جرت منذ عهد الملك المؤسس الباني، الملك - عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه، وجعل الجنة مأواه الذي حرص على الحرمين الشريفين وتهيئتهما لعمّار وزوّار بيت الله الحرام، فقد أمر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1348هـ بإجراء عملية ترميم للحرم النبوي، وأعلن رحمه الله في الثاني عشر من شهر شعبان سنة 1368هـ عن عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف، وأجريت الدراسات اللازمة، ثم بدئ في شهر شوال عام 1370هـ بهدم الدور المحيطة به وتعويض أصحابها عنها إيذاناً ببدء أعمال التوسعة.

وكانت مساحة المسجد 10302متر مربع، أضيف إليها 6024متر مربع في التوسعة السعودية التي أمر بها الملك عبدالعزيز، وانتهت في يوم السبت 5 - 3 - 1375هـ.

وتتابع على ذلك أبناؤه من بعده، سعود وفيصل وخالد وفهد -عليهم رحمة الله-، اهتمامًا وحرصًا بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، وكانت كبرى التوسعات السابقة لهذا العهد ما حصل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -يرحمه الله-، حيث وضع حجر الأساس للتوسعة في المسجد النبوي يوم الجمعة 9 - 2 - 1405هـ.

واكتملت البنية الأساس لتوسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -يرحمه الله- في المسجد النبوي في منتصف عام 1410 هـ، على مساحة تبلغ 280000 متر مربع، يضاف لها المرافق والخدمات.

وفي هذا العهد الزاهر، والحكم الراشد، عهد ملك الحكمة والسداد، خادم الحرمين الشريفين الملك - عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- هيأه الله جل وعلا ووفقه لعمل صالح، ومنجز نوعي يصنع به التأريخ، ويسطر له بأحرف من نور، وذلك حينما دشّن مشروعات كبرى في هذه البقعة الطاهرة، منها ما أنجز وتم، وأصبح معلمًا حضاريًا يشهد بهمة الأفذاذ، وعظمة الإنجاز، ومنها ما تترقبه الأمة في عهد قريب، حيث وضع -يحفظه الله- حجر الأساس لأكبر توسعة للمسجد النبوي، بمساحة تسع لأكثر من مليوني مصلٍ.

وإن المتأمل لهذه التوسعة العظيمة، والآية الباهرة الممتدة على مدى الأجيال، وما قام به إمام المسلمين وخادم الحرمين الشريفين من هذه المشاريع الجبارة، والخدمات الجليلة، التي خلدها له التأريخ، ليكمل بهذه المشاريع العملاقة ما ابتدأه سلفه الصالح، وليكون عمله هذا سببًا في التيسير والإحسان إلى قاصدي بيت الله من عمّار وزوّار، لتستوعب هذه البقعة أكبر عدد منهم، وليؤدوا مناسكهم في طمأنينة وخشوع وسكينة وأمن وأمان، ولينعموا بما أفاء الله جل وعلا على هذه البلاد المباركة من فضل عميم ليدرك أن ذلك لم يكن إلا بتوفيق من الله جل وعلا وحسن نية وقوة إيمان، لتكون هذه الجهود المباركة، والأعمال الجليلة من جملة الشواهد الناطقة، والحقائق الناصعة، والنعم المتتابعة على هذا الوطن وقادته وأهله، تشهد بأن هذا بلد الإسلام، وموئل العقيدة ومأرز الإيمان، وأن الله اختار لها قادة أفذاذًا، نذروا أنفسهم لخدمة دينهم وعقيدتهم وشعبهم، والله أعلم حيث يجعل رسالته.

وميزة هذه المنجزات أنها ذات طابع شمولي، فالتوسعة كما ذكرنا أعظم توسعة مرت على تأريخ هذه البقعة، بل إنها توازي جميع التوسعات السابقة، والعظمة ليس في هذه القدرة الاستيعابية فحسب، بل في التصاميم الهندسية، والأشكال والمجسمات والميزات والخصائص التي استفيد فيها من الثورة المعلوماتية، والقفزة التكنولوجية، والتراكم الهندسي في مجال العمارة، ويتوافر عليها ثلة من أميز المهندسين والخبراء، حتى تشكلت صورة المشروع برؤية عالمية لا يمكن أن يصل الذهن والخيال إلى تصورها، فضلاً عن إدراك ما تشتمل عليه من تفاصيل وجزئيات، حتى تصير محل الرضا والقبول من كل المسلمين علماء وعامة، وهذا من توفيق الله لخادم الحرمين الشريفين، وتشمل هذه التوسعة مائتين وخمسين مظلة تغطي ساحات الحرم النبوي, ومواقف للسيارات والحافلات تستوعب أكثر من أربعمائة سيارة وحافلة, كما تشمل الأعمال المنفذة تنفيذ دورات مياه مخصصة ومواقف مخصصة لتحميل وإنزال الركاب من الحافلات والسيارات. وتشمل تنفيذ مداخل ومخارج مواقف السيارات بالمسجد النبوي، كما تشمل زيادة عدد المآذن لتصل إلى عشرة مآذن، وسبعة وعشرين قبة متحركة جديدة, وسلالم لتسهيل حركات الزوار.

أعمال يعجز يعجز القلم عن وصفها وإحصائها، فكيف بواقعها وحقيقتها، والحق أن الحديث عن هذا العمل الجبار، والمنجز التأريخي حديث لا يمل، وليس غرضي من هذا البيان إلا أداء بعض الحق المفترض عليّ تجاه هذا القائد الإسلامي، والحكيم المظفر، خادم الحرمين الشريفين -أمد الله في عمره على الطاعة والإيمان-, وإبراز بعض هذه الجهود التي كرر -أيده الله- أنها تؤدى من قبل حكومة هذه البلاد دون منة أو فخر.

وبعد: فإن هذه الجهود المباركة لا يشك منصف عاقل أنها من أسرار التمكين والعز والتأييد، وأن هذه الجوانب المضيئة جزء من الثوابت، وهذه الجهود ستزداد مضاءً وثباتًا وقوةً وفق رؤى واضحة وأهداف بينة، وعمل دؤوب، تحقق به المملكة العربية السعودية رضا الله عز وجل، وذلك لأنها تعمل لوجه الله لا تريد جزاءً ولا شكورًا سوى مرضاة الله وخدمة المسلمين.

وإن حقًا على كل مسلم وكل مواطن شهد هذا الحدث التأريخي، والعمل الإسلامي العظيم أن يحمد الله على أن هيّأ ولاة أمر هذه البلاد ووفقهم لمثل هذا العمل الجليل، وأن يدرك أن هذا سر من أسرار التمكين والأمن والأمان والوحدة والاجتماع، وأن يلهج بالثناء على الله والدعاء بأن يحفظ الله هذه البلاد آمنة مطمئنة، وأن يجزل الأجر والمثوبة، ومضاعفة الحسنات، ورفعة الدرجات لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الذين رعوا ودعموا وباركوا هذه التوسعة, ونسأل الله أن يجعلها زادهم إلى رضوان الله وجنته، ومغفرته ورحمته، وأن يرد بهذه الأعمال الجليلة عن هذه البلاد الشرور والفتن، والبلايا والمحن، إنه سميع مجيب،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
 

توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي أبلغ رسالة للعالم، وأصدق تعبير عن محبة رسول الله
أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة