ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 13/10/2012 Issue 14625 14625 السبت 27 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يتحدث علماء اللغة عن فترة الصمت التي يمر فيها الإنسان بعد تعلمه للغة جديدة، وعادة يحتاج الإنسان إلى فترة زمنية محددة لينطلق بعدها في التحدث بقدرات أكثر تعبيراً، وقد كانت لغة الفكر الحديث بالفعل جديدة على المجتمع السعودي في الخمسينات والستينات الميلادية، وصاحبها في البدء رفض واستعداء واستخدام للدين ممثلاً في مرجعية المؤسسة الدينية لمنع دخول اللغة الجديدة، ثم جاءت ظاهرة الصحوة من أجل وقف تقدم المجتمع في مراحل تعلم اللغة الثانية في الفكر الحديث، التي تعني قبول ظواهر البوح الفكري والسرد الذاتي بشفافية تامة.

وصلت لغة الرفض للقادم الجديد إلى درجة الترهيب والتكفير والتخوين، وكانت المفاجأة أن تأثرت الصحوة لاحقاً بالغزو الفكري الجديد، ليخرج نجومها من ساحة المعركة أقرب للمثقف الذي يؤمن بالرأي والرأي الآخر من الداعية الذي يجاهد بالقلم والرأي ضد الفكر الوافد، وكانت النتيجة رفع الرايات البيضاء، وهو ما حد كثيراً من التشنج والتطرف، وبالتالي إعلان دخول المجتمع في فترة الصمت التي عادة ما تأتي بعد اكتمال تعليم اللغة الجديدة في مراحلها الأولية.

من علامات فترة الصمت الحالية غياب الزوابع الفكرية وسكوت العامة عن تأييد المتطرفين من الجانبين في قمع الرأي الآخر، وكأن الناس بدأوا الاستعداد للدخول في مرحلة بدايات النضوج اللغوي ودخول حالة الحياد الفكري، كان آخر تلك المعارك ما حدث في معرض الكتاب منذ سنوات، عند ما صال وجال المتطرفون في صالات المعرض، ومع ذلك لم يتوقف المواطنون عن زيارة المعرض وشراء الكتب الفكرية، وكانوا بتلك المبادرة يؤكدون خروج المجتمع من مرحلة الوصاية إلى مرحلة الحياد وإكمال تعلم اللغة الجديدة، ومن ثم استخدامها في التعبير عن آرائهم والترويج لأفكارهم الجديدة، وعادة لا يحدث مثل هذا الانتقال سريعاً، ولكن ينتقل عبر سلم متوازن، ينتهي به إلى قبول مبادئ الحرية المسؤولة والحقوق الفردية.

في فترات سابقة كان المجتمع يتعامل مع ظواهر البوح على أنها خروج عن النهج الصحيح، وقد واجه بعض المفكرين والروائيين عواصف من ردات الفعل والمطاردات الفكرية، التي وصل بعضها للتهديد، لكن ظاهرة البوح الفكري باللغة الجديدة دخلت بعد معاناة طوراً جديداً في الفترة الحالية، فقد قرأنا خلال العقد الأخير بوحاً غير معهود لكتّاب سعوديين، كان بعضهم دعاة متزمتن في السابق، ووصل استخدام فن التعبير بلغة الفكر الثانية لأفراد من الأسرة المالكة، حين أجاد أحدهم في تقديم سرد روائي ممتع وشفاف، وصل لأن يكون من أكثر الكتب تداولاً، وقد أصبحت كتابة الرواية ظاهرة جديدة بين الكتّاب السعوديين، يتسابقون عليها ويظهرون شفافية عالية في طرحهم، وكأنهم بذلك يريدون الاستعجال في كسر فترة الحياد.

في السنوات الأخيرة منحت وسائل التواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبويتة مساحة كبيرة لمختلف فئات المجتمع للدخول في تجارب ذاتية للتعبير عن آرائهم بلا رقيب، وكانت النقلة أن كثيراً منهم اختار أن يكتب من خلال اسمه الصريح، ويتناول قضايا قد لا يُسمح لها بالنشر على صفحات الجرائد اليومية التي تخضع أحياناً لسياسة التوجيه الإعلامي، وهو ما أضعف الصحافة وحد من دورها في التأثير على فترة الصمت الفكرية، وكأن السياسة الإعلامية تشجع مساحات النشر على صفحات التواصل الاجتماعي، وإعطائها زمام المبادرة في تحريك الساكن الفكري إلى اتجاهات قد تكون غير متوقعة.

ما زالت فترة الصمت الفكرية الحالية أشبه بحالة مخاض في أشهره الأخيرة، ينتظر مولوداً جديداً، هو اكتمال تطور اللغة الثانية للتعبير في المجتمع السعودي، وإذا استمر استبعاد مساحات الإعلام الرسمية من حرية التعبير المسؤولة إن صح التعبير قد يخرج ذلك المولود متمرداً عن تقاليد المجتمع القديمة، أو قد يصل إلى حالة النضح الفكري واكتساب مهارات التعبير بشفافية، لكن في ذلك الحين سيكون من الصعب إعادة المجتمع إلى فترة الصمت مرة أخرى.

 

بين الكلمات
فترة الصمت
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة