ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 19/10/2012 Issue 14631 14631 الجمعة 03 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

طالعتنا وسائل الإعلام يوم الاثنين 15-11-1433 هـ، الموافق 1-10-2012 م بتوصيات مجلس الشورى الموقر التي اتخذها في جلسته العادية الخامسة والخمسين للسنة الرابعة من دورته الخامسة، وكان من بينها توصيتان،

طالب المجلس في التوصية الأولى وزارة الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع الجهات الحكومية بتطبيق برنامج “الوصول الشامل” لتسهيل حركة ذوي الإعاقة، وضمان سلامتهم، في حين وافق في التوصية الثانية - بالأغلبية - على ضرورة تنسيق الوزارة مع وزارة التربية والتعليم على افتتاح مدارس خاصة لذوي الإعاقة الذهنية تراعي حاجاتهم ومستوى قدراتهم.

وإزاء هذا الاهتمام الكبير الذي يحظى به ذوو الإعاقة من المجلس الموقر لا أملك إلا أن أسجل إعجابي الشديد، وفخري واعتزازي بهذا المجلس الذي يضم نخبة من أعيان ووجهاء وعلماء وحكماء هذا البلد الطيب، كما أنه لا يفوتني أن أتقدم لهم بخالص الشكر، ووافر التقدير، وعظيم الامتنان على اهتمامهم الدائم بقضايا الإعاقة، وهذا ليس بالأمر المستغرب على هذا المجلس الموقر الذي دأب منذ إنشائه على دعم ومؤازرة هذه الفئة الغالية من فئات مجتمعنا الحبيب.

وفي كل الأحوال، فأعضاء المجلس يجتهدون، ولا يلام المرء بعد اجتهاده، غير أن الذي يحز في النفس كثيراً هو ذلك الشعور الغريب الذي بدأ يتولد لدى بعض الناس، ومؤداه أن أعضاء المجلس يميلون إلى تقديم النصح والمشورة، لكنهم لا يحبون الاستماع إلى النصح والمشورة، وخاصة من أصحاب الشأن وذوي الاختصاص، والدليل على ذلك توصية المجلس المتعلقة بافتتاح مدارس خاصة لذوي الإعاقة الذهنية، فهذه التوصية متناقضة، متعارضة، متجاهلة، متقادمة، ومفرغة من مضمونها، وفيما يلي تفصيل ذلك:

1- هذه التوصية تتناقض مع التوصية التي اتخذها المجلس في نفس الجلسة بشأن تطبيق مفهوم الوصول الشامل، فهي تدعو إلى إنشاء مدارس خاصة لذوي الإعاقة الذهنية، وهذا يعني بالضرورة إنشاء هذه المدارس في المدن ذات الكثافة السكانية العالية، مما يستدعي انتزاع أبنائنا وبناتنا ذوي الإعاقة الذهنية من أحضان والديهم، وإيداعهم في إسكانات داخلية - كما كان يحدث في الماضي-، والله وحده هو الذي يعلم بما كان يجري فيها، في حين أن الوصول الشامل “Accessibility” هو مصطلح عام يعني أن يتمكن كل فرد من أفراد المجتمع من الوصول إلى جميع مرافق البيئات المختلفة مثل: البيئة المبنية من مكاتب، ودورات مياه، ومصاعد وغيرها، وكذلك البيئة التعليمية من تعديلات المناهج، وإجراءات التقييم، وتوفير الأجهزة والأدوات اللازمة لتمكين التلاميذ من التواصل والتحرك والتعلم، مما يمكن التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة من الاندماج في مدارس التعليم العام والمجتمع بشكل عام.

2- هذه التوصية تتعارض مع المادة 24 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صدرت عن الأمم المتحدة عام 2007م، ووقعتها، وصادقت عليها المملكة العربية السعودية عام 2008 م، وهي تلزم الدول الأطراف بضرورة تربية وتعليم ذوي الإعاقة على اختلاف فئاتهم وتنوع قدراتهم في مدارس التعليم العام، وتحذر في مفهومها من عزلهم في مدارس منفصلة، إذ إن ذلك قد يصل إلى درجة التمييز العنصري ضدهم.

3- هذه التوصية تركز على فئة واحدة فقط هي فئة ذوي الإعاقة الذهنية، وهذه الفئة تعد من أقدم الفئات التي استفادت من خدمات التربية الخاصة، وقد انتشرت معاهدها وبرامجها في مختلف أنحاء المملكة، ولا أعتقد أنها تحتاج إلى أكثر من تطوير وتجويد العمل في هذه المعاهد والبرامج من الناحيتين الكمية والنوعية، في حين أغفلت هذه التوصية أو تجاهلت الفئات الأخرى من ذوي الإعاقة، والتي يبلغ عددها 13 فئة حسب نظام تربية وتعليم ذوي الإعاقة في الولايات المتحدة “Individuals with Disabilities Education Act) (IDEA)، و11 فئة حسب القواعد التنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم في الملكة العربية السعودية على اختلاف في المصطلحات والتعريفات، وخاصة بعض الفئات التي لا تستفيد - حتى الآن - من خدمات التربية الخاصة بشكل جيد أو لا تستفيد منها على الإطلاق مثل: أطفال التوحد، والأطفال ذوي الاضطرابات السلوكية والانفعالية، والأطفال الذين يعانون من فرط الحركة والنشاط الزائد وتشتت الانتباه، وغيرهم من فئات التربية الخاصة الأخرى.

4- هذه التوصية متقادمة جداً، فالدعوة إلى إنشاء مدارس خاصة منفصلة أمر قد عفا عليه الزمن، وطوت صفحاته الأيام، إذ إنه لا ينسجم مع التوجهات العالمية الحديثة، والتي تتجسد في مفهوم الدمج التربوي “Mainstreaming”، والتعليم الشامل “Inclusive Education”، والتعليم للجميع “Education for All”.

5- هذه التوصية مفرغة من مضمونها، ذلك أن وزارة التربية والتعليم قد نفذتها - بالفعل - في سنة 1384 هـ، أي قبل حوالي نصف قرن من الزمان، عندما بدأت في افتتاح معاهد التربية الفكرية التي انتشرت في المدن الكبيرة، ثم توجت الوزارة ذلك باستحداث فصول خاصة ملحقة بمدارس التعليم العام لذوي الإعاقة الفكرية أسوة بغيرهم من الفئات الأخرى، والتي انتشرت بشكل سريع في مختلف مناطق ومحافظات ومراكز المملكة وفقاً لاستراتيجية التربية الخاصة التي وضعتها الوزارة سنة 1417هـ، ونص المحور الأول منها على تفعيل دور مدارس التعليم العام في مجال تربية وتعليم التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، بينما نص المحور الثاني على الإبقاء على معاهد التربية الخاصة مع ضرورة التطوير والتغيير في أدوارها بما ينسجم مع التوجهات العالمية في التربية الخاصة، بحيث تصبح مكملة لمدارس التعليم العام وليست بديلة عنها.

وعندي أن مجلس الشورى لو استفاد - بشكل أفضل - من ملاحظات ومرئيات أصحاب الشأن وذوي الاختصاص في مجال الإعاقة، لخرج بتوصية تكون مكملة ومتممة ومفعلة لتوصيته الخاصة بتطبيق مفهوم الوصول الشامل، وهي توصية غاية في الأهمية تأتي في إطار برنامج الوصول الشامل الذي يتبناه مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة بكل كفاءة واقتدار، ويقتضي السياق في هذا الإطار أن تكون التوصية المساندة لهذه التوصية معنية بالأنظمة والتشريعات التي من شأنها أن تعمل على تحقيق مبدأ الوصول الشامل، وفي مقدمتها “نظام رعاية المعوقين في المملكة” الذي أعده مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، وأوصى به مجلس الشورى، وأقره مجلس الوزراء، واعتمده المقام السامي في سنة 1421 هـ، إلا أنه لم يتم تفعيله بشكل جيد، حيث لم تفعل أهم مواده، وهي المادة الثامنة من النظام، فالمجلس الأعلى لشؤون المعوقين لم يشكل بعد، كما أنه لم يتم تفعيل المادة الثانية عشرة من النظام، إذ لم يتم إنشاء الأمانة العامة الخاصة بالمجلس، وكذلك لم تفعل المادة الرابعة عشرة الخاصة باعتماد ميزانية يتم الصرف منها على أنشطة المجلس.

وفوق هذا كله، فإن هذا النظام أصبح بحاجة إلى التحديث والتطوير نتيجة للتطورات المتسارعة في مجال الإعاقة، فعلى سبيل المثال مسمى النظام “نظام رعاية المعوقين في المملكة” لم يعد ينسجم مع التوجهات العالمية، فقد تم شطب كلمة (الرعاية) من نصوص المواثيق الدولية بسبب ما يشهده العالم حول التحول من مفاهيم الرعاية إلى مفاهيم الحقوق والواجبات، على اعتبار أن فئات ذوي الإعاقة ليست بحاجة إلى رعاية وعطف وشفقة بقدر ما هي في حاجة إلى الأنظمة والتشريعات التي تكفل حقوقها وتمكنها من القيام بواجباتها، كما تم تعديل مصطلح (المعوقين) إلى مصطلح جديد هو مصطلح “الأشخاص ذوي الإعاقة”، كما ورد ذلك في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأصبح الشعار الذي يرفعه ذوو الإعاقة في المحافل الدولية هو: “لا شيء من أجلنا ولا شيء بشأننا إلا بنا” “Nothing for us without us الجزيرة Nothing about us without us”، بل قامت كثير من الدول بإصدار الأنظمة والتشريعات التي تعمل على تفعيل دور ذوي الإعاقة في مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بهم، بحيث نصت على ألا يقل عدد ذوي الإعاقة في مجالس إدارات هذه الجمعيات والهيئات عن 50%، وذلك تمكيناً لهم من القيام بالدور الأهم في كل ما يتعلق بمصائرهم.

ثم إن هناك القواعد التنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم التي صدرت في سنة 1422 هـ، وهي من أهم الوثائق التي صدرت عن الوزارة، وما زال يتم العمل بها في الميدان التربوي، بيد أنها - هي الأخرى - أصبحت في حاجة إلى التحديث والتطوير، بل والأهم من ذلك أن يقوم مجلس الشورى بتحويلها إلى نظام متكامل يسمى: “نظام تربية وتعليم ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في المملكة”، إذ إن من شأن هذا النظام أن يضمن لهذه الفئات حقها في الحصول على التعليم المناسب، ويعمل على تأصيل الفلسفات والسياسات والإجراءات المتعلقة بتربيتها وتعليمها، ويحدد - بشكل واضح - متطلباتها المكانية، ومستلزماتها التجهيزية، وكوادرها البشرية، وبيئاتها المدرسية.

وقبل أن أنهي هذه السطور، أشعر أنه يتعين علي أن أسجل كلمة حق هنا هي أن وزارة التربية والتعليم قد نالت قصب السبق على غيرها من القطاعات الحكومية والأهلية في مجال تقديم الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة، ليس من الناحية التاريخية فحسب، وإنما من حيث الفكر التربوي المتطور الذي يسود في أوساطها، وهذا لا يعني -بأي حال من الأحوال- أن هذه الوزارة قد قامت بواجبها نحو فئات التربية الخاصة على الوجه المطلوب، فهي أحوج ما تكون الآن إلى الارتقاء بمستوى كم ونوع البرامج والخدمات التي تقدمها لهذه الفئات، وأرى أن أول خطوة في هذا السبيل تكمن في دعم إدارتي التربية الخاصة (بنين وبنات) بالكوادر البشرية القادرة على ترجمة طموحات المسئولين بالوزارة إلى واقع يلمسه ذوو الاحتياجات التربوية الخاصة وأسرهم.

وفي الختام.. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا الحبيبة، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، وأن يحفظ لها قيادتها الحكيمة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء.

المشرف العام على مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل - رئيس مجلس إدارة جمعية المكفوفين الخيرية بمنطقة الرياض
 

مجلس الشورى الذي لا يستشير !!
د. ناصر بن علي الموسى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة