ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 20/10/2012 Issue 14632 14632 السبت 04 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

اخترت اليوم أن أقف تأملا ودهشة لما كتبته إحدى طالباتي حول بعض المفاهيم الثقافية التي ندرسها ومن ضمنها مفهوم القولبة.. بالله عليكم.. اسمعوا وقولوا لي هل يمكن لمجتمع أن يمضي في تعصبه أكثر من ذلك؟.. اسمعوا أماني وماذا تقول:

“دائما ما نتجه إلى قولبة الآخرين وحشر ملايين البشر في أطر نمطية ضيقة, فنحن في الغالب نتبنى (قوالب مسبقة) وضعها آخرون عن المجموعات والشعوب الأخرى ثم نعتمدها كمرجع في التعامل معهم والحكم عليهم.

ومن الأمثلة الظريفة التي عايشتها مثالا على القولبة هي العنصرية, أذكر عندما كنت في المرحلة المتوسطة, كانت المدرسة التي أدرس فيها والحي الذي نعيش فيه كلهم من (القصمان)، كنت أنا الوحيدة بينهم (جنوبية) لدرجة أن المعلمات لم يكن ينطقن اسمي: فقط يكتفين بمناداتي “يا عسيري”, وكنت أدفع ثمن هذا الاسم ليس من الجميع بالطبع ولكن من القلة من المعلمات, أما الطالبات فكن الأغلبية منهن وهذا الأمر الذي يثير تساؤلي إلى الآن, كيف كن يعرفن بعضهن وعائلات بعضهن وأنا كنت أجهل تماما مثل هذه الأمور حتى أنه في بعض الجلسات يدور بيننا حوار عن الجدات وما إلى ذلك فكنّ يشعرنني بأني لست سعودية لأن أجدادي لم يفتحوا الرياض مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله-! فكنت أحزن جدا وأتمنى لو كنت ابنة هذه المنطقة, كما لا أنسى تلك المعلمة التي جاءتنا بعد العطلة الصيفية وبدأت السؤال المعتاد.. أين قضيتن العطلة الصيفية؟ وعندما جاء دوري قلت بكل سعادة “ذهبنا إلى أبها”، فنظرت إلي بعينين متسعتين ثم سألتني: أنتِ جنوبية؟! قلت نعم, وأنهت الحوار فورا وانتقلت إلى الأخرى -حسناً أريد أن أكمل ماذا رأيت في أبها, أريد أن أحدثكن عن الأمطار والأشجار والضباب والجو البارد- ولكن لم أكمل حديثي إلى الآن ولا أعلم ما السبب!

ومن المواقف التي أذكرها في ذلك الوقت أن أخي -بالطبع- كان يدرس في مدرسة الحي التي هي أيضا جميع من فيها من القصمان، ولأنهم أولاد فكانت العنصرية لديهم أشرس وأوضح، ومن الألفاظ التي يطلقونها عليه على سبيل المثال (يا صفر سبعة! -وبعض الأحيان تحول السبعة إلى لفظة سيئة- أو يا عصيري بدل عسيري, أو يا أبو يمن -بحكم أننا قريبون من اليمن الحبيبة-...الخ) وهكذا من الألفاظ التي تنتشر في مجتمعنا ليست فقط لمنطقتنا, بل في كل منطقة معروفة بقالب معين يدخل فيه جميع من ينتمي إلى هذه المنطقة, وداخل كل منطقة قوالب لقبائل معينة ترفع قبيلة على حساب أخرى، ومن الشواهد على ذلك قدر الله أن يحصل لنا ظروف اضطرتنا للسفر إلى أبها والمكوث بها سنة كاملة, كنت وقتها في بداية المرحلة الجامعية فدخلت كلية الاقتصاد المنزلي وشعرت بسعادة غامرة أني سوف أدرس وسط أهلي وأحبابي وسيعوضني الله عن المأساة والوحدة التي عشتها طوال حياتي بين القصمان!! ولكن فرحتي لم تدم طويلا, ففي الشهر الأول تقريبا كنت جالسة مع بعض الزميلات نتجاذب أطراف الحديث وكنت جدا منسجمة ومستمتعة وما قطع استمتاعي إلا إحدى الجالسات تسال أخرى (أنتِ تهامية!!! وعلى وجهها علامات الاستفهام، ردت عليها قائلة: (لا وه بسم الله علي يع لو أني تهامية كان انتحرت!!) الموقف حقيقة أدهشني أنا قادمة من الرياض فالذي أعرفه أن هناك قصيمية, وجنوبية أما تهامية هذه لفظة جديدة يا ترى من يمثلها؟! عندما عدت إلى المنزل سالت أمي -حفظها الله- عن سر هذه اللفظة الجديدة وسر انفعالهم واستيائهم منها, ففهمت منها أن هناك منطقة تهامة وهي تقع في الأسفل ويسمون أهلها أهل تهامة أو التهاميون, ومنطقة الحجاز ويسمون أهلها بأهل السراة, ويعتبرون أهل السراة أفضل باعتقادهم من أهل تهامة لأنهم يقعون فوقهم ومتحضرون أكثر منهم!! (بينما أنا شخصياً لا أجد هناك أي فرق) فهمت المقصود ولكن الصاعقة التي نزلت بي هي أنني اكتشفت أني من أهل تهامة): وحزنت وجاء في نفسي أن حظي سيئ فأنا لست في الرياض ولا في الجنوب!! وقتها حقيقة كنت أتمنى أني لم أكن بداية جنوبية وثانيا تهامية لجهلي بهذه الأمور, وكنت أكتفي بالصمت والحزن لفترة ثم أنسى الموضوع تماما.

عندما بدأت أفهم وبدأت أسمع أكثر عن هذه الأصناف وأبشع.. أتساءل من وضع هذه القوالب ومن قسم المجتمع إلى فئات وأقسام، ومن يستفيد من هذه التقسيمات؟! وكيف تصل إلى أشخاص في هذه الأعمار لو كانت العنصرية أو الألفاظ تصدر من معلمات فقط لوجدت تفسيراً لتساؤلاتي لكن هذه العنصرية كانت تأتي من زميلاتي في نفس عمري غالباً, ثم لماذا لم يكن لدي مثل هذه العنصرية ولم أكن أفهمها في حينها؟ افترضت أن تربيتنا في المنزل لم تكن قائمة على العنصرية أو لم تكن تبالي بمثل هذه الأمور, فبالتالي أنا لم أتشرب هذه من المنزل, إذن فالأسرة هي السبب وأسر الذين قابلتهم هم من علموا أبناءهم هذه الأمور, ولكن لم يدم افتراضي هذا طويلاً حتى أثبت خطأه, ففي العام الماضي مررت من عند أخي الصغير -وهو يدرس في المرحلة المتوسطة- كان يلعب بالبلايستيشن مع آخرين عن طريق الإنترنت فحصل بينه وبين أحدهم خلاف وبدأت المشاجرة وأنواع الشتائم يكيلها إليه، وبالتأكيد الطرف الآخر هو أيضا يبادله الشتم، ولكن لم أكن أسمعه, وفجأة أثناء الشجار وتبادل الشتائم نزلت إحدى الألفاظ على سمعي كالصاعقة وهو يقول له: (اقل رح يا الشيعي يا أبو جيزان!!!) سألته هل من تحدثه شيعي؟ قال: لا. قلت: حسناً جيزاني قال: لا أيضا, قلت لماذا أطلقت عليه هذه الألفاظ بالذات؟ فقال: أي واحد ما يعحبني أقله يالشيعي يالجيزاني يا ابو يمن... الخ) من الألفاظ المنتشرة في مجتمعنا المسلم وللأسف, سألته عندما تقول هذه اللفظة له ما الذي تريد أن تصل إليه؟ فأجاب أنه لا يعلم, ولكنهم متعودون عليها في المدرسة وخارج المدرسة وأنه من يطلقها يقصد بها الإهانة للطرف الآخر, هي بالنسبة لهم تعتبر سبة أو شتيمة!

في الحقيقة أمر حيرني كثيرا، كيف وصلت إلى أذهانهم مثل هذه الأفكار إذن، ففرضي السابق خاطئ عندما افترضت أن الأهل هم سبب هذه العنصرية المقيتة, فنحن في المنزل لا نتطرق أبدا لمثل هذه الموضوعات فمن أين جاء بها؟!

إن مثل هذه القوالب والأحكام المسبقة والمشوهة لمنطقة معينة أو قبيلة ما أو طائفة أو عشيرة أو.. أو... الخ, منتشرة في مجتمعنا السعودي خاصة والعربي عامة انتشارا واسعا ومقززا، وهذا جزء بسيط ذكرته هنا من تجاربي وخبرتي التي مررت بها, ولو استطلعنا وبحثنا في هذا الموضوع لوجدناه منتشرا بشكل مرعب، والعنصرية لم تكن على مستوى واحد بل هي على عدة مستويات، ابتداءً من المنطقة التي ينتمي إليها الشخص وحتى العشيرة أو القبيلة التي ينتمي إليها, أنا لا أعلم من عمل على قولبة الناس ووضعهم في أشكال محددة ثم قام بتعميم هذه الأشكال على باقي البشر؟ رغم عشرات الحكم والمواعظ التي تتحدث عن اختلاف البشر فيما بينهم, والآيات والأحاديث التي تأمرنا بالتآخي والتآلف والمحبة, ويكفينا من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “دعوها فإنها منتنة”.

انتهي حديث أماني ومعها أنا أسأل.. من المسئول عن هذا التسميم؟

 

ثقافة ترشح تعصبا.. هل سنذهب إلى أبعد من ذلك؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة