ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 22/10/2012 Issue 14634 14634 الأثنين 06 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

“السلام بالنسبة لأم في أفغانستان شيء مختلف تماماً عن السلام بالنسبة لأم في أوسلو.” هذا ما قاله تشودري نائب رئيس البرلمان النرويجي معترضاً على منح الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام، الأسبوع الماضي، ومطالباً بتوسيع عضوية لجنة الجائزة النرويجية لتشمل جنسيات

أخرى.. بالنسبة لنا نحن العرب كانت الطامة الكبرى عندما مُنح رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن الجائزة مناصفة مع السادات على خلفية اتفاقات كامب ديفيد. وكان هذا الاختيار أثار انزعاجاً وانتقاداً عالمياً آنذاك بسبب التاريخ الدموي لبيجن.. إلا أن أشهر الاعتراضات العالمية كان اختيار هنري كيسنجر عام 1973، الذي ولّد صدمة أدت باثنين من أعضاء لجنة نوبل الخمسة إلى الاستقالة احتجاجاً على مجرد ترشيحه. مُنح كيسنجر الجائزة مع الفيتنامي لي دو ثو على خلفية مفاوضات وقف إطلاق النار بين فيتنام وأمريكا. والمثير للسخرية أن أغلب المراقبين المحايدين يعتبرون كيسنجر ممن وسعوا نطاق الحرب! أما ثو فقد رفض الجائزة لأن السلام لم يتحقق حينئذ.

لماذا قُدمت الجائزة للذين هم أبعد ما يكونون عن السلام؟ من أجل تشجيعهم في مفاوضات السلام التي انخرطوا فيها. هذا سبب يراه البعض معقولا، بينما آخرون يعتبرنه عذراً أقبح من ذنب! هنا تكمن أحد عيوب الاختيار، بأنها للتشجيع على مشاريع مستقبلية وليس لإنجاز تم تحقيقه. أليس في ذلك ظلم لمن حقق إنجازاً على أرض الواقع ويستحق المكافأة. وبالمناسبة ألفريد نوبل (ت 1896م) ترك ثروته لتمويل الجوائز السنوية ذاكراً في وصته بأن تمنح “لأولئك الذين قدموا أعظم المنافع للبشرية خلال السنة الأخيرة.” أي لشيء منجز في السنة السابقة لإعلان الجائزة.. وموضوع التشجيع المستقبلي ينافي وصية نوبل. هذا ما دعا حفيد أحد الأخوين نوبل، مايكل نوبل، ورئيس جمعية عائلة نوبل، أن ينتقد تسييس الجائزة، قائلاً “إن لجنة نوبل لم تتصرف دائماً وفقاً لإرادة نوبل”. (صحيفة افتنبوستن النرويجية).

وكانت آخر جوائز السلام “التشجيعية” لنوبل عام 2009 من حظ الرئيس الأمريكي أوباما بناء على وعود أطلقها.. أي بناءً على نواياه الحسنة وليس على عمل قام به.. والغريب أنه مُنح الجائزة بعد تسعة أيام فقط من توليه الرئاسة! حتى أن أوباما نفسه، قال بعد ثمانية أشهر إنه يشعر بعدم استحقاقه للجائزة! وغالبية النقاد يقدرون أوباما لكن يقولون إنه لم يفعل شيئاً يذكر لكي ينال الجائزة..

منح الجائزة لمن لا يستحقها ينقلنا إلى إغفال الجائزة عمن يستحقها. هناك دعاة سلام عالميون أنجزوا مشاريعهم، لكن لم ينالوا الجائزة؛ لعل أشهرهم هو غاندي، رغم أنه رشح ثلاث مرات. وقد أثار ذلك جدلاً واسعاً، ثم ندماً كبيراً بعد وفاته.. يقول جير لوندسات سكرتير لجنة نوبل عام 2006: “إن مما لا شك فيه أن أكبر إغفال خلال المائة وستة أعوام من تاريخ الجائزة أن المهاتما غاندي لم ينل جائزة نوبل للسلام. يمكن لاسم غاندي القيام دون جائزة نوبل للسلام، لكن السؤال هل يقوم اسم لجنة نوبل بدون اسم غاندي؟”.. هل هذا تأنيب ضمير متأخر؟ فعندما منح الدالاي لاما الجائزة عام 1989 قال رئيس اللجنة: “إنها جزئيا لاحترام ذكرى الماهاتما غاندي”. وإذا كان هناك من تم إغفاله لنيل الجائزة فهناك من نالها لكنه رفضها.. لي دوثو - المشار إليه - هو واحد من اثنين رفضوا استلام الجائزة بإرادتهم وليس بإرادته حكوماتهم.. أما الثاني ولعله الأشهر فهو جون بول سارتر الذي رفض جائزة نوبل للآداب عام 1964، قائلا: “يجب على الكاتب أن يرفض السماح لنفسه أن يتم تحويله إلى مؤسسة، حتى لو كان ذلك يحدث بشكلٍ في غاية الشرف”.

ولعل مناخ الحرب الباردة آنذاك والطابع الاحتجاجي الذي كان سائدا في أوربا وفي فرنسا خاصة، ورفض الانسياق لإحدى الكتلتين (الغربية أو الشرقية) له تأثير كبير على موقف سارتر.. فمن أهم الانتقادات التي كانت دول الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي توجهها للجائزة هو التشكيك بنزاهتها في مجال السلام والاقتصاد، فالجائزة في الاقتصاد تمنح فقط لأصحاب الفكر الاقتصادي الرأسمالي، وفي السلام تمنح للغربيين أو للمعارضين داخل الكتلة الشرقية..

وبعد زوال الاتحاد السوفييتي فلا تزال أكثر الانتقادات ترديداً هي النزعة الغربية للجائزة، وآخرها ما بدأنا به المقال وهو اختيار الاتحاد الأوربي للجائزة رغم أن النرويج (مقر الجائزة) ليس عضوا في الاتحاد الأوربي. لذا طالبت صحيفة افتنبوستن النرويجية أن تتكون لجنة نوبل من أعضاء لهم كفاءة عالية وخلفيات مهنية ودولية، بدلاً من أعضاء البرلمان النرويجي المتقاعدين.

الآن تتصاعد مطالبات بمراجعة طريقة اختيار اللجنة التي تمنح الجائزة. فقد قالت المتحدثة باسم منظمة “لا للاتحاد الأوروبي” كريستي ستورويستن”: جائزة هذا العام سخف مطلق.. ليس للاتحاد الأوروبي إنجاز كبير في مجال السلام.” كما أن البعض تهكم على هذا الاتحاد الذي لم يستطع أن يحل المشكلات الاقتصادية الحادة التي يعاني منها الاتحاد. لكن رؤساء المؤسسات الأوروبية أعربوا عن ترحيبهم الشديد لمنح الجائزة للاتحاد الأوروبي تقديراً لجهوده في إقرار السلام والديمقراطية بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الأربعينات، وبعد توحيد شطري القارة في التسعينات، ليتحول أعداء الأمس التاريخيين في بلدان الاتحاد الأوروبي إلى أصدقاء و شركاء تجمعهم علاقات وثيقة..

بحسبة إحصائية بسيطة نجد أن الجائزة ذات نزعة أوربية رأسمالية، على خلاف جوائز نوبل العلمية التي لها طابع تقني، فإن الغالبية الساحقة لجوائز نوبل الأدب هي للأوربيين، وغالبية جوائز الاقتصاد هي للمفكرين الرأسماليين، فقبل سنوات لاقى اختيار فرانسيس فوكاياما لجائزة نوبل انتقادات لاذعة، وقيل حينها إنها تكريس للرأسمالية وللقيم الغربية.

الحيادية الكاملة أمر مستحيل في اختيار فائز يصنع السلام، فالسلام موضوع سياسي جدلي؛ فمن الطبيعي أن تظهر أسماء غربية أحياناً. لكن تأثير جائزة نوبل لا يزال عظيماً ولا تزال أقوى جائزة عالمية.. يقول نلسون مانديلا أحد أعظم المناضلين السلميين عبر التاريخ: “لم يسبق لي أن اهتممت كثيراً للحصول على جوائز شخصية. فالإنسان لا يصبح مناضلاً من أجل الحرية على أمل الفوز بجوائز، ولكن عندما تم إبلاغي بأنني قد فزت بجائزة نوبل للسلام تأثرتُ كثيرا!”

alhebib@yahoo.com
 

هل جائزة نوبل منحازة؟
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة