ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 25/10/2012 Issue 14637 14637 الخميس 09 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

اختلف اللغويون والمفسرون اختلافاً شديداً في معنى (آمين)، وأصل اشتقاقها، وما يَصحُّ من صيغها.. ولقد استقرأتُ استقراءً مُضنياً أقوال العلماء على مَهلٍ منذ شرعت في (تفسير التفاسير) قبل ثلاثين عاماً من الآن،

ولا يسعني في هذه العجالة إلا تقرير ما انتهى إليه تحقيقي ملامساً على عجل ما لم أرْتَضِهِ من الأقوال؛ فالمحقق عندي بعد الاستقراء أن (آمين) كلمة شرعية توقيفية ورثها العرب عِرقاً من العرب لغة، وَهُمْ البادية في جزيرة العرب (عَرَوبة).. والمقصود بالعرب لغةً الهالكون بعد قوم نوح عليه السلام من عاد وثمود.. إلخ، ولغتهم سامِيَّة نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، ومهدهم جزيرة العرب، وآثارهم بسبيل مقيم في الجزيرة نفسها، ثم انتقلت السامية في الآفاق كالسريانية والآرامية والعبرية، وحصل لها جَرْشٌ وتغيُّرٌ، وأعرق اللغات السامية ما ورثه العرب في جزيرة العرب، وما عندهم مِن أثارةٍ من دين أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام.. ورثوها ولم يحفظوا اشتقاقها كبعض الكلمات التي أوردها الإمام ابن فارس رحمه الله تعالى في أول كتابه (الصاحبي)، ولكنَّ معناها معروف من سياقها في الاستعمال؛ إذْ تأتي بعد طلب ودعاء.. وقد استقر رأي الجمهور على أنها (عِبْرِية)؛ وذلك وَهْمٌ؛ وإنما ورثها اليهود من السامية في جزيرة العرب؛ لأن العرب عرقاً (وهم وارثو السامية من مهدها) هم ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى نبينا محمد وجميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وبركاته، وقد تكوَّنتْ قبائلهم بزمن قليل قبل تكوُّن الأسباط من بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقد وُلد إسحاق بعد إسماعيل عليهم السلام، ولم يَبْقَ من الأديان المنسوبة إلى تنزيل ربنا جل جلاله قبل مجيئ الإسلام إلا الأَثارة من دين إبراهيم، ثم ما توالى من ديانة اليهود إلى عهد عيسى عليه السلام، وهو من بني إسرائيل؛ وإنما استقرت التسمية لأتباعه باسم النصارى، وأول ديانة اليهود بموسى عليه السلام، وهو وقومه خارج جزيرة العرب، وقد كثر العرب وكلهم من ذرية إسماعيل قبل أن يتكاثر بنو إسرائيل، بل هم في عهد موسى عليه السلام شرذمةٌ قليلون بنص القرآن الكريم، والعرب يومها لم يبارحوا جزيرتهم مهد السامية؛ فلما جاء الإسلام سهُل علينا أن نعرف معناها وإنْ جهلنا اشتقاقها من سياق استعمالها عند العرب قبل الإسلام وبعده، وعند اليهود والنصارى، ونردُّ اختلاف كل أولئك إلى المعنى الوارد عند كل فريق - وإن احتملوا معانيَ أخرى -؛ فأما عند اليهود فقد ورد تفسيرها عند حاخاماتهم كما في السفر الأول من التلمود البابلي بمعانٍ منها: اللهم استجب، أو هذا سيكون صحيحاً، أو ليت الأمر يكون هكذا، أوذا ما نتمنَّاه.. وذكروا أن ورودها في التوراة في أغلب الأحوال بمعنى الإقرار والموافقة على كل شيئ.. ولا معنى لهذا إلا الموافقة على المطلوب بالدعاء، وذكروا أنها جاءت بمعنى القسم، وقالوا في تفسير ذلك: (وأجاب كل الشعب، وقال: آمين).. ولا معنى لهذا إلا أن يكون أن َّالشعب أقسم على الله أن يجيب دعاءهم !!.. وذكروا من معانيها في التوراة التبريك والتمجيد لله؛ فمعناها (مبارك هو الرب إله إسرائيل منذ الأزل، وإلى الأبد.. آمين ثم آمين).. ولا معنى لهذا إلا: جُدْ علينا يا ربنا من بركاتك ومجدك.. ولعله من هذا تسرَّب إلى المسلمين بالأحاديث الضعيفة أن (آمين) اسم من أسماء الله يعني اتصافه بالبركة والمجد..مع أن النص التوراتي دعاء بعد الاعتراف ببركة الرب جل جلاله ومجْدِه؛ ولهذا جاء النص التوراتي زيادة على ما سبق، وهو (ولْيملأ مجده كل الأرض آمين ثم آمين)؛ فهي ههنا واردة بعد الدعاء، ولهذا لخَّص مؤلفو المعجم الكبير الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة تلخيصاً يُبَيِّن أنها ليست قسماً، ولكنها تأكيد للقسم؛ فتكون وعداً بالاستجابة إيماناً أو سلوكاً بما أقسم عليه الرب، ولا ريب أن الله أخذ المواثيق على يهود بواسطة رُسل الله إليهم.. وهكذا ترد تأكيداً للعهد؛ فهي وعد بالوفاء بميثاق الله، وكم خانوا مواثيق الله.. ثم ذكروا جِماع معانيها في صلوات اليهود والنصارى وبعد دعائهم؛ فهي دعاء بتقبُّلِ صلواتهم وتسبيحاتهم والاستجابة لدعائهم.. وهي في الإسلام لا ترد إلا بعد الدعاء، وهي مُؤكَّدة بعد سورة الفاتحة في الصلاة، وليست من القرآن بيقين.. وذكر بطرس البستاني في كتابه: (دائرة المعارف) أن من معانيها (حقّاً)، فهو يريد بلا ريب أن هذا من معانيها عند النصارى؛ إذ لم ترد بهذا المعنى عند العرب، وقال: ((وقد استُعملتْ في اللغات السامية ولغات أوربا عموماً منذ أيام موغلة في القِدَم.. وأكثر ما ترد لإثبات كلام الآخرين، وإظهار الرغبة في تمام مطلوب دعائهم، وقد ترجمها السبعون إلى اليونانية بفعلٍ طلبيٍّ معناه: لِيكُنْ، أو لِيَصِر)).

قال أبو عبدالرحمن: يريد ترجمةَ العهدِ القديم إلى اليونانية؛ فاسمها (السبعينية) نسبة إلى اثنين وسبعين من أحبار اليهود ترجموا العهد القديم في الإسكندرية لملك مصر بطليموس أول القرن الثالث الميلادي.. ثم إن الترجمة المتأخرة للغةٍ سامية قديمة يدخلها المجاز؛ فلا معنى لاستعمالها لإثبات كلام الآخرين إلا بالمعنى المتفق عليه، وهو أن يترجَّى لك الآخرُ رجاءً، فتقول: (آمين) فهذا دعاء للرب بتحقيق ذلك الرجاء.

وفي العهد الجديد في رسالة بولس الأولى إلى أهل (كورنْثُوس) / 14 في سياق الكلام عن العامي (كيف تقول آمين عند شكرك)، ثم فسر ذلك بقوله: (إنك تشكر حسناً).. ورأى المعلم بطرس في دائرته أنها في هذا الموضع من رسالة بطرس بمعنى (الثبات والصدق والمواظبة) مع أن النص صريح في الشكر، وهذا المعنى شاذ عن المتفق عليه من معنى (آمين) في اللغات السامية.. وذكر المعلم بطرس أنها ترد كثيراً بتشديد الميم (آمِّين) جمع (آمٍّ) بمعنى قاصد في الترنيمات والتسبيحات وتختم بها الصلوات.

قال أبو عبدالرحمن: هذا معنى آخر من مادة أخرى، وهو في التسبيح اعتراف بأنهم قاصدون هذا المكان للعبادة، وفي الانصراف بعد ختم الصلاة وَعْدٌ منهم بالعودة.. وعند بيدرس في دائرة المعارف الإسلامية أنها توكيد للصلاة وتعزيز لها، ثم فسر ذلك بمعنى: استجب، أو كذلك فليكن.

قال أبو عبدالرحمن: لا لقاء بين المُفَسَّر والتفسير؛ فتوكيدها وتعزيزها في فعل المصلِّي بأن يكون أداؤها وَفْقَ الشرع؛ وأن تكون بطمأنينة وخشوع وإتقان؛ فذلك برحمة الله.. وأما الدعاء فهو طلبٌ من الرب في السجود والجلوس وعند آية دعاء أو ذِكْر نعيم أو ذِكر عذاب؛ فالتعوُّذ منه دعاء، وكل ذلك بغير صيغة آمين إلا بعد الفاتحة، وبعد الدعاء.. وأما في لغة العرب والشرع فالشواهد من شعرٍ غالِبُه لشعراء بعد مجيئ الإسلام، وشواهد مجهولة القائل، ولكنها من لغة العرب بلا ريب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرعها لهم، ولم تنكر العرب معناها، ولم تقل: إننا خوطبنا بما لا نفهمه.. وشواهد قَصْرِ الهمزة وعدم مدها.. أي بألف مهموزة غير ممدودة.. أي (أمين): ضرورة شعر، وضرائر الشعر ليست حجة على لغة العرب؛ لأنها تجاوزٌ لغير اقتضاء لغوي، بل لاقتضاء خارجي هو إقامة وزن الشعر، ولا يحل لمسلم أن يقول خلف الإمام (أمين) بغير مدٍّ؛ لأن ذلك تحوير للغة الشرع بلا برهان.. ودعوى أن مَدَّ (آمين) إشباعٌ للهمزة بالمدة.. يعني أن الأصل (أمين)، وهذه دعوى باطلة على لغة العرب؛ لأنها قولٌ بلا علم؛ لأن الساميين ورثوا اللفظ بالمدِّ، ولم يعرفوا اشتقاق الكلمة؛ فيعرفوا وجه تصريفها؛ وإنما عرفوا معناها من السياق؛ لأنها بعد الدعاء؛ فاقتضت التضرُّع بطلب الإجابة من الرب الكريم.. ووسوسةُ بعضهم في الفاتحة مثلاً بأن) اهدنا (دعاء؛ فلا داعي لتكرار الدعاء: هي وسوسة لا معنى لها؛ لأن) اهدنا (طلبٌ، وآمين دعاء بقبول الطلب؛ فقد يحصل الدعاء ولا تحصل الإجابة؛ فنحن نطلب قبولَ الدعاء الذي علَّمناه ربنا، والتأمين سنة شرعية، وسيرة عملية بعد الدعاء، وقد عُرِف معنى (آمين) من المتَّفق عليه من اللغات السامية؛ وأما مدُّ الألف المهموزة، وزيادة ميم ثانية بتشديد الميم هكذا (آمِّين) فذلك معنى مادة أخرى، ولم يرد في شرعنا الأمر به بعد الدعاء؛ وإنما جاء خبراً عن فعلنا بأن نكون آمِّين المسجدَ الحرام بمعنى أن نكون قاصديه؛ وبما أن (آمين) بمعنى استجب، والمرجوُّةُ إجابته ربُّنا الكريم؛ لأنها بعد دعائه: فقد جعلوا (آمين) لذلك اسمَ فِعْلٍ، وهذا ظاهر الرجحان؛ لأنه عُرِفَ أن معنى الكلمة (استجب ياربنا)، ولا نزعم أنه اسم فعل ٍ في لغة العرب عِرقاً باشتقاقهم، ولا ندَّعي أنه غير عربي وهو إرثٌ من العرب الساميين؛ بل يقال: هو معنى توقيفي من الشرائع التي وصلت إلينا بعد نوح عليه اسلام بلسان ابنه سام، وما ورثه العرب بالمشافهة على مدى الأجيال من الأثارة من دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، ولم يَبْقَ من الشرائع بعد نوح غير الأديان الثلاثة؛ فالمعنى المتفق عليه، هو (استجب ياربنا)، وما عدا ذلك إما ظنون، وإما تعبير بمعنى مقارِب.. وذيول المسألة طويلة جداً كالإفاضة التي عند ابن خالويه رحمه الله تعالى في كتابه: (إعراب ثلاثين سورة)؛ وهذا أدَّخره للكتاب المقروء، ولا تتسع له هذه العُجالة، والله المستعان، وإلى لقاء إن شاء الله تعالى.

 

(آمين) كلمةٌ تَوْقِيْفِيَّةٌ
ابو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة