ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 26/10/2012 Issue 14638 14638 الجمعة 10 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لأن للمصطلحات في الفصل والتقسيم أهمية معتبرة, فإنه كلما كان المصطلح اقرب في التعبير إلى الحقيقة والصواب كان الحوار أكثر غنى وفائدة والعكس صحيح، ولأن الاتفاق على هذه المصطلحات هو قضية بحد ذاته ويحتاج إلى تعارك فكري وذهني، أجد أن من المناسب - لي على الأقل - أن أصوغها كما أرى واعتقد حسب اجتهادي،

لا تقليلا من قيمه ولا إنكارا لقناعه وإنما لتسهيل إيصال الفكرة دون الدخول في معمعة الطرفين، ولهذا استعير مصطلح التحفظ والتحديث كعنوان لتيارين نشطين ومؤثرين في الساحة الفكرية والثقافية في بلادنا والقصد هو التيار السلفي وتيار الحداثة كما هو ظاهر في الصورة العامة لحركتنا الثقافية.

إن التحفظ على كل ما هو مستجد وإخضاعه لحكم العصور السابقة وان كان يراد منه حماية الفكر والعقل من طغيان وتأثير حركة التاريخ وتبدل معطيات العصور لا يمكن أن نصفه بالعمل الايجابي في كل الأحوال، وفي نفس الوقت لا يصح أن نراه سلبيا ومعطلا بجملته، والسبب في ذلك يعود إلى إدراك وإيمان قوي بسلامة الإرث والثقافة المتوارثة، وإن الدرء والذود عنها من إرهاصات الثقافات الأخرى ومؤثراتها التي قد تبدو جذابة ومغرية هو حق طبيعي للعقل للفحص والتمحيص، ويأتي التحفظ لحماية القيمة الثقافية المتأصلة كذود لها من النخر والتأثير، غير أن هذا وان كان رائعا لابد أن يتحول من سد وحائط إلى مفلتر ومصفى لهذه المستجدات للاستفادة مما يمكن أن يفيد، بل ولا يكتفي بذلك بل تمحيص المؤثر والفاعل وفحص إمكانية تطويره ليتناسب مع تاريخنا وأصالتنا، وبين المنع والفلترة تظهر مشكلة التيار المتحفظ مع نفسه أولا، ولهذا نرى آراء أو فتاوى هذا التيار في المسائل المعاصرة تتفق وتختلف وأحيانا تتناقض، ولهذا أسباب متعددة، غير أن تأثير ذلك وانعكاسه على الناس هو الأهم، بل هو نقطة الضعف الأبرز و الأقوى حتى من تسرب منتج فكري أو ثقافي يأتي من خارج الصندوق، ولا أخال أصحاب هذا التيار يجهلون ذلك لكنهم يتكلون في ذلك على المواءمة بين مصلحتين وفي الغالب يغلبون مصلحة على أخرى، باعتبار البقاء والاستمرار أجدى وانفع من المجازفة كتصرف طبيعي للتحفظ.

وتيار التحديث الذي عنون نفسه بمصطلح جعل التيار الآخر يتوجس منه باعتباره مصطلحا قادما من مناخ نهض وقام على اثر هزيمة الكنيسة الممثلة للدين من قبل الثائرين على الماضي والمطالبين بالقطيعة معه تماما، باعتبار أن لكل جيل عصره يبنيه بفكره وعقله، لا من حيث انتهى السابقون ولكن من حيث توقفوا بفكرهم وعلمهم وبما توفر لهم، باعتبار ذلك صندوقا أغلق أو يجب إغلاقه لفتح صندوق آخر تودع فيه تجربة راهن العصر, وهكذا وكأن العصور صناديق تجارب تراكم أو تصف لترتقي عليها العصور اللاحقة دون أن تكون امتدادا أو تطورا لها، معللين ذلك بحق الإنسان في أن يعيش عصره بما يراه انسب وأصلح له حسب عقله وفكره وإبداعه، وهو منطق أو عمق يدعم التوجس والحذر منه وبالتالي التحفظ إزاء أطروحاته، خاصة وان فلسفة قطع العلاقة بين الحاضر والماضي رغم جاذبيتها العقلانية لا تتواءم وطبيعة الإنسان وفطرته، بل هي تشدد وتطرف للعقل ضد القلب وللجسد ضد الروح وللحياة ضد ما قبلها وما بعدها، واجد صعوبة وعسر في فهم إمكانية تجاوز حقيقة الوجود الإلهية للاطمئنان للخيال والعقل في القدرة على صناعة أو خلق حقيقة تنوب عنها أو تحل بديلا لها أو حتى تعيد اكتشافها بالعلم والعقل، لكن أصحاب هذا الرأي أو الاعتقاد هم قلّة في تيار التحديث وكأنهم يماثلون قلة التشدد والتطرف في التيار الآخر، وان بدا إنهما على طرفي نقيض تام إلا أنهما في اتفاق غير معقود على الخروج التام من المنطق الطبيعي للحياة والإنسان أو الروح والعقل، ذلك أن التجديد في الفهم وإصلاح المفاهيم لتتوافق ومعطيات العصرحتى وان ألزمنا ذلك إعادة قراءة آيات الله جل وعلا في كتابه الحكيم وفي خلقه ونظام كونه أصبح زادا ومعينا يدعم ويسند ويرشد خطانا، إذ لا يصح التحفظ أمام ثورة العلوم وتيسر المعلومة وإنما يتوجب الاستفادة منها بما يساعد في إعادة الفهم بما يتوافق ومعطيات راهن العصر وأدواته، كما أن الانقياد وراء المحسوس والقدرة الفكرية الإبداعية لا يعني إلا إنكارا للحقيقة الموجودة، والقفز عليها لخلق حقيقة بديله تماهيا مع من لم تتوفر له فرص الاطلاع الكافي أو ربما تجاوزها باعتبارها خارج سلسلته التاريخية أو مضادا لها، فهو في الحقيقة ضعف وفقر في قاعدة الانطلاق الفكري، وبالتالي لن تنتج مهما بلغت في مداها الفكري سعة وتنوعا إلا نتيجة مشوهة يشوبها النقص في المنطق، خاصة إذا تعاركت فكريا مع الحقائق التي لا تجرؤ علىنكارها بحكم الانتماء، وهنا يظهر بشكل واضح الاتفاق في السلوك بين المتضادين، ما يجعلنا في حاجة للاتفاق على ما لا نختلف عليه في ثوابتنا المسلم بها أولا، ومن ثم نتفق ثانيا على ألا نستحضر الماضي وسالف العصور لإسقاط صورتها على طبيعة راهن العصر، فنستريب من حركة الحياة وتبدل المعطيات لنهتز ونرتبك أمام كل جديد وضرورة مستجدة، وكأننا غرباء على الأرض وغير متجانسين مع بني البشر، نرفض ونتحفظ سداً للذرائع دون أن نسعى لجعل الضبط والانضباط محل وبديل للرفض والتحفظ، وأيضا، ألا تذهلنا نظم الطبيعة وبراهين منطقها فننسى ثوابتنا وتبدأ عقولنا صياغة برمجيتها على مدى الرؤية الحسية لتحكمنا أبصارنا حسب مساحة الصورة المشاهدة كبرهان لحقيقة غاب العقل وغابت البصيرة عنها، هذا ليس إلا استبدادا لهوى النفس ومغالبة لعجز العقل عن بلوغ الكمال مثلما أن الامتناع والرفض عجز عن الفهم للطبيعة والمنطق الحيوي و تعال على حقيقة وجود اليقين، اليقين موجود حتى في الشك، فكيف نتجاهل أو نتعالى على اليقين الطبيعي والمنطقي نزولا عند قصور فهمنا له، إذا عجز العقل عن فهم الحقيقة الطبيعية فالعيب ليس في الطبيعة وإنما في العقل الذي لجأ للبحث في الماضي عن أحكام لضبط المستقبل بطبيعته المستجدة عليه، وهو نفس المنطق الذي يمكن إسقاطه على الطرف الآخر الذي يلجأ لدفن الماضي لاستدعاء المستقبل ليس بوعاء اليقين وإنما بوعاء الشك، فكلا الطرفين يتحصنان في الشك ضد اليقين المتوارث أو اليقين المستجد، والأعجب من هذا إن كلا الطرفين يدور حول نفسه في البحث عن الحقيقة واليقين، ولا يمنعهما عن رؤية الحقيقة سوى العجز عن التواؤم معها، ومن اجل ذلك يعلو صوتهما ويتسيدان الساحة ويشعلا النقاش والجدل لكن الحقيقة في مكان آخر.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni
 

الحقيقة الغائبة بين التحفظ والتحديث
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة