ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 27/10/2012 Issue 14639 14639 السبت 11 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في لقاء مع قناة الجزيرة الإخبارية القطرية بتاريخ 14-10- 2012م علَّق السفير عبد الوهاب طواف السفير في الخارجية اليمنية وسفير اليمن السابق لدى سوريا على محاضرة ألقاها الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور في واشنطن والتي اتهم فيها الرئيس اليمني إيران بأنها تعمل لإحداث انفلات سياسي وأمني في اليمن.

قال السفير اليمني معلقاً على المحاضرة: “إن اليمنيين لم يروا من إيران إلا شراً مستطيراً، تدخلت في البلاد بطولها وعرضها”.. وهو توصيف غاية في الدقة، فالحكومة الإيرانية لم تترك بلداً عربياً إلا وحاولت إحداث بلبلة وفتنة فيه بطريقة ممنهجة وإستراتيجية تنم عن حقد دفين ضد كل ما هو عربي. وتاريخ الحكومات الإيرانية قبل وبعد ثورتها والوقائع والحقائق كلها تؤكد تدخلها السافر في الشئون العربية من المحيط إلى الخليج.

وعوداً لما صرح به الرئيس اليمني فليس سراً تدخل الحكومة الإيرانية في الشأن الداخلي اليمني ومحاولاتها إشعال الفتنة المرة تلو الأخرى بين مختلف الأطراف اليمنية بدعم الحوثيين من منطلق عقائدي والحراك الجنوبي الذي يُطالب باستقلال الجنوب من منطلق سياسي همَّه الوحيد وفي كلتا الحالتين هو أن يكون اليمن غير مستقر ويكون عدم الاستقرار هذا مؤثراً على الدول المجاورة له. اكتشف اليمن ست خلايا تجسس تعمل لحساب إيران وطبعاً ما خفي سيكون أعظم وتم تدريب هذه العناصر كما تقول بعض المصادر في البقاع اللبناني على يد حزب الله في صناعة المتفجرات وتقديم التسهيلات لعمليات الاغتيالات التي تستهدف كبار رجال الدولة اليمنية.. ولم يتوقف التدخل الإيراني عند هذا الحد، بل حاولت زوارق إيرانية مدّ الجماعات المناوئة للدولة اليمنية بالسلاح عن طريق ميناء ميدي اليمني.

المعضلة والمؤسف في آن واحد بأن اليمن الذي يحمل كل أفراد شعبه تقريباً السلاح لم تنشب فيه حرب أهلية على أساس ديني مذهبي إلى أن دسّت إيران أنفها وبدت ببث سمومها بين أفراد الشعب اليمني الواحد.. ولكن قيَّض الله لليمن إخوة يخافون عليه وعلى مستقبله فجاءت المبادرة الخليجية والتي وقّعت في الرياض برعاية ومتابعة وحرص من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. مبادرة حقنت دماء اليمنيين من حرب أهلية لو نشبت لاستعرت وأكلت الأخضر واليابس في اليمن والذي يُواجه بدون الحرب مشاكل اقتصادية غاية في التعقيد، وكان نشوب الحرب سيقضي حتماً على فرصة إعادة التنمية لليمن.. فمن يبحث عن مصلحة اليمن وشعبه من قادة وأهل الخليج العربي بينهم بون شاسع والذين يقدمون الدعم المعنوي والمادي بمليارات الدولارات بلا منّة وينظمون المؤتمرات العالمية لدعم الاقتصاد اليمني، وبين من كان همّه الأول والأخير هو تدمير اليمن وزجّه في أتون حرب يعلم الله وحده بنتائجها المأسوية خصوصاً لدولة يملك شعبها الملايين من قطع السلاح.

وفي لبنان لم يكن الوضع بأحسن حال، فتدخل إيران ليس له حدود ولعل آخره اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات (المخابرات) في الأمن الداخلي اللبناني والذي اغتيل قبل أيام في حي الأشرفية ببيروت، وليس من المستبعد بتاتاً أن تكون للحكومة الإيرانية يدٌ في جريمة الاغتيال عن طريق ذراعها في لبنان حزب الله وحرسها الثوري الذي يجوب ويتجول في الأرض اللبنانية كما يشاء بدعم من الحزب الذي أنشأ دولة داخل دولة، في وضع أصبحت فيه سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها محل تساؤل وعلى المحك.. ولعل ما يُؤكد فرضية تورط إيران في اغتيال اللواء الحسن من قِبل إيران هو أنه كان وراء اكتشاف مخطط للقيام بتفجيرات على الأراضي اللبنانية، ولقد اعترف بهذا المتهم الرئيس في القضية الوزير ميشيل سماحة.

ومرة أخرى كان الهدف من التفجيرات التي اعترف بها المتهم سماحة هو نشر الفوضى في لبنان وتقويض أمن الدولة اللبنانية ونشوب قتال طائفي بين اللبنانيين والذين قيَّض الله لهم المملكة التي تريد الخير للبنان بأن وقَّعوا عن اقتناع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، حرب استمرت خمسة عشر عاماً من القتل والتدمير اللا عقلاني والذي يرفضه كل عاقل مهما كان دينه أو مذهبه.. بعد كل هذا الجهد في تحقيق اتفاق الطائف تطل إيران فيما تخصصت فيه وهو الهدم ونشر الفرقة بين أبناء البلد الواحد لتنشر شرورها وسمومها مجدداً في لبنان لتعيده للمربع رقم واحد وهو الحرب التي لا طائل منها حرب عبثية بكل ما تعنيه الكلمة، وشتان بين ما قامت به المملكة من توحيد الإخوة اللبنانيين بكل طوائفهم وبين ما تقوم به إيران من اقتناص أي فرصة سانحة لجلب الخراب والفرقة بين اللبنانيين.

وتدخُّل إيران في العراق واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، فالحدود العراقية مع إيران مستباحة للجيش الإيراني يدخل ويخرج منها وقت وكيف ما شاء.. وضمت إيران أراضي حدودية عراقية متنازعاً عليها وضمتها واستغلت آبار البترول المتواجدة عليها لصالحها، كل هذا بمباركة وعلى نظر وسمع المالكي والذي سلم ملالي طهران الشأن العراقي من ألفه إلى يائه وأصبحت الحكومة العراقية جهة تنفيذية لِما يُملى لها من طهران.. وطبعاً لم تترك إيران الفرصة التي سنحت لها في العراق تمر هباء فأشاعت القتل على الهوية وأججت بكل ما تملك الطائفية، وأصبح القتل على الهوية مسلسلاً عراقياً شبه يومي وبامتياز.

ويتذكر العراقيون بحسرة الأيام الخوالي التي كانت تجمعهم ببعضهم لا فرق بينهم حتى إنهم لم يكونوا يعرفون التصنيفات المذهبية لدرجة أن يكون هناك صديقان حميمان وهما لا يعرفان أو يهتمان بهوية كل منهما، فالعراق ما كان يجمعهما ولا شيء آخر، إلى أن تدخلت إيران وهي تجتر من حقد دفين لتُشيع الفرقة والخراب في بلاد الرافدين موطن الحضارات.

والوضع في سوريا يندى له الجبين قتل يومي مستمر من أكثر من سبعة عشر شهراً خُربت فيه البلاد وقُتل الأبرياء وشُرد الآلاف من ديارهم وأصبحوا لاجئين في دول الجوار والحكومة الإيرانية مستمرة في مد النظام السوري بالمال والعتاد وتستلذ بسفك الدماء السورية.

والقضية الفلسطينية لم تسلم هي الأخرى من مؤامرات الحكومات الإيرانية، وكان نتيجة لتدخلاتها في هذه القضية التي لم تطلق من أجلها رصاصة واحدة غير الشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع انقسام الشعب الفلسطيني، وهو الذي ما زال تحت نيران الاحتلال، وكلما حاولت الأطراف العربية المخلصة تقريب وجهات النظر بين الأشقاء تطل إيران برأسها لتقوِّض هذه الجهود.. وجعلت القضية الفلسطينية تراوح مكانها (Status Quo) بسبب الانقسام بين منظمة التحرير وحركة حماس.. وكانت نتيجة هذا الوضع بأن قامت إيران بتقويض المصالحة وإسرائيل بابتلاع الأرض والتي كان آخرها تصديق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيياهو على تقرير يعتبر كل أراضي الضفة الغربية أراضي متنازعاً عليها لا أراضي محتلة.

ودول الخليج العربي نالها من شر الحكومات الإيرانية ما نالها، فاحتلت ثلاث جزر إماراتية، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأم موسى، وقام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارتها ليؤكد السياسة العدوانية الإيرانية، وبأن الجزر هي أراضٍ إيرانية، وأن إيران لن تتفاوض بشأنها وبأنها ملف تم قفله.. نبرات ولغة فوقية ترى الأمور من زاوية واحدة فقط، في المقابل أبدت الإمارات مرونة مطلقة في الموضوع تنطلق من نوايا حسنة تؤمن بأن الدبلوماسية هي الحل المفضل للخلافات بين الدول وعرضت أن يرفع ملف الجزر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا وبأن يقدم كل طرف حجته، ولكن الحكومة الإيرانية رفضت الموضوع بشكل قاطع لمعرفتها الأكيدة بأنها ستكون الخاسر، لأن حقائق التاريخ والجغرافيا والمستندات تؤكد ملكية الإمارات للجزر.. ولكن الحكومة الإيرانية اختارت فرض الأمر الواقع المستند على التعدي والخرق الواضح للقانون الدولي وتستمر في احتلالها، بل إن الأمر وصل بتبجح الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية بأن إيران سوف تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارات إذا استمرت في المطالبة بجزرها المحتلة.

وفي كل من الكويت وقطر تم الكشف عن شبكات تجسس وتخريب تعمل لصالح إيران، وكان من المهام الموكلة للشبكة التي كشفت عنها قطر تفجير جسر الملك فهد الواصل بين المملكة والبحرين والقيام بتفجيرات تم اختيارها بعناية في مملكة البحرين لإشاعة الفوضى وترهيب الناس.. ولعل التدخل الإيراني في الخليج العربي بلغ ذروته في أحداث البحرين شهري فبراير ومارس 2011م، تدخُّل لم تسلم منه حتى المراكز الطبية والجامعات.. ولقد بلغ مشهد التدخل الإيراني السافر المحرض لأحداث البحرين ذروته فيما تم تناقله لما حدث في مجمع السليمانية الطبي.. هذا المجمع الذي يُعتبر مركز الطبابة الرئيس لأهل البحرين والذي يحتوي على 1200 سرير ويعمل به ما يُقارب 500 شخص ويستقبل يومياً أكثر من 12 ألف مريض ومراجع وزائر يومياً، تحوَّل بعض المنتسبين لكادره الطبي إلى موجهين للمظاهرات وتحوَّل بين ليلة وضحاها إلى ساحة لإلقاء الخطب والشعارات السياسية في سابقة خطيرة كان أكثر المتشائمين لا يتوقع أن تحدث في مملكة البحرين التي عرف أهلها على مدار تاريخها حلاوة السلم الأهلي والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية.. لقد كان المنظر في مجمع السليماني الطبي مثيراً للهلع والفزع، كيف يتحوَّل مكان يلجأ إليه من يحتاج لرعاية طبية إلى مكان يحاول جهده الذي أنهكه المرض أن يفر منه، ما حدث في المجمع الطبي يعجز المرء عن وصفه، لقد كان كابوساً مريعاً ولعل من المقالات والتي حاولت أن تصف الكارثة التي حلَّت بالمجمع الطبي هو ما جاء في صحيفة الأيام البحرينية في 21-10-2012م بقلم الكاتب طارق العامر والذي كتب مقالة عن أحداث مجمع السليمانية الطبي عنوانها “أين كان الضمير”، استشهد العامر بمقولة الإمام علي - كرَّم الله وجهه - حين قال: “من تطبب فليتق الله ولينصح وليجتهد” مقولة رائعة في المعنى من أمام البلاغة كانت قطعاً غائبة عن بصائر بعض المنتمين للطاقم الطبي في المجمع والذين طغى على عقولهم وبصيرتهم طائفية مقيتة منتنة لم يعرفها أهل البحرين من قبل محركها أذناب إيران والمستفيدين منها القاطنين في أفخم المناطق اللندنية.. ويصف العامر ما حدث في المجمع وصفاً رائعاً ويقول: “ما حدث في 14 فبراير لم يكن خناقة في (داعوس)، بين عباسو وحمود، هذه مؤامرة كانت تستهدفنا جميعاً”.. حقاً فقد كانت مؤامرة وأمراً دُبِّر بليلٍ بين حكومة إيران وبعض الذين أغرتهم الأموال والسلطة من بعض أطراف المعارضة البحرينة، وانطلقوا في تنفيذ مخطط إجرامي اتضح من ساعاته الأولى أن أهدافه لم تكن بريئة أبداً، ولعبوا على فزاعة المشاكل الاقتصادية التي وعدت الحكومة بحلها بدعم سخي من إخوتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وناشدت الحكومة المعارضة لمشاركتها في ذلك، ولكن مثيري الفتنة انطلقوا لهدف واحد لا ثاني له، وهو تخريب البلاد وترهيب العباد.

وقبل أيام مضت أُعلن عن القبض على زورق إيراني تسلل للمياه الإقليمية السعودية يحمل 15 إيرانياً قبالة ساحل الخفجي، ولا شك أن الأمر مثير للريبة والشك ويصب ربما في مخططات الحكومة الإيرانية التي لا تقف عند حد لتقويض الأمن بكل السبل المتاحة لها، والتحقيقات مع المتسللين سوف تكشف الكثير من الحقائق عن هذا الحادث المريب.

والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن هناك كرهاً لكل ما هو عربي لدى القيادة الإيرانية، وما يؤكد ذلك ما ذكره منصور فرهنج أول سفير للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأمم المتحدة بعد الثورة عام 1980م، فقد ذكر في كتاب صدر له مؤخراً بعنوان “السلام وليس الإرهاب” بأن آية الله الخميني كان متعصباً فظيعاً لفارسيته، وبأنه كان يردد دوماً بأن الحضارة الإسلامية لم تكن إلا حضارة فارسية.. ويقول بأنه “لا يُوجد أفضل من شعبنا (يقصد الفارسي) ولا حتى شعب رسول الله في صدر الإسلام”، وبأنه كان يجيد اللغة العربية ولكنه يرفض التحدث بها.. وبأن حلمه هو تأسيس إمبراطورية شيعية عظمى وبأن يمتد النفوذ الإيراني للعراق.

وما يُؤكد النزعة القومية لآية الله الخميني ما جاء على لسان علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران الأسبق مستشار المرشد الأعلى للشؤون السياسية وأمين عام المجمع العالمي للصحوة الإسلامية أنه وبعد أن استولت القوات الإيرانية على مدينة المحمرة بإقليم الأهواز ذي الغالبية العربية والذي غاب عن الذاكرة العربية لردح من الزمن، والتي تطلق عليها إيران خرمشهر وعلى الإقليم مُسمى خوزستان، سأل أحد القواد آية الله الخميني هل نُبقي مسمى شط العرب والمتفق عليه بين الجانبين العراقي والإيراني في اتفاقية الجزائر لترسيم الحدود بين البلدين عام 1975م، أم نُطلق عليه مُسمى النهر الإيراني أروند رود فردَّ الخميني أروند رود.

ودول المغرب العربي ومصر والسودان، لم تسلم هي الأخرى من التدخلات الإيرانية والتي بدأت بتسريع عملية التشيُّع فيها لتكوين قاعدة لها للقيام بأهدافها لإشاعة الفتن والفرقة كما تفعل في المشرق العربي.. ويعملون في هذه الدول بإستراتيجية تجهيز الهدف (Softening The Target)، لاستخدامه لأغراضهم المشبوهة في خطوات لاحقة.

ختاماً، لعلَّ الشبه بين كل من إسرائيل وإيران أنهما يطبقان على العالم العربي ككماشة ويشتركان بأنهما يضربان بعرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية، وكأن لهما حصانة قد أُعطيت للأولى في العلن والأخرى في السر، ويتلذذان بسفك الدماء العربية، والذي يدفع الثمن هو العالم العربي الذي ما أن يُطفئ فتنة تهب هنا حتى تظهر له أخرى هناك بلاعبين أساسيين هما إسرائيل وإيران واحتياطيهما المزروع على امتداد العالم العربي.

على كل حال، فالحقد على كل ما هو عربي هو ديدن كل القيادات الإيرانية، والغريب بأن الشيعة العرب يمرون على هذه الحقيقة بلا مبالاة أو تفسير لها، والسؤال الذي يطرح نفسه على كل الشيعة العرب الذين غُرر بهم من قِبل إيران وأذنابها: أما آن الأوان لإعادة الحسابات من منظور مصالح أوطانكم وأمتكم العربية، أم أنهم سيتمسكون بمرجعيتهم الكهنوتية التي لن تغني عنهم من الله شيئاً؟

Alfal1@ hotmail.com
باحث اعلامي
 

الحكومة الإيرانية وشرها المستطير السعي الدءوب لنشر الفتنة في العالم العربي
د. محمد بن يحيى الفال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة