ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 28/10/2012 Issue 14640 14640 الأحد 12 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من القواعد المقررة في الفقه عند أهل العلم المعتبرين، قاعدة: «الوسائل لها أحكام المقاصد»، وهذه القاعدة من أنفع القواعد، وأعظمها، وأكثرها فائدة. فالوسيلة بمنزلة وسيلة النقل، والمقصد بمنزلة المكان المقصود، وعليه، فما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب..

.. وإذا كان منهيا عنه عن شيء، كان منهيا عن جميع طرقه، وذرائعه، ووسائله الموصلة إليه.

وعند الحديث عن موضوع «المسيرات»، فإن الأمر يترك في تقدير الوسيلة، من حيث إنكارها، وبيان الحكم الشرعي فيها لكبار أهل العلم، الذين يوازنون بين المصالح، والمفاسد المتوقع حصولها عند استخدام هذه الوسيلة، مع الحرص على تجنيب الناس الفتن، والتفرق، والتنازع، والاختلاف، إضافة إلى ما يعارض مقاصد الشريعة الإسلامية في نظام حكمها، القائم على الاستقرار. وأذكر أنه عند ما سُئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله باز رحمه الله، عن المظاهراتُ الرِّجاليَّة، والنِّسائيَّة ضدَّ الحكَّام، والولاة، وهل تُعتَبر وسيلةً مِنْ وسائل الدَّعوة؟، وهلْ مَنْ يموتُ فيها يُعتَبَر شهيدًا، أو في سبيل الله؟ أجابَ رحمه الله: «لا أرى المظاهرات النِّسائيَّةَ، والرِّجاليَّةَ مِنَ العلاج، ولكن أنا أرى أنَّها مِنْ أسباب الفِتَن، ومِنْ أسباب الشُّرور، ومِنْ أسباب ظُلْمِ بعض النَّاس، والتَّعدِّي على بعض النَّاس بغير حقٍّ، ولكن الأسباب الشَّرعيَّة: المكاتبةُ، والنَّصيحة، والدَّعوةُ إلى الخير بالطُّرُق الشَّرعيَّة، شَرَحَها أهلُ العلم، وشَرَحَها أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأتباعُه بإحسانٍ، بالمُكاتَبة، والمشافهةِ مع الأمير، ومع السُّلطان، والاتِّصال به، ومُناصَحته، والمكاتبة له، دونَ التَّشهير على المنابر بأنَّه فعل -كذا-، وصارَ مِنْه -كذا-، والله المستعان».

وقد قرأت في كتاب «الشرح الممتع على زاد المستنقع» لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، عن قاعدة: «الوسائل لها أحكام المقاصد»، فما معنى هذه القاعدة، وهل من معناها: أن الغاية تبرر الوسيلة، بحيث إذا حل مقصدي، فوسيلتي إليه حلال مهما كانت؟ فكان جوابه رحمه الله: «الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فمعنى أن الوسائل لها أحكام المقاصد، هو: أن المقصد إذا كان سيئا، فإن الوسيلة تكون ممنوعة، والمقاصد إذا كانت حسنة، فلا يجوز أن يتوصل إليها إلا بوسائل مباحة، والذي يوصل إلى الحرام، يكون حراماً مثله، فبيع العنب مباح في الأصل؛ لكن عند ما يعلم أن المشتري إنما يريده؛ ليعصره خمرا، فإن بيعه له يحرم، وكذا الحال في بيع السلاح، فإنه مباح في الأصل؛ ولكن لا يجوز أن يباع لمن يستخدمه في قطع الطريق، وهكذا..، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

وأما القاعدة التي تقول: إن الغاية تبرر الوسيلة، بحيث إن المقصد إذا كان حسنا، فلا مانع من الوصول إليه، ولو بطرق محرمة، فهذا أبعد ما يكون عن الصواب، وهي قاعدة تنافي الإسلام في الصميم، وفي المنهج».

وقد سُئل رحمه الله عن المظاهرات، والاعتصامات، فبيَّنَ في الأوَّل عدَم مَشروعيَّتها، مِنْ جهة أنَّها خُروجٌ على وليِّ الأمْر، وأنَّ مَنْ مات علَيها ماتَ ميتةً جاهليَّة؛ لأنَّه ماتَ ناقضًا لبيعةِ إمامِه، والرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال: «مَنْ رأى مِنْ أميرِه شيئا يَكرَهُه فلْيَصبِر عليه؛ فإنَّه مَنْ فارَق الجماعةَ شِبْرًا فماتَ إلاَّ ماتَ ميتةً جاهليَّة، رواه البخاريّ ( 7054 )، ومسلم ( 1849). وذَكَر، أنَّ المأمون امتَحنَ العُلماءَ، وعذَّبَهم؛ لِيَقولوا كَلمةَ الكُفر، وهي: «أنَّ القُرآن مخلوق»، ومِنهم الإمام أحمد رحمه الله، فلَمْ يَلجأ أحَدٌ مِنْهم إلى التَّأليب عليه، ولا إلى المظاهرات، ولا اعتصَمُوا بالمساجِد، بل كانوا يَنْهَون عنِ الخُروج علَيْه، ثمَّ ختمَ فَتواه، بقولِه: «لا نُؤيِّد المظاهراتِ، أو الاعتصاماتِ، أو ما أشبهَ ذلك، لا نُؤيِّدها إطلاقًا، ويُمكِنُ الإصلاح بدونِها؛ لكن لا بدَّ أنَّ هناكَ أصابعَ خفيَّةً، أو خارجيَّة، تُحاوِلُ بثَّ مثل هذه الأمورِ».

أليست المسيرات بهذه الصورة، والتي وردت في بيان وزارة الداخلية الأخير، حين أوضح: «أنه بناء على ما لوحظ من قيام البعض باستغلال قضايا الموقوفين، والمحكومين في جرائم الفئة الضالة، وجعلها شأنا عاما، وذلك بتنظيم تجمعات صغيرة لفترات زمنية محدودة في أماكن عامة، ومختلفة..»، فيها إسقاط لهيبة الدولة، ويصاحبها من المفاسد بحكم طبيعتها، ما الله به عليم، كنشر الفوضى، وذلك من خلال عدم السيطرة على المشاركين، وصعوبة ضبط حماسهم، فيكون ضررها أكبر من نفعها. فحداثة هذه الوسيلة، والاتفاق على غربية نشأة المظاهرات، كونها من وسائل الديمقراطية التي ابتدعوها، حيث تسعى إلى تحقيق معارضة النظام الحاكم مع جملة المقاصد الشرعية، في عدم الخروج عليه، والسمع، والطاعة، سيحرر محل النزاع، والفتوى بعدم مشروعية القيام بالمسيرات، وتحريمها.

كان يمكن تحقيق المصالح بوسائل أخرى من خلال الضوابط الشرعية، وما تقتضيه الأحوال، والظروف، بدل تنظيم المسيرات في أماكن عامة، كمطالبة جمعية حقوق الإنسان قبل أيام، الجهات القضائية بتسريع محاكمات الموقوفين، بزيادة الدوائر القضائية التي تنظر قضاياهم، فضلاً عن ضرورة تعويض القضايا، التي تكون لدى قضاة لديهم انتدابات، أو لظروف الترقية، بما يساهم في تعجيل البت في القضايا المنظورة، واستعجالها النظر في قضاياهم، بحيث تكون الجلسات متقاربة، وأن تكون الاعتراضات في فترة بسيطة، بما يمكن الأهالي من معرفة ما يصدر من أحكام ضد أبنائهم، وترتيب أوضاعهم على ذلك.

drsasq@gmail.com
 

حكم الشرع في المسيرات
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة