ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 28/10/2012 Issue 14640 14640 الأحد 12 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في أحد دور الرعاية جالست ذات مرة عجوزاً وقوراً، طالت لحيته وأحدودب ظهره وإذا مشى توكأ على عصا، في يده اليمنى سوط ناموس، وفي اليسرى مسبحة، قال لي البارحة: رأيت نفسي في مراية نصفها مكسور، ونصفها الآخر يعلوه الغبار، تعجبت من حالي..

... كأني في عرض سحري غامض، قلت في داخلي كأن المراية تتلاعب بي، أوقد تجمع في شكلها ذهولي، كثيرا ما غضبت من المراية، لكنني أن كسرتها لا أرى نفسي، وأن نظرت بها أصبت بحمى الذهول، في غرفتي يبدأ عقلي باختراع مسرحيات تتحرك بسرعة مشكلة ظلال الماضي، وتهبط في روحي لتستوطن تراجيديا تبدو مثل عقرب وحية، كثيراً ما تتلاعب في موجات الخطوط، تجيئني حالات الاسترخاء والتأمل مرة في صلابة ومرة في رقة متناهية، مضامين عديدة أختصرها أحيانا في دمعة تسقط عند حالة معينة، تاركة اللون الأبيض عندي بعيدا عن النور، الأيام عندي تتباعد وتتقارب في أضداد، والألوان ما عادت تتناسق بتناغم، فالأزرق أحسبه أسود، وسحر الأخضر عندي راح، كثيرا ما أشعر بعدم الارتياح، وحينا أعود كطفل يتعلق ببراءة طقوسه وبراعة حركاته، الحزن عندي صار انعكاساً تجريدياً إيحائياً أثر في حياتي، لكنه يحررني أحيانا من حالات تقليدية إلى حالات جديدة يمكن أن أصوغها في قوالب هينة ولينة، أحاول كثيراً أن أتجرد من الأفكار السيئة والضغوط وأخرج في الفضاء المفتوح لأجبر نفسي على التأمل والدهشة ولون الزرع لأضع خبايا نفسي في أفق مخيلتي لأظهر منها الغموض، أقف كثيراً خلف النوافذ المفتوحة أراقب الغيوم لعل فيها مطر، آآآآه، كم أحبهم أبنائي الذين أعلنوا علي القسوة والوحشة، وأشهروا في وجهي كرت العقوق، رمضائهم صارت علي أقسى من صيف المنافي، تركوني وحيداً هنا يطارحني السأم والحزن وموجات الحلم المنكسرة، ثم رحلوا يبحثون عن القمم النائية والبحيرات المتجمدة وحدائق النرجس وظل الشجر الكثيف وبحيرات العافية، الأماكن بعدهم ما عادت أماكن، صارت ضيقة، والشروق ما عاد شروق، والحلم عندي كلما جن الليل ينسل من زوايا الذاكرة، يزحف علي الحزن، يتغلل في عروقي، أبحث عنهم بلا جدوى بعدها ألملم أطراف ثوبي ثم أنزوي بصمت كحلزونة، أنا مسكون بحزن قديم يندس تحت جلدي وعظمي، لذا أمارس المزيد من الهروب بحثا عن الاستعارات والتوريات المنقذة، رغم أن حالتي واقفة عند حافة زمن إنساني، متلبس فضلا عن كوني متورط بوجع مؤلم وطارد للفرح، إن اللحظات هنا في دار الرعاية تفرض علي القلق ووجع الذاكرة والجسد، لم أعد أمارس اللذة في الأشياء والتعويض الروحي حيث هاجس الوحدة وهاجس الموت وهاجس ملامح أبنائي، هم ما زالوا على حائطي يتكئون، ويستوطنون الذاكرة، لقد بكى حينها بشدة وبكيت، بعدها تذكرت بأن هؤلاء العاقون سيجيئوحتما بمفردهم ذات يوم إلى حاضنة الرعاية، وسيخضعون تحت توصيفات غامضة وهاجس الوحدة وفق طرق ضيقة وممرات التواء، بلا ماء، ولا عافية، وسيموؤون كما تموء القطط الجائعة العاقرة.

ramadanalanezi@hotmail.com
ramadanjready @
 

العجوز.. العقوق والمراية!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة