ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 29/10/2012 Issue 14641 14641 الأثنين 13 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ماذا تعني مجلة ورقية في زمن الإنترنت؟ كل ما تقدمه المجلات مرة كل أسبوع يقدمه الإنترنت ويجدده كل لحظة.. الإنترنت بين يديك بكتابة وصوت وصورة: مجاني، أسرع، أسهل، ويمكنك المشاركة متى شئت.. صارت المجلات الورقية كصحافة حائط أمام الإنترنت!

المطبوعات الورقية بدأت تتساقط كأوراق شجرة في الخريف. ليس من السهل أن نعترف بانقراض شيء حميمي بقي معنا زمناً حتى صار جزءاً منَّا. المسألة صعبة عاطفياً على من اعتادوا الانتظار بشغف في عطلة نهاية الأسبوع ليتابعوا عالمهم الحميم برومانسية الأوراق مع كوب شاي أو قهوة. الآن، جرب وأسأل أحد الشباب أو الشابات إذا ما كان يعرف اسم مجلة سعودية عزيزة عليك أو كانت يومًا ما مشهورة كمجلة اليمامة.. لقد سألت العديد منهم، والجواب كان دائماً بالنفي!

لماذا تبقى مجلة ورقية؟ ماذا يعني الانتظار أسبوعاً كاملاً لمتابعة خبر أو قصة أو حتى دراسة وتحليل عميق؟ وهذا السؤال يسري أيضاً على الصحافة الورقية اليومية، لكنها لم تواجه بعد النهاية المحتومة.. مع أنه مجرد وقت، ويأتي الدور عليها.. المجلة لم تعد “مجلة” بل تحوّلت إلى كتاب منوع بلا هوية.. والمجلات لا تراها غالباً إلا على طاولات الانتظار في العيادات أو صالون الحلاقة لقتل الوقت!

هذا السؤال الذي يتضمن جوابه، أطرحه وأنا أتذكر أحد تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي: “إن الأحداث تمضي بسرعة وعشوائية دون إمكانية لتوقع ما سيحصل، لدرجة أن كلامي قبل خطابي هذا قد يتغيّر بعد نهايته حسب تغير الأحداث!” الإنترنت وحده من يستطيع تغطية ذلك. ووسائل الإنترنت تنمو بسرعة هائلة حتى إن جهاز الكمبيوتر المحمول قد يصبح نفسه عرضة للانقراض، حيث يتزايد استخدام الهواتف الذكية واللوائح الإلكترونية المحمولة في الجيب بسرعة بين القراء، ففي الولايات المتحدة يتوقع أن يزيد عددهم عن 70 مليون مستخدم بنهاية هذا العام، بينما كان الرقم 13 مليونا قبل سنتين فقط.. وهناك حاليا حوالي 40 % من الأمريكان يقولون: إنهم يحصلون على الأخبار من الإنترنت (مركز Pew)، فيما يتوقع أن غالبية البقية يحصلون عليها من الفضائيات. فماذا بقي للصحافة الورقية؟

الغريب رغم أن نهاية المجلات الورقية القريبة حتمية، ورغم الخسائر بسبب الطباعة والتوزيع، فكل مطبوعة تحاول أن تأخرها قدرما تستطيع باعتبار أن من يبدأ أولاً فهو الأضعف.. هذا الاعتبار يمكن “اعتباره” حالة ذهنية أكثر من واقعية. هذه الأيام جاء الدور على مجلة “نيوزويك” التي تعتبر مع مجلة “تايم” الأقوى في أمريكا.. فقبل أيام أعلنت “نيوزويك” أنها ستوقف من بداية العام القادم نسختها المطبوعة وتنتقل إلى الصحافة الرقمية بشكل كامل.

بعد ثمانين عاماً تتوقف النيوزويك الورقية، وتنظر إليها مجلة “تايم” بعين الشفقة، رغم أن الدور سيأتيها. تقول تينا براون، رئيسة تحرير نيوزويك: توديع الصحافة الورقية هي لحظة صعبة للغاية لنا جميعاً نحن الذين عشقنا رومانسية الطباعة والصداقة الحميمة الفريدة من تلك الساعات الأسبوعية المحمومة قبل نهاية مساء يوم الجمعة. ولكن كما نحن نتجه للاحتفال بالذكرى السنوية الثمانين لمجلة نيوزويك العام المقبل يجب علينا الحفاظ على المهنية الصحفية التي أعطت المجلة أهدافها والتوجه للمستقبل الرقمي بشكل كامل!

وفي محاولة دفاعية تقول براون: “من المهم أن نؤكد ما يعني هذا التحول الرقمي، وماذا لا يعني. نحن نقوم بتحويل نيوزويك، وليس لوداعها. ونحن لا نزال ملتزمين بها وبمهنة الصحافة التي تمثلها. هذا القرار ليس بسبب ضعف في جودة العلامة التجارية للنيوزويك أو صحافتها، فهي قوية كما هي دائما. إنما السبب هو التحديات الاقتصادية المتمثلة في الطباعة والنشر والتوزيع”. موضحة أن الطباعة والتوزيع تكلف المجلة 42 مليون دولار سنوياً.

تينا بروان وضعت على رأس النيوزويك من أجل إنقاذ مطبوعتها الورقية، لكن لا يصلح العطار ما أفسد الدهر.. فكما قالت صحيفة هافنتن: نهاية النسخة المطبوعة هي أيضا نهاية محاولة براون لتنشيط المجلة في شكلها الأصلي. ومنذ عدة سنوات ونيوزويك تعيش حالة تدريجية من تلاشي أرباحها.. وانخفض التداول 51 % خلال خمس سنوات. واندماج المجلة مع الموقع الناجح الديلي بيست لم يغير من الوضع، رغم نشر كثير من التغطيات الاستفزازية والقصص المثيرة التي جعلت من المجلة حديثا في الأوساط الإعلامية. وبالمناسبة الديلي بيست موقع إنترنتي، تشارك معه النيوزويك ويجذب حالياً أكثر من 15 مليون زائر شهرياً، أي بزيادة 70 في المئة عن العام الماضي.

إذا كان أحد عمالقة المجلات الأمريكية سيختفي السنة القادمة من العالم الورقي، فإن أحد عمالقة الصحافة اليومية في بريطانيا قد يختفي قريباً، فالجرائد الورقية اليومية ستلحق بالمجلات. فقد ظهر خبر أن ناشر صحيفة الغارديان والأوبزيرفر على مقربة من إيقاف القطاع المطبوع من الصحيفتين، على الرغم من آمال رئيس تحرير الجاردين في إمكانية الاستمرار في تشغيلها لعدة سنوات. فقد حاول ناشر الجاردين تقليص الخسائر التي تقدر بحوالي 44 مليون دولار سنوياً، بتقليص التكاليف وفتح فرع أمريكي للجريدة مما خفف التكاليف. لكن لم يحصل إلا القليل من التوفير وبعض الانتعاش في توسيع عملياتها الإنترنتية في أمريكا.

لعل أقسى انقراض للطباعة الورقية هي مأساة أم الموسوعات: الموسوعة البريطانية. هذه الموسوعة التي عمرها قرنان ونصف.. هذه الموسوعة التي تصدر 32 مجلداً تغطي كافة المعارف الإنسانية، والتي يحررها كبار المفكرين والموسوعيين وأساتذة الجامعات أصبحت تلهث وراء موسوعة ويكيبيديا التي لم يتجاوز عمرها عشر سنوات في الإنترنت، ويشارك بمعلوماتها كل الناس حتى الأطفال! لقد قررت الموسوعة البريطانية التوقف عن الطباعة بمجلداتها المشهورة، والاكتفاء بالنشر الرقمي لمواجهة المنافسة الشديدة من موسوعات الإنترنت. الشركة التي كانت توصل المجلدات إلى المنازل، بلغت مبيعات الإنترنت لديها حوالي 85 % فيما انحدرت المبيعات الورقية إلى رقم ضئيل منذ عدة سنوات.

“كنا على يقين أن ذلك سيحدث”.. “المسألة مجرد وقت”.. “كان المفروض أن نتوقف قبل هذا الوقت”.. هذه العبارات بالضبط يرددها كل رئيس تحرير أو ناشر يعلن إيقاف النشر الورقي في مؤسسته الإعلامية.. السؤال لماذا لا يتوقفون قبل أن تتراكم خسائرهم؟ هذا ما سيناقشه المقال القادم.

alhebib@yahoo.com
 

النهاية المؤلمة للمجلات الورقية
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة