ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 02/11/2012 Issue 14645 14645 الجمعة 17 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما ينزل المطر في مدينة الرياض يستبشر الناس وتطيب الأنفس، وتستلذ الأفئدة، وتستمتع الأعين، يخيل إليك أن شيئاً جديداً خيراً قد حل، وأن غباراً أرضياً ونفسياً قد زال، وتأنس بريح الندى ينساب خلال الجهاز التنفسي حتى يستقر في الرئة لترسل أكسجينه في الجسم بلسماً شافياً بإذن الله، ومعه تتشنف الآذان بسماع الرعد الذي يسبح بحمد الله والملائكة من حوله يسترحمون، ويمرق البرق وهو يتراقص على عجل في جوف السماء، فتسعد العين بذلك المنظر البهيج، وقد يظهر قوس قزح بألوانه الخلابة فتزيد المنظر حسناً وبهاء. هي الرياض التي شاء الله أن تكون صحراء قاحلة، لتكتسي ثوبها الأخضر البهيج لتكون بإذن الله في أيام معدودات من أجمل المدن وأزهاها تزين تلك الخضرة بالألوان الزاهية وتنشر عبق روائحها الزكية في ربوع أرضها الفسيحة، فسبحان مغير الأحوال.

أذكر هذا، وأقارنه بالنفس البشرية التي قد ينتابها شيء من الضيق، أو قد يريبها أمر غريب لا تجد له تفسيراً، أو قد تحزن لفقد حبيب، أو يحيط بها ما يكدر صفوها لسبب ظاهر جلي، أو آخر باطن خفي، ومهما كان فالكدر واحد، وإن تنوعت الأسباب، واختلفت الطرائق، لكن ذلك لن يدوم، فلا كدر يدوم ولا سرور كما قال أحد الشعراء في شطر من شعر في قصيدة.

من الصعب على عميق الفكر والتحليل أن يصيب الصواب إلاّ إذا صاحب ذلك الفكر حكمة تجعله يقف عند حد معين من تفكيره، وإلاّ فإن ذلك التفكير العميق سيقوده إلى ما هو أبعد، فيعيش في لجة بحر غير المعقول، فيخرج عن الواقع إلى الخيال الذي قد يزج به في متاهات لا تحمد عقباها. وعندما يصل المرء إلى ذلك فقد أصبح في عالم غير عالمه، ومن المؤكد أن رأس الحكمة مخافة الله، ومن ثم أن يكون الإنسان واقعياً، وليس بالضرورة ميكيافيلياً، فالواقعية تجعلك أكثر سعادة.

وطالما أننا نتحدث عن أزهار الرياض، فهناك كتاب اسمه (أزهار الرياض) ألفه المقري التلمساني، ذكر فيه مقولة للأمير الأندلسي الذي أصبح لقبه خليفة بعد أن رأى ضعف الخلافة في المشرق، وهو عبد الرحمن الناصر الذي حكم الأندلس خمسين عاماً، فقد قال ما معناه: إنني أحصيت عدد أيام سروري فلم أجدها قد تجاوزت أربعة عشر يوماً ويبدو أنه رحمه الله قد بالغ كثيراً، فكتب التاريخ قد سطرت أنه قد كان يأنس بجواريه ويقضي وقتاً لا بأس به معهن، كما أن جاريته “مرجانة” قد غلبت على أمره في قصة مشهورة، كان نتيجتها هجره لزوجته الحرة القرشية، كما أنه إضافة إلى ذلك قد بنى مدينة الزهراء نزولاً على رغبة إحدى جواريه، وقد كلفته ثلث بيت المال، وكانت على جبل أسود، فقالت ما معناه، ما لهذا المنظر الجميل في حضن هذا الأسود، فأراد إزالة الجبل بأكمله، فنصحه وزراؤه بعدم فعل ذلك لأنه سيكلف أموالاً طائلة، واقترحوا عليه زراعته بالأشجار ففعل، وقد كان محفوفاً بوزراء عقلاء يرشدونه إلى الصواب والحلم والأناة، ولهذا يعزو الكثير من المؤرخين نجاحه إلى اختياره للرجال.

الربيع جميل، وربيع الإيمان أكثر جمالاً، والربيع ينبت العشب لأن البذرة الجميلة متناثرة في الصحراء الشاسعة تخرج إلى العلن عندما يصلها الماء العذب. قال الله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}.

وبذرة الإيمان موجودة في القلوب لكنها في سبات حتى يقيض لها من يوقظها من مرقدها فتنبت، كما تنبت بذرة الربيع، فتزيد المرء طمأنينة وأريحية وحب الخير للآخرين، كما أنه تدفعه إلى التسامح والتجاوز عن الأخطاء.

أهلاً بربيع الأرض، وأهلاً بربيع القلوب فعسى أن يكونا متلازمين ليورقا مع بعضهما.

 

نوازع
أزهار الرياض
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة