ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 04/11/2012 Issue 14647 14647 الأحد 19 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

ماذا يعني العنوان؟.. هل هي ماركة تجارية؟.. هل هي سيارة إيطالية سريعة؟.. أم هو اسم لاعب كرة برازيلي؟.. الجواب: ليس أياً منها.. «فيلارينو دي فورنا» قرية صغيرة في البرتغال، قرية صغيرة جداً، لا يكاد أحد يعرف اسمها ولا تسكنها روح، وغير أنها مغمورة بالماء فهناك شيء يميزها عن معظم قرى العالم: هذه القرية عمرها ألفا سنة، ولا زالت باقية إلى اليوم من عصور الرومان.

ما قصّتها يا ترى؟.. هذه القرية تقع في وادٍ مجاور لأحد الأنهار.. لما رغبت شركة الكهرباء البرتغالية عام 1967م بناء سد للاستفادة من مياه النهر عوّضوا سكان القرية بالمال، ولم يكن السكان يريدون هذا لكنهم رضخوا للضغوط، وبعدها بسنتين بدأ نزوحهم لأن السد سيغمر القرية بالماء، وكانت القرية مكونة من 300 شخص موزعين على 80 بيتاً و57 عائلة ونزح آخرهم عام 1971م، وفي السنة التي تَلَتْها غُمِرَت القرية بالماء تماماً إلى اليوم. المفارقة الغريبة أنه لولا أنْ غطتها المياه لما انتبه أحد لهذه القرية، ذلك أن العلماء لما سمعوا بأن قرية تركها أهلها لتتحول إلى جزء من سد أثار هذا انتباههم وبدأوا في دراستها وتاريخها، ولاحظ الناس شيئاً غريباً في القرية.. شيء امتد منذ العصور القديمة واختفى تماماً من أوروبا، وهو الحياة المجتمعية لهذه القرية.

كان لدى القرية قبل غرقها مجلس يحوي فرداً من كل عائلة، وهذا المجلس كان يُصدر القرارات التي تتعلق بالقرية ومجتمعها بالتفصيل الدقيق مثل تأسيس الطرق وإصلاحها، وتعيين المسؤولين عن ريّ الأرض ورعي الغنم والتحطيب ومكافحة الذئاب وحصد الثمار، ويعني هذا أن كل من لديه دواب كان المجلس يعيّن أناساً يرعونها لبقية القرية ومن ثم غيرهم وهكذا، مثل دورية تَمُرُّ على الكل، أما من يتغيبون عن المجلس أو حتى يتأخرون قليلاً عن اجتماعاته فكانوا يُعاقبون، والذي يعاقبهم رئيس المجلس نفسه، وتراوحت العقوبات بين خفيفة مثل أن يعمل الشخص يوماً إضافياً لصالح الناس وبين الثقيلة مثل أن يُستبعد تماماً من المجلس فلا يرعى أحد أنعامه ولا يروي أرضه ولا يدفع الذئاب عن دوابه، وهذه مشكلة لأن الماشية هي أساس اقتصاد القرية، والهدف تسمينها وبيعها لا أكلها وحلبها، لذا كانت موائد أهل القرية نادراً ما تَرى اللحم والألبان، وبسبب أهمية الماشية كان الراعي الذي يقع عليه الدور يُغَرَّم إذا ما قُتِلَت إحدى الدواب أو اختفت نتيجة إهماله، أما إذا عاد الراعي لبيته بعد أن أتقن عمله فيجد أهل القرية قد صنعوا له عشاءً طيباً. حياة لطيفة!.. ما يثير الاستغراب هو أنها اختفت من أوروبا، فهذه الطقوس والأعراف التي وصفناها بدأت منذ قرابة 1500 سنة واستمرت قروناً طويلة إلى ستينات القرن الماضي في تلك القرية حتى هُجِرَت، في زمن ومكان اختفت فيه هذه الحياة المجتمعية التعاونية تماماً من بقية القارّة، وبدأ الأوروبيون ينعزلون عن بعضهم وصارت الحياة في المكاتب والشركات بدلاً من السهول والحقول.

كما أسلفنا فالقرية مهجورة الآن لأن مياه السد غمرتها، لكن كل فترة وأخرى ينحسر الماء في المواسم الجافة وتظهر البيوت الحجرية والطرق الصخرية وهو مشهد بديع لمن يحب هذه المعالم التاريخية، وصار هذا يجذب السياح الذين يتقاطبون على القرية ليتأملوا آثار فيلارينو دي فورنا، القرية التي لطالما اجتمعت لتكافح الأعداء والذئاب وشتى الظروف الصعبة حتى أتى عدوها الأخير -شركة الكهرباء- ولم تنجح مقاومتهم هذه المرة، وصارت القرية أثراً بعد عين.

 

الحديقة
فيلارينو دي فورنا
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة