ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 10/11/2012 Issue 14653 14653 السبت 25 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

مأساة السادس عشر من ذي الحجة من هذا العام 1433هـ التي وقعت بسبب شاحنة الغاز، تقف بنا لزاماً عند جملة من مسببات مثل هذه المأساة التي قد تتكرر في مواضع أخرى وبأشكال وصيغ مختلفة، إن لم نسع إلى تطوير بنيتنا التحتية في مدننا، وإن لم نسرع إلى دراسة عاجلة لخطط إنقاذ لغرق مدننا بالحركة المرورية؛ تلك المشكلة التي أجلنا التفكير فيها طويلاً إلى أن بدأت ملحة وخانقة ومربكة ومثيرة مشاعر غير قليلة من السخط وعدم الرضا والشكوى المعلنة التي لا تكاد تنقطع في وسائل الإعلام القديم والجديد؛ وبدايةُ البحث عن علاج لأزمة ما لابد من الاعتراف بادئ ذي بدء بوجود المشكلة، ثم الإيمان بضرورة البحث عن مخارج منها وحلول لها، ثم السعي الفوري في تنفيذ خطط العلاج السريعة، ويبدو أن إيماننا الآن بمشكلة النقل الخانقة في مدننا الكبيرة؛ مثل الرياض وجدة والدمام ومكة وغيرها أصبح مؤكداً بدلائل الحوادث والاختناقات والتذمر الدائم، ولا مفر بعد هذا التأزم من وضع الحلول طويلة المدى، فهل يمكن أن يصدق أحد في العالم أن بلادا كبيرة ومترامية الأطراف وذات ثروة مفرطة شمل خيرها البعيد والقريب لا تتوافر فيها بنية نقل ممتازة، بين مدنها وقراها، وفي داخل مدنها الكبيرة؟!

ربما لا يقبل أحد ممن يقرأ أو يسمع عن بلادنا أن يصدق بأننا نفتقد شبكة قطارات أو مسارات مترو أو خطوط دائرية سريعة متعددة كأحزمة تحيط بالمدن وتخفف عن وسطها الزحام؟!

نحن تخلفنا في هذا المجال؛ مجال النقل، ولا داعي الآن للملامة والبكاء على عقود من الزمن الفائت لم ننجز فيه هذه الأحلام؛ لا داعي لجلد الذات والاتهام بالتقصير لأي من الوزارات والمسئولين عنها من الوزراء في العقود التي انصرمت، ولا جدوى من تكرار الاعتراف بهذا الألم، مع قدرتنا سابقاً ولاحقاً على ألا تقع ولا تتخلق ولا تؤلم كل هذه المشاعر الساخطة؛ لأننا نمتلك العقول النيرة المخلصة والطموح الوثاب والمال الغدق؛ لكن أمراً ما لا نعلمه دفع من أراد أن يعمل ألا يعمل خطوة في هذا السبيل؛ ربما عقبات بيروقراطية، أو أطماع للتكسب من خلال المبالغات لتثمين ممتلكات تمر عليها مثل هذه المشروعات فأوقفت هذه المصالح التي لا تخص جيلاً واحداً ولا منطقة واحدة؛ بل يعم نفعها الوطن كله، أو ربما حال دون التنفيذ أيضاً المبالغة بعقود باهظة غير معقولة قد تربك الميزانيات فأوقفت تلك المشروعات الحضارية الهامة لتلك الأسباب أو بعضها، وربما لحيثيات أخرى لا نعلمها، وكان من الخير عدم التردد أمام مثل هذه المشروعات الحضارية النافعة أمام أي عقبة تقف دون التنفيذ؛ لأن تأخير أي مشروع في البنية التحتية الأساس سيراكم لاحقاً كثيراً من السلبيات والخسائر المترتبة على عدم تنفيذه؛ كما هو الشأن لو استجابت الدولة لبعض الآراء الرافضة تعليم المرأة أو التلفزيون أو العلوم الحديثة أو الابتعاث أو غيره، لو تأخرنا في هذا كيف يمكن أن نكون؟! والنقل ليس بعيداً عما أومأت إليه من أمثلة هي في صلب بنية المجتمع المتحضر ومفردات لا يمكن أن تختفي من أي خطة للتنمية في أي بلد في العالم، ولو زرنا أي مدينة في دول أوروبا الكبيرة مثل باريس أو لندن أو برلين أو فينا أو جنيف وغيرها، أو الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا أو الصين؛ لوجدنا أن كثيراً من تلك الدول قد تجاوزت مراحل تأسيس القطارات منذ زمن طويل؛ ربما في أوائل القرن الثامن عشر بقطارات الفحم، وتفوقت في هذا لاحقاً مع تقدم السنين وجيلاً بعد جيل حتى حفرت الأنفاق الطويلة الممتدة الصاعدة في أعالي الجبال كما في مونترو والقمم الثلجية الأخرى في سويسرا، وكما في الجبال العالية المطلة على شاموني في فرنسا مثلاً، أو تلك الأنفاقالتي يصل بعضها إلى عشرين كيلومتراً تخترق الجبال أحياناً كتلك التي تربط جنيف ببيرن في سويسرا، ومترو المدن الذي يخترق معظم المدن العالمية تحت الأرض في كل الاتجاهات بحيث يلزم من يريد الانتقالإلى أي جزء من المدينة قراءة متمهلة في الخارطة الكبيرة التي توضع عادة في مداخل المحطات وقريباً من ماكينات بيع التذاكر، فتحت الأرض عالم آخر يكاد أن يعادل العالم فوقها، وهو يعني أن الحركة والنشاط وعدد الناس الذين سيتحركون في الشوارع بسيارتهم قد قسم على اثنين في المتوسط فتقلصت الكثافة إلى النصف، لذا لا نجد أزمات خانقة كما لدينا ونحن في الرياض خمسة ملايين بينما لا نعادل النصف أمام من يسكن أو يفد على مدن عالمية كبيرة مثل لندن أو طوكيو أو سيؤول أو شانغهاي وغيرها!

إن تحديد شوارع معينة تعبرها الشاحنات أو ساعات سير معلومة بعد منتصف الليل إلى الثامنة صباحاً ليس حلاً؛ بل هو حل مؤقت معطل وينبئ بعجز عن اجتراح حلول عملية طويلة الأجل، فليس مقبولاً أبداً تعطيل كثير من الجوانب الاقتصادية وحركة التجارة والتوزيع بأن تقف الشاحنات على جانبي الطرق في منظر لا يحدث في أي مدينة في العالم؛ بل يتحدث عن عقم في التصرف من كل الجهات المعنية للبدء في تنفيذ طرق دائرية بديلة، وعن عربات قطارات خاصة بالشحن، وعن خطوط مترو تمتص الضغط الشديد المتزايد كل سنة على شوارع كل مدينة كبيرة من مدننا.

لا جدوى أبداً من أن نزيد التأليم بسبب كارثة شاحنة الغز؛ بل أن نبدأ عملياً في تنفيذ ما بدأ به العالم قبلنا بقرنين من الزمان على الأقل! ومن السخرية أن يوصي أحد من المعنيين بقضايا النقل والمواصلات بدراسات جدوى! لا جدوى من دراسات الجدوى؛ فقد فرضت الأنفس البريئة التي أزهقت، والأعمال التي تتعطل، والضجر والتذمر الذي يخيم على شوارعنا في ساعات الذروة البدء الفوري في تنفيذ سكك الحديد وخطوط المترو والأحزمة الدائرية المتعددة.

moh.alowain@gmail.com
mALowein@
 

كلمات
مأساة تخلفنا في النقل: مدن بلا قطارات ولا مترو ولا أحزمة دائرية متعددة!
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة