ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 13/11/2012 Issue 14656 14656 الثلاثاء 28 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وفيما أنا أتصيد الكلمات الحُبلى بكل عجيب، تبدت لي مناراتُ هداية، وكنفُ علم، ظلت كما لو كانت حية حياة سوية، وإن غابت أجسادها.

- وهل الأجساد إلا حفنة من تراب، منه خلقت, وإليه تعود، و[الذكر للإنسان عمر ثاني]،

فالخالدون والعباقرة يظلون منارات تشع بالنور، وإن كانوا عظاماً نخرة.

والتاريخ الحضاري للأمة الإسلامية مليء بالشخصيات العظيمة، في علمها، وسيرها، ومبادئها، ومواقفها الشريفة. وإن اختلف الرأي حولها، إذ ما من عالم إلا هو راد ومردود عليه.

فأين نحن من [ابن عبدالبر] و[ابن حزم] و[الذهبي] و[ابن تيمية] و[ابن عبدالوهاب] و[الألباني] وآخرين غيروا مجرى التاريخ، وخلدهم اجتهادهم، وما توصلوا إليه من مفردات، واختيارات, وتمحيص للنصوص، ونفي لما علق بالدين مما لا يتفق مع مقاصده،وصولات وجولات في كافة فروع العلم.

وكيف لا يختلف الرأي حول هذه الشوامخ, وشواهد العبقرية تكمن في الاختلاف.

فـ[العقاد] حين كتب عَبْقرِيَّاته، لحظ ظاهرة تلازم العبقرية، هي [الاختلاف] حول تقويم العبقري. وضرب مثلا بـ[علي بن أبي طالب] رضي الله عنه. فقد أحبه قوم حتى عبدوه، وكرهه آخرون حتى قتلوه، ولقد أشاد [قَطرِيُّ بن الفجاءة] شاعر الخوارج بقاتله [ابن ملجم] - قبحهم الله جميعاً-. وظل ابن أبي طالب عبقرياً في كل شيء رضي الله عنه، وأرضاه.

ومشاهير العلماء، ورواد النهضة، وزعماء الإصلاح، والخالدون, يمرون بمحن, يشيب من هولها الوليد، لا لشيء، إلا أنهم استخدموا عقولهم، ونقبوا في النصوص عما غاب عن سلفهم، وخرجوا بمسلمات وثوابت، لم تكن حاضرة في أذهان من سبق. ومن جهل شيئاً أنكره، حتى لقد ألَّفت كتب في تراجم الممتحنين في أفكارهم، وعقائدهم.

وأين نحن من محنة خلق القرآن الكريم، وما لقيه إمام أهل السنة [أحمد بن حنبل] رحمه الله؟

وتغليب السلامة عند من تتوفر فيه شروط الاجتهاد، قد يفوت الفرص على العلماء والمفكرين، وبخاصة حين لا تؤدي المغامرات إلى فتن عمياء، تُخِلُّ بالأمن، أو تصدِّع وحدة الأمة، أو تفرق كلمة العلماء، ومن المعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وما أكثر الذين تهيبوا تقحم المعضلات، وغلبوا جانب السلامة، فكان أن طواهم النسيان:

[ومن يتهيب صعود الجبال

يعشْ أبد الدهر بين الحفر]

والتفكيك الذي أتوسل به، وأراه من سبل الهداية، هو البحث عما تَطَلعَّ إليه المبلِّغ عن الله، حين قال: [فَرُبّ مُبَلَّغ أوعى من سامع]. وليس ما يعنيه المفككون الماديون المتعلمنون, أمثال [أركون] و[نصر حامد أبو زيد] وأضرابهم, ممن يحمِّلون النصوص ما لا تحتمل, ويقوِّلونها ما لم تقل, ويدنِّسون المقدس، ويؤنسنون الوحي.

ولربما يكون من حق المتلقي أن يمنح المصطلح المُتَرْجَم مقتضى ينسجم مع متطلبات رؤيته الفكرية، ونسقه الثقافي. ذلك أن ترجمة المصطلح إلى كلمة تفكيك، أو تشريح، أو تقويض، يرتهنها للدلالة الوضعية للكلمة المستعملة.

ثم إن المصطلح حين انتقل من حضارة إلى أخرى, أصبح مضطراً للجناس، بحيث يتخلى عن شيء من مقتضياته. وإن كنت في بعض تصدِّياتي للمسترفدين، أذكرهم بمقاصد المخترعين للمصطلح، ولكن هذه الرؤية قد تُحَلْحِل موقفها، وتساير بعض المبررين للأخذ ببعض المناهج الوافدة، بعد تهجينها، متى حسنت النوايا، وسلمت المقاصد, وأمنت الشبهات، واتَّسم المُسْتَرفِد بوعي حضارته ومحققاتها.

ولما لم يكن المقام مقام تحرير لهذا الاختلاف حول مشروعية تفريغ المصطلح من محتواه، وملئه بمقتضيات المسترفد، فإنني قد أعرج عليه, حين يتوفر الجهد، وتتيسر المرجعيات، ويسود حسن الظن، وتخف حِدَّةُ التوتر.

وعلى ضوء ذلك فإن من الخير للحضارة أن يبتدر سكونيتها من يُعَرِّضها للعصف الذهني، لكي تستبين ما ينقصها زمن الثورات المعرفية، والتواصلية, والخلطة المستحكمة, التي حولت الكرة الأرضية إلي قرية كونية. ولاسيما أن الأنظمة السياسية, والمضاربات الاقتصادية والمطارحات الفكرية، أجبرت العالم على التماهي، ومن الخير لنا أن نمتلك الجرأة لاستيعاب العالم من خلال طرح مشروعنا، لأنه ضالة الإنسانية التائهة، وهل الإسلام إلا رحمةُ مهداة, ونعمةٌ مسداة؟

وواجبنا أن نبلغه نصاً وسيرة، على أننا بما نحن عليه من تفكك وتخلف، غير قادرين على إقناع الآخر، واحتوائه، ومن ثم لابد من التفكير والتقدير والتدبير، عسى أن نكون قدوة بسيرتنا، بحيث لا نخذل نَصَّنا.

ولن يتأتى ذلك بجهود فردية، ولا بمبادرات متفاوتة, ولا بمغامرات فجة أو متباعدة. إن المبادرات المنظمة، والمحسوبة مسؤولية الأمة من خلال مؤسسات مجتمعها المدني، وأضعف الإسهامات أن نتفاعل مع الآخر من خلال القواسم المشتركة، بوصفنا جزءاً من الحضارة الإنسانية, وحين تنهض تلك المؤسسات بمهمة المراجعة لكل الثوابت والمسلمات، تلحق الأمة بركب الحضارة المُخِبِّ. ولن تمتلك المؤسسات المعنية زمام المبادرة، حتى تتوفر على كل ما تحتاج إليه من كفاءات بشرية, وأجواء ملائمة، وثقة مطلقة، ودعم متواصل، وإمكانيات استثنائية، وعودة واثقة ومقتدرة إلى مصادر الشريعة, كما جاءت, لا كما تصورها المتهوِّكون.

وعندها يكون العمل راشداً، والمسيرة قاصدة، والجهود موجهة, والخبرات ميسرة، والنتائج سارة ومفيدة.

فلنمض على بركة الله, تحفنا الثقة، والمحبة، وحسن الظن والنوايا الحسنة, والمقاصد السليمة.

 

تهيب تفكيك النصوص مظنَّةُ الضمور الفكري..! 2/2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة