ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 14/11/2012 Issue 14657 14657 الاربعاء 29 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

لكل شيء بداية، وبداية العلم إدراك النقص المعرفي في مجال ما ثم إعمال العقل في التعرف على هذا المجهول واستكشاف أسراره. إذاً، إدراك الجهل أولاً ثم الاعتراف به كحقيقة وكواقع وكإعاقة ومشكلة، ذلك هو بداية الطريق في اتجاه العلم.

كانت واحدة من تلك البدايات إدراك الإنسان لمحدودية إمكانياته في الرؤية البصرية المجردة من وسائل التكبير والتوضيح، ذلك جعله يبحث في وعن الوسائل التي تمكنه من رؤية الأشياء بأحجام وتفاصيل وأبعاد أكبر وأوضح. البحث في وعن هذه الوسائل أوصله إلى اكتشاف أسرار المرايا والعدسات. المرايا والعدسات بدورها مكنته من التعرف على أسرار الضوء، ثم اختراع نظارات القراءة والميكروسكوبات والمراصد الفلكية. المزيد من البحث في هذا الطريق مكن الإنسان من رؤية حبوب اللقاح التي تنقلها الرياح والحشرات من نبتة إلى أخرى واستثمر ذلك في المحاصيل الزراعية، ثم من اكتشاف الكائنات المجهرية الدقيقة المسببة للأمراض والمتشاركة معه في أدق تفاصيل الحياة. الاستثارة الذهنية في الحصول على المزيد من المعرفة والاستمرار في الاستكشاف أدى إلى التعرف على المكونات الأساسية للمادة (الذرات) وتفاصيلها الداخلية التحت ذرية والغلافية، ثم على أسرار الطاقة وأنواعها والإشعاع والموجات والقوانين الإلهية التي تحكمها وتحكم الكون بكامله.

الملاحظة التي بدأت بإدراك محدودية الإبصار بالعين البشرية المجردة ترتبت عليها الرغبة في تحسين القدرة في التعرف على تفاصيل الأشياء حتى وصلت مسيرة الفضول في المعرفة إلى مركبات الفضاء التي تدرس الأفلاك والمجرات، وإلى المجاهر الإلكترونية التي تجعل العين البشرية الضعيفة تستطيع رؤية الفيروسات بتكبيرها إلى مليون ضعف حجمها، وإلى التعرف إلى مكونات المادة الأساسية الأولى للحياة.

من المكاسب الأخرى التي تحققت للبشرية من هذا الفضول العلمي التعرف على طبائع الأمراض وعلى الكائنات الحية المجهرية المسببة لها وطرق التعامل معها، والتعرف على مكونات الخلية العضوية وكيف تنقسم وتتنفس وتكبر وتدافع عن نفسها وتحصل على الطاقة وكيف تبدأ وكيف تنتهي.

إدراك محدودية السمع بالأذن البشرية أوصل الإنسان بطريقة محاولة تحسين التعرف الصوتي على ما حوله، وجعله يتدرج من تكبير الصوت بالأصداف البحرية المجوفة وأبواق القصب البري إلى السماعة الطبية وسماعات الصمم والميكروفونات في الهاتف المحمول وصولا إلى التقاط وتكبير وبث الموجات الصوتية عبر القارات بوسائل لا يستطيع الإنسان رؤيتها بالعين المجردة ولا التقاطها في الطريق قبل وصولها إلى الهدف.

إذا، أول الطريق إلى المعرفة والقوة والريادة والسيادة هو الاعتراف بواقع الجهل والنقص المعرفي والاقتناع بالحاجة إلى التغلب عليه، كوسيلة للتعامل مع نقاط الضعف أمام قوى الطبيعة والأشياء والأمراض والآخرين.

العلم أيضا هو أن تدرك المجتمعات من خلال مسيرتها البحثية المعرفية أن الحياة كلها تسير وفق نظام معرفي محكم يمكن استكشافه وتقليده والسير على هديه.

ماذا عن الجهل، ما هو الجهل؟. إنه تقبل واقع الضعف البشري ومحدودية الإمكانيات، ثم التشبث بهذا الواقع كقضاء وقدر لا مفر منه، وتبرير البقاء داخل أسواره كدرجة عالية من درجات الإيمان، وتحقير غريزة الاستكشاف كابتداع يؤدي إلى الضلال، وتقديم النقل على العقل في كل شؤون الحياة مهما كانت النصوص السماوية تأمر بعكس ذلك في أشياء وتفضله في أخرى.

على أن الجهل يصبح جهلا مركبا حين تنتقل من مكان إلى مكان خلف السحاب والغيوم بحثا عن الماء والكلأ، حتى يأتيك إنسان من خارج الحدود ويبيعك آلة تستخرج المياه الجوفية من تحت أقدامك مقابل التنازل له عن امتيازات التنقيب واستخراج الثروات بوسائله العلمية ومن تحت أقدامك أيضا ثم تنام قرير العين حتى يجف ما في باطن الأرض وتعود إلى أسوأ مما كنت عليه.

- الرياض
 

إلى الأمام
ما هو العلم.. ما هو الجهل؟
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة