ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 14/11/2012 Issue 14657 14657 الاربعاء 29 ذو الحجة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

مدارات شعبية

 

أبو ماجد والشرهان الحقيقة الغائبة

رجوع

 

كتب - صالح بن عبد الكريم المرزوقي:

لا أحد يشكّ فيما يتمتع به الراوي محمد الشرهان من أسلوب جاذب يستطيع من خلاله أن يشد المتلقي في كثير من المناسبات التي يكون مشاركا فيها فلديه ملكة في نسج بعض القصص وعمل ديباجة لبعض القصائد التي يرويها خصوصا إذا كان موضوع القصيدة يوحي بمثل ذلك ولقد سار على هذا النهج من خلال مسيرته الروائية بحيث رسم لنفسه خطا مغايرا ونهجا مختلفا يختص به عن غيره في هذا المجال وهذا بدون شك يعطي انطباعا جيّدا لما يتمتع به من قدرات قد تساعده من خلال حضوره وتفاعله مع ما يرويه من قصائد وقصص في الكثير من المناسبات. ولكن يبدو أن الشرهان اندمج في هذا الخطّ وتلك الطريقة ونسي أن هذا النهج يحتاج إلى تقنين وتثبت في بعض المواقف التي تحمل قصصا واقعية. فليس من المقبول عمل ديباجة أو نسج قصّة للقصيدة في ظل وجود قصّة حقيقية وثابتة لأن هذا ربما يكون مقبولا في حال عدم وجود قصة واقعية وذلك من باب شد الانتباه حينا والإطالة أحيانا وذلك لاستهلاك الوقت خصوصا حينما يكون الراوي محترفا ويتكرر ظهوره من خلال الإعلام سواء المرئي أو المسموع.

و لعل ما دعاني لتناول هذا الموضوع هو ما لاحظته في الفترة الأخيرة من تركيز من قبل راوينا العزيز (الشرهان) على الشاعرين علي العبد الرحمن الماجد وعلي البراهيم القري -رحمهما الله- . ففي إحدى الحلقات التي تحدث فيها عن (القري) استعرض مسيرته الشعرية وأسهب في ذلك ولكن ما لفت انتباهي هو وصفه له بأنه أحد عمالقة المحاورة في الجزيرة العربية وأنه قارع الكثير من الشعراء في مناطق مختلفة ونحن وان اتفقنا على ما يتمتع به الشاعر على القري من شاعرية فذة وإمكانات وقدرات تدفع به إلى صفوف المقدمة من خلال بعض القصائد الشعرية التي خلدت اسمه بهذا المجال وهو ذو نهج خاص في بناء القصيدة من حيث تطويع المفردة السهلة بالإضافة إلى القوة في السبك والسلاسة في الطرح هذا فيما يخص القصيدة. أما في مجال المحاورة وإن كان قد أظهر قدرة فائقة في هذا الفن وهذا يتجلى من خلال محاوراته مع أبو ماجد. إلا أنّ تلك المحاورات كانت تتم في جلسات خاصة أما خلاف تلك المحاورات فليس له حضور في ساحة المحاورة إلا ما ندر وهذا ليس قصورا كما أسلفت فقدراته واضحة في هذا المجال ولكن ربما أن له وجهة نظر خاصة قد تكون سببا في عدم اندفاعه خلف هذا الفن وذلك خلاف زميله (أبو ماجد) الذي اقترن اسمه بساحة المحاورة في تلك الفترة حتى أصبح احد فرسانها المشهورين حيث قارع الكثير من الشعراء حاضرة وبادية وأصبحت المحاورة جزءا من تكوينه الشعري وهذا يتبين من خلال قصيدته التي أرسلها من مكّة إلى أصدقائه في عنيزة مع عبد الله الناجم والتي مطلعها:

يا ولد عثمان من فضلك تراك بهالوصات معروف

الموجب أنه عليّ من اللزوم اللي كبر قندهار

ترى التعب في شروط الواجبات بكل شي مخـلوف

اخاف تلهي وتختصر السلام إلى وصلت اختصار

إلى وصلتوا عنيزة فاظهر الدفتر وفل الكشوف

وانشر سلام عمومي للطوال وللزقرت القصار

وقد خصّ صديقه الشاعر محمد بن ثعلي حينما قال

وقل لبن ثعلي محمد كان ماهوب يلقى صفوف

يمد رجله لمكة نشبعه قلطات ليل ونهار

يشوف وشلون تجديع الصفاح ولون ضرب السيوف

الموجب ان الملاعب للقوي ولا الضعيف اختبار

وكذلك قصيدته التي يسندها على ابنه ماجد بعد أن اعتزل ساحة المحاورة ربما بسبب صوته الذي خفت ولم يعد يساعده والمعروف أن الصوت عنصر مهم في ساحة المحاورة يقول في قصيدته التي مطلعها:

سلمت ماجد عدة القول والقيل

ان كان له شفٍ ببدع المعاني

والتي يقول منها:

أنا خلصت من السهر والتعاليـل

اخذت حقي وافر من زماني

ياما سريت مشيح لا جلّب الليـل

ادوّر القلطة يعورف حصاني

وياما عقالي طاح بين الرجاجـيـل

إلى هجيت الخصم ولا هجانـي

وياما تلابسنا ملابس هل الخيـل

اما رميته بالدهيّة رمانـي

وياما سرينا مثل مسرى الجماميـل

من بيننا الشفرة بلا ترجمانـي

واليوم لا اغنّي ولا اصفق ولا اشيل

ديراب كنّة طلعةٍ في جرانـي

أما فيما يخص القصيدة فبدون شك أن ابو ماجد قد نال نصيبه وافرا من الشهرة في هذا الجانب وهنا لابد من التوّقف عند إحدى روائع أبو ماجد وهي القصيدة التي سبق للراوي محمد الشرهان أن أوردها في أحد البرامج الشعبيّة وقد أورد لها قصّة مغايرة للقصة الحقيقية ولا أدري هل هناك من أوهمه بتلك القصة أم أنه قد نسجها من خياله. يقول الشرهان بأن سبب هذه القصيدة أن أبو ماجد قد تزوّج في مدينة عنيزة وبعدها غادر إلى مكّة المكرمة وجلس هناك فترة طويلة تاركا زوجته التي حملت بعد مغادرته ومن ثم أنجبت بنتا وأن والد الزو جة ذهب إلى والد أبو ماجد وعاتبه عتابا شديدا واسمعه كلاما حادا بسبب غياب ابنه الطويل وعدم اهتمامه وبعد أن عرف الشاعر أبو ماجد بالقصة عاد من مكّة إلى عنيزة وعندما رأي ابنته التي كانت قد بلغت ثلاث سنوات تقريبا قال تلك القصيدة ، هذا مختصر القصة التي أوردها الراوي الشرهان. والحقيقة أن هذه القصّة بعيدة عن واقع القصيدة وهي القصة التي لم يكن يعرفها سوى أقرب المقربين من أبو ماجد حتى أن من كتب مقدمة ديوان أبو ماجد علّق على القصيدة قائلا: (إن أبو ماجد رفض الإفصاح عن ملابساتها وأنه رفض إعطائه أي معلومة حيالها) أمّا القصة الحقيقية فتقول أن أبو ماجد له شقيقة متزوجة وتقيم مع زوجها في الشرائع القريبة من مكّة وزوجها يعمل بمعيّة الوزير الأسبق (ابن سليمان) وقد تزوّجت إحدى بنات شقيقته من أحد أصدقاء أبو ماجد وبعد فترة حصل خلاف بين الزوجين وتطوّر ذلك الخلاف حيث وصل إلى طريق مسدود مما حدا بشقيقة أبو ماجد أن تستنجد به لإنهاء ذلك الموضوع مما أوقع أبو ماجد في حرج شديد فهو لا يريد أن يضغط على صديقه الحميم وكذلك لا يمكن أن يتخلّى عن شقيقته وابنتها في مثل تلك الظروف ولكنه في النهاية حسم أمره وتدخّل في الموضوع وأنهاه بالطريقة التي رأي أنها مناسبة وهذا ما دعاه إلى أن يقول تلك القصيدة التي نحن بصددها. والتي تقول:

الله من جاش غدا تقل بوفه

مشبّها متنـحر للعواصيـف

وقودها سمر عليه النشوفه

قطيع صيفٍ ولعوا فيـه بالصيـف

اربع سنين والهبايب تحوفه

لما غدا مثل العجايز مهاجيـف

و قلب كما فرضٍ لطير ٍعلوفه

طيرٍ مجيع ونتف القلب تنتيـف

و كبدٍ من المعلوق تقل مخطوفه

ما باقي الا دمها بالسراجيف

و عين تهلّ الدمع ببلا كلوفه

دم بدمع مثل زعج المغاريـف

من قصّةٍ خرسا ماهيب معروفـه

طبيبها ياصل على الحد ويقيـف

بلعتها وهي عليها الحفوفـه

و صرفتها من غير شطّه وتكليف

من شان خاطر ناقةٍ لي عطوفه

حيرانها بين الرعيّـة مواليف

يالله ياللي كل شي تشوفـه

يا عالم سر المعزب مع الضيـف

انك على قيس الخطيّة تلوفه

اخير من قصّ القصص والسواليف

أمّا الخلاف الذي وقع بين أبو ماجد والقري والذي كان الشرهان قد تطرق له دون أن يذكر أسبابه وهو الخلاف الذي استمر حتى وفاة أبو ماجد. وسبب الخلاف الديوان المسمّى (أول خلطة من شعر القلطة) الذي اتفق كل من أبو ماجد والقري وعلي السالم العباد على جمعه وإخراجه وفيه بعض القصائد والمحاورات للشاعرين ولشعراء آخرين وكان أبو ماجد في تلك الفترة قد انتقل من مكّة إلى الرياض حيث استقر هناك وقد توّلى الإشراف على طباعة الديوان الشاعر علي القري حيث تمّت الطباعة على نفقة الوزير (ابن سليمان) ولكن الطبعة خرجت رديئة وفيها تشويه لبعض القصائد ومنها قصائد أبو ماجد مما أثار غضبه حيث لم يكن مقتنعا بأنها أخطاء مطبعية حيث كان رحمه الله دائما ما يغلب الشكّ على اليقين فكان يظن بأن ذلك مقصودا فحدث الخلاف وانقطعت العلاقة بسبب ذلك الديوان وقد أوضح أبو ماجد ذلك في قصيدته التي أرسلها للوجيه عبد الرحمن النانيه في جدّة والتي مطلعها:

دنيا تصوّرت باطنها وظاهرها

من مكرها ما تميّز وش بخاطرها

ما ضحّكت يوم الا بكّت الثانـي

كافٍ كفى شرها حمر مخاطرها

إلى أن يقول:

و خلاف ذا قمت عجل وجبت سيارة

احسن طراز جديدٍ من مواترها

سواقها خابره حر على الداعي

ماهوب خبلٍ إلى سافر يكسرها

ليقول بعد أن يرسم خطّة السير لمرسوله:

ملفاك ابو عوف ابن نانيه في جـدة

اللي ضيوفه على نفسه يجسرهـا

و ادخل لابو علي حيثه يبخص القصة

يعرف الاوضاع ويميّز عناصرهـا

قل له ترى الربع غشوها ومشوها

يا جرح قلبي من الطبعة وتاجرها

تشويه قصدي وتغييره عن اوضاعه

مؤامرة لص بالظلما مدبرها

إلى آخر القصيدة التي جزم فيها أن الأمر وقع عمدًا ولم يكن بسبب الأخطاء المطبعيّة وهكذا انقطعت العلاقة حتى وفاة أبي ماجد في العام 1383هـ وهو في أوائل الخمسينات من عمره وقد رثاه القري بقصيدة معبرة ومؤثرة وقد توّفي القري في العام 1415هـ رحمهما الله جميعا.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة