ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 21/11/2012 Issue 14664 14664 الاربعاء 07 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

دعونا من الافتخار الكاذب بالعرق والجنس والانتماء؛ أو من التبجيل للقيم المكتوبة في موروثنا الأدبي أو المأثورات الشعبية عن مكارم الأخلاق العربية؛ لا يستطيع أي مكابر إلا أن يعجب كل الإعجاب بما يبشر به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من قيم رفيعة وأخلاق سامية، وما يحفل به تراثنا الشعري والنثري من أخلاق نبيلة في التاريخ العربي كله بجاهليته وإسلامه، فلا تغيب عنا حكمة زهير، ولا فروسية عنترة، ولا سمو الشنفرى، ولا عبقرية طرفة المبكرة، ولا رباطة جأش قس بن ساعدة، ولا سخاء عثمان، ولا قوة عمر، ولا شجاعة وحكمة علي، ولا زهد عمر بن عبدالعزيز؛ بل إننا لمبالغتنا في الالتزام بأخلاقيات كريمة قد يفهمنا غيرنا خطأ؛ فمن اليسير أن يتهم باحث غريب على ثقافتنا بأن كرمنا الباذخ إسراف وجنون كما كان يفعل حاتم الطائي، وأن شجاعتنا المقدامة تهور، وأن استبسالنا حماقة، وأن بذلنا المعروف تطهر ملائكي، وأن الأخلاق العربية بعامة غير واقعية؛ لما تنهض عليه من تزيد ومبالغة في كل شيء؛ فإن أحببنا فنينا في من نحب، كما كان الشأن عند العذريين؛ مثل مجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة؛ بما لا يمكن أن يبذله أي محب وعاشق غير عربي، وإن حدثت حالة عداء بين فريقين فإننا لا نستسلم بيسر، فهذه حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان التي شهد عليها زهير بن أبي سلمى تشهد على أن ذلك العداء الذي استحكم وامتد وطال إلى أن نيف على أربعين عاماً من المواجهة المسلحة بين فريقين من العرب لم تجد وساطة في نزع فتيل أوار تلك العداوة التي أزمنت بحيث ولد الطفل وشب وكهل وأقبل على الشيخوخة والمواجهة بين الفريقين قائمة. هذه هي الروح العربية؛ متلافة إلى حد السرف، محبة إلى حد الفناء، غيورة إلى حد الوسوسة، شجاعة إلى حد التهور، متسامحة إلى حد فقد الذاكرة، محتشدة إلى حد الحماقة، ترعى حقوق الجار، وتغض الطرف عن نساء الحي، وتحمي العاني، وتفدي من استجار، وتعين على نوائب الدهر. هل نحن الآن نتمثل في أخلاقيتنا قيم الدين العظيمة أو المأثورات الأدبية الرائعة التي نتفاخر بها ونغنيها؛ أم أن ما نقرؤه شيء وما نعيشه ويحكم العلاقات بيننا في البيت والشارع ومع الناس والعالم شيء آخر مختلف؟.

الحق أننا في هذه المرحلة من تأريخنا نلحظ ازدواجية في السلوك بين المنقول والمعمول؛ على حين نرى كثيرين من أمم الأرض يتمثلون كثيراً مما نحفظه ونردده ونتفاخر به؛ فأية شروخ في ذاتنا العربية أكثر فداحة وألماً من هذا التناقض المر بين الحقيقة والادعاء؟. وما قصة ما يحدث من فوضى في المناسبات الوطنية أو الاحتفالات العامة أو الحوادث الكبيرة إلا صورة مكشوفة جلية لهذا الانهيار الأخلاقي الكبير في شخصيتنا العربية الإسلامية؟.. فحوادث التحرش في الأسواق والمجمعات والمناسبات والشوارع العامة قصص مخزية.. هل تتصور أن يحدث مشهد تمثيلي واقعي لما يشبه قصة اختطاف علنية أمام الأعين وعلى رؤوس الأشهاد حين يوقف مجموعة من الشبان سيارة عائلة وتتوقف جميع السيارات معها لتشهد ما يحدث، فيفتح أحدهم باب سيارة العائلة ويمسك بيد إحدى بنات العائلة ويقبلها ثم يرمي الرقم في حضنها، وسائقو السيارات في ثلاثة مسارات يتفرجون ولا يحركون ساكناً في انتظار معرفة نهاية هذا المشهد الدراماتيكي المؤلم ثم ليفتح لهم الطريق.

أو أن يخرج أحد الشبان المتهورين لوحة كبيرة من نافذة سيارته كتب عليها بخط واضح رقم جواله، ثم يبرزها أمام سيارات العوائل عند توقفها أمام شارات المرور!..

أين كثيرون من شبابنا الآن من قول عنترة مفتخراً بأخلاقه:

وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي

حتى يُواري جارتي مأواها

لنتأمل ضعف أو انعدام آداب المرور عند كثيرين من قائدي السيارات، وانعدام الحس الأخلاقي في حالات كثيرة؛ فلا يسمح أحدهم بالتجاوز، ولا يدع فرصة لغيره في المرور، ولا يتوقف لراجل عابر في الشوارع الداخلية عند ممرات المشاة، ولا يراعي من خلفه عند الانعطاف يميناً أو شمالاً، ولا يعتذر إن حدث خطأ ما، أو غفلة أو شرود أو عدم تنبه لما يجب فعله!..

في دول غربية كثيرة؛ ومع العلم بما هو موجود من مما لا نستسيغه نحن من بعض الممارسات غير الأخلاقية لمن أرادها وفي مواضعها؛ لا يمكن أبدا التسامح أو التساهل مع من يعتدي على حقوق الآخرين بتحرش قولي أو عملي، والعقوبات في القوانين الغربية صارمة وقاسية ولا تسامح فيها، فلا يمكن أن تلحظ مضايقة لامرأة أو لأسرة، ولا يمكن أن ترى ما يفجعك ويفزعك ويدخل إلى روحك الرعب من تصرف مروري طائش من أرعن؛ فللوقوف وللتجاوز وللسرعة وللإضاءة وللتنبيه قوانينه وضوابطه، ولا يمكن أن يقفز من هو في آخر الطابور أمام المحاسب في أي سوق أو متجر على من قبله، أو يسقط في المنتصف، أو أن يتنازع اثنان أيهما الأسبق لدفع الحساب، أو يتحدث أحدهم إلى المحاسب وهو مشغول بإنجاز حساب غيره، كما يحدث عندنا بصورة متكررة وغير مُستنكَرة في كثير من الأسواق والمتاجر والمصالح!.

هم الأكثر انضباطاً في أداء واجباتهم العملية والحرص على الصدق والإتقان والتجويد والوفاء بالالتزامات، والتنافس والتميز والسبق في الإبداع، ونحن الأكثر تنافساً في الحصول على فرص الانسحاب من الالتزامات العملية، ومن الحضور إلى مقاعد الدرس أو مواقع الإنتاج، نفرح بإجازة يوم طارئ وننعتها بالمكرمة، ونصف الجاد المتفوق بالموسوس، واللعاب الانتهازي المخاتل بالذكي، ونترحم على حال الأخلاقي الملتزم بقيم التعفف والاعتزاز بالذات والبعد عن النفاق والمحاباة؛ لأنه مسكين لا يدري كيف يسلك أموره ويحقق مصالحه!.. وغاب عنا قول الشنفرى في هذه الخصيصة الأخلاقية السامية:

وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى

لهُ عَليَّ من الطَّوْلِ امرُؤ مُتطوِّلُ

ولولا اجتناب الذم لم يُلْفَ مَشربٌ

يُعاش به إلا لديِّ، ومأكلُ!

نحن نروي الأقوال والحكايات ونتفاخر بالقصص والمأثورات، نقول الكثير ولا نعمل إلا القليل؛ وهم يعملون ويطبقون الأنظمة والقوانين والأخلاق التي تضبط إيقاع الحياة، يقولون القليل ويعملون الكثير!.

moh.alowain@gmail.com
mALowein@
 

كلمات
نحن وهم: لدينا مثاليات مدعاة غير مطبقة ولديهم مجتمعات منضبطة راقية
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة