ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 23/11/2012 Issue 14666 14666 الجمعة 09 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

سأبتعد في هذه العجالة قليلاً عن آلام أمتنا، وأشجان واقعنا، ولن أقول هواننا على الناس، فالأمل في الله كبير، وهو على كل شيء قدير، لكن واقع حال أمة الإسلام لا يرضى عليه محبٌ للإسلام، والأمر منا وإلينا، فإن أردنا واستعنا بالله أصبحنا نمثل الإسلام حق تمثيل، وإلاّ فالإسلام باق ونحن زائلون، وقد حكم التاريخ على كل جيل مضى بما أصاب وأخطأ، وما كتب وأنشأ، وسيحكم علينا بمقدار ما بنينا، ويرسم في صفحاته ما جنينا.

والتاريخ قد كتب عنا الكثير فيما مضى، ففي الأندلس نقل لنا التاريخ أن الملكة إيزابلا التي استولت مع غريمها ثم زوجها الملك فرناندو على غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس، أنه قد أزعجها وأقضّ مضجعها صوت ساقية تقع في الجنوب من قصرها يقال لها “ساقية أبو العافية” تتبوأ مكانا على ضفاف نهر قرطبة فأمرت بإزالتها، وكانت هذه الساقية تزود القصر والمسجد بالماء، وقال صاحب الدروب الأندلسية “ إن المنازل المحيطة بالمسجد الجامع في قرطبة تمتاز بالمعمار الأندلسي المميز، كما تتواجد بعض مطاعم الوجبات السريعة وإلى جانبها تتجاور العديد من محلات بيع التذكارات القرطبية ذات الندرة إلا في قرطبة خصوصاً وهذا شاهد عزة الإسلام، وأفول نجمه على يد أجيال مختلفة حكم عليها التاريخ.

ويوجد اليوم في قرطبة تجسيد لبعض الشخصيات الإسلامية وأخرى نصرانية ويهودية، مما يدل على التسامح الذي كان سائداً تحت راية الإسلام فهناك القصر الملكي للحكم المستنصر، وآخر لأحد ملوك إسبانيا الذين تولوا الحكم بعد طرد المسلمين، وفي الحديقة المحيطة بالقصر يوجد تجسيد تذكاري من الرخام نحت ذو قرميد أندلسي أخضر تخرج منه يدان تتلامس أناملهما في رقة شاعرية، وهو نصب لابن زيدون مع محبوبته الشهيرة ولادة بنت الخليفة المستكفى الذي حكم الأندلس نحواً من سنتين وكان من أسوأ حكامها إن لم يكن أسوأهم سلوكا، وتدبيراً، ودراية بأنماط الحكم والسياسة، وكان الحلقة الأوهن في مسلسل التدرج في الانهيار الذي لحق بالدولة الأموية بالأندلس حتى زوال حكم بني أمية وبداية حكم الحاجب محمد بن أبي عامر، ومن ثم الطوائف. لقد كتب على ذلك التجسيد التذكاري شعر لولادة:

أغار عليك من عيني ومني

ومنك ومن زمانك والمكان

ولو أني خبأتك في عيوني

إلى يوم القيامة ما كفاني

-2-

فيرد ابن زيدون بزفرة المتيّم:

يا من غدوت بين الناس مشتهرا

قلبي يقاسي عليك الهم والفكرا

إن غبت لم ألق إنساناً يؤانسني

وإن حضرت فكل الناس قد حضرا

قصة الحب بين ابن زيدون وولادة بنت المستكفي تحتل مكان القلادة في عقد تاريخ الأدب الأندلسي0 فابن زيدون الفتى المخزومي، الشاعر الأندلسي الأشهر، وسليل العائلة الأرستقراطية، قد عصفت به قصة حب مع ابنة أضعف خلفاء بني أمية (المستكفي بالله) الذي لم تزد مدة خلافته عن العامين حتى اغتيل في نهاية الأمر! ولاّدة ذات الجمال الباهر الذي يطول في وصفه المقال، وتنتهي الكلمات، وتجف الأقلام، ويجدب الخيال، وقد قال فيها ابن زيدون:

كما تشاء فقلي، لست منتقلاً

لا تخش مني نسيانا ولا بدلا

وكيف ينساك؟ من لم يدر بعدك ما

طعم الحياة، ولا بالبعد عنك سلا

اشتهرت ولادة بأنها صاحبة المنتدى الأدبي الذي كان الأدباء والشعراء يؤمونه من جميع أنحاء الأندلس، يحترقون شعرا طلباً لرضاها ولنيل بسمة من محياها، وهي الشاعرة التي كان من سيرتها ما يتخللها بعض ضبابية! تارة توصف بالصون والعفاف وتارة بالمجون! واشتهر على لسانها بيتان كانا سبباً في هذا التصور الغائم عنها تقول فيهما:

أنا والله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها

أمكّن عاشقي من صحن خدي

وأعطي قبلتي من يشتهيها!

وفي كتاب دروب أندلسية أن ماريا تيرسا غارولو وهي باحثة إسبانية أيدت فيه ما ذهب إليه رأي أديبنا الدكتور (غازي القصيبي) بأن صاحب البيت الأول يستحيل أن تكون هي نفسها صاحبة البيت الثاني، إلا إن كانت تعاني من انفصام حاد في الشخصية!.

 

نوازع
التاريخ سيحكم
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة