ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 26/11/2012 Issue 14669 14669 الأثنين 12 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

* الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة - رحمه الله - هامة رفيعة لا تفتقر إلى تعريف واسم موسوم في ذاكرة التاريخ العسيري منذ القدم، وقد بلغ علواً في القدر وسمواً في الذكر أنه كان الحليف القوي الأمين للمؤسس الخالد لهذا الكيان، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، وكانت الرسالة (ومثلها البرقية) جسر التواصل بينهما في الدقيق والجليل من الأمور، خلال حملات التوحيد لأجزاء من هذا الكيان الغالي وبعدها.

***

* لم أنل شرف معرفته - رحمه الله -، أو القاه عن كثب، لأنه عندما كان نجماً مضيئاً في سماء الحراك السياسي والإداري الاجتماعي في عسير خلال عقد الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، كنت آنئذ طفلاً في ربيعي السابع أتردد على المدرسة الابتدائية في أبها المطلة على (ساحة البحار) الشهيرة في أبها، وكان مقرها مجاوراً لقصر الشيخ أبو ملحة ومقر إقامته.

***

* وقد أتاح لي هذا (الجوار الجغرافي) النادر فرصة مشاهدته عن بعد مرة أو مرتين خلال تلك الفترة، لحظة خروجه من قصره في سيارة بيضاء اللون، ومشهد كهذا كان يأسر وجداني الغض في تلك الأيام لسببين:

أحدهما المشهد المهيب للشيخ عبدالوهاب أبو ملحة، وهو في سيارته، وكنت وبعض رفاق الطفولة في المدرسة المجاورة لقصره ندع كل أسباب اللهو البريء في الساحة لننتظم في صف لتحيته اثناء عبوره متجهاً إلى مكتبه أو أي جهة أخرى.

***

* أما السبب الثاني: لحالة الانبهار التي كانت تغشاني عند مشاهدته، في السيارة الصغيرة التي كان يمتطيها، إذ كان مشهدها وحده كافياً لإثارة نوازع مختلطة من الإعجاب الممزوج بالفضول والدهشة في وجدان طفل (قروي) مثلي يقطن إحدى القرى الزراعية الملاصقة لأبها، ويومئذ، لم أكن قد رأيت سيارة (بالعين المجردة) سوى سيارة سيدي الوالد رحمه الله وكان ذلك في سن مبكرة سبقت التحاقي بالمدرسة، ولم يتح لي (استخدامها)، بل كنت (ألهو) بالنظر إليها ولمس أجزاء منها والصعود (بصعوبة) على (رفرفها)، وتلك قصة أخرى.

***

* وهناك أمر آخر، ارتبطت به ذاكرتي ووجداني بالشيخ عبدالوهاب أبو ملحة، مما رواه لي سيدي الوالد رحمه الله في أكثر من مناسبة، رداً على سؤال متكرر ومهم معاً، (ما الذي أتى بك يا أبا عبدالرحمن من تخوم شقراء ونفودها في شمال نجد إلى جبال عسير المطرزة بالمزارع والمنازل الشعبية والمساحات الخضراء الآسرة للعين والفوائد معاً؟).

وأتذكر بعضاً من رد والدي على ذلك السؤال: (إرادة الله وحدها هي التي أتت بي إلى أبها، حين كلفني وجيه شقراء وقتئذ الشيخ عبدالرحمن السبيعي، بناءً على توجيه من الملك عبدالعزيز رحمه الله بإيفاد من يراه إلى عسير حاملاً رسالة ملكية خاصة إلى الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة، فاتجهت على ظهر ذلول إلى الجنوب ومعي بعض الرفاق واستغرقت الرحلة بضعة أيام وليال صعاب حتى بلغنا أبها).

***

* ثم يكمل سيدي الوالد: (هناك التقيت بالشيخ أبو ملحة في مجلسه المهيب، وسلمته الرسالة الملكية التي كانت بحوزتي، وبعد تأمل مضمونها، خاطبني الشيخ أبو ملحة قائلاً: ما أتيت من أجله (يا ولدي محمد) ليس يسيراً تحقيقه الآن، فابق معنا فترة من الزمن حتى تتحقق الغاية التي جئت من أجلها).

***

* وأضاف أن الفترة التي أشار إليها الشيخ أبو ملحة لم تكن قصيرة لكنه أحب المدينة وأهلها، وأقام بها إقامة جعلته يزداد بهم معرفة ويزداد لهم قرباً، ثم توج الإقامة بالزواج من ابنة إحدى الأسر الكريمة ليجد نفسه يدخل في منظومة من العلاقات الشخصية والتجارية الناجحة، وفي الوقت نفسه، توطدت علاقته رحمه الله بعدد من الواجهات الاجتماعية المعروفة، من بينهم آل بن عزيز وآل عامر أبو مسمار والشيخ عبدالله الياس (الموسوعة) البيروقراطية منذ عهد الأتراك، وغيرهم كثيرون.

***

* غادرت أبها إلى القرية المجاورة (مشيع) لأقيم مع جدي لأمي رحمهما الله بعد انتقال سيدي الوالد إلى جازان، وغابت عن العين رؤية الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة في ساحة البحار وهو خارج من قصره أو عائد إليه، ثم منحني الله بعد أعوام عديدة جسوراً من التواصل الحميد مع هذه الأسرة الكريمة، بدءاً بالشيخ سعيد بن عبدالوهاب أبو ملحة رحمه الله، الذي خلف والده في إدارة مالية أبها زمناً طويلا، كان صديقاً لي حميما وابا كريماً، وشملت أواصر المحبة المتينة أولاده خاصة الاخوة الكرام عبدالله وعبدالعزيز وعبدالرحمن، ولكل منهم باع كريم في خدمة هذه الوطن في أكثر من زمان ومكان، ولن أنسى أبداً الأخ العزيز الشيخ محمد بن عبدالوهاب أبو ملحة، الذي رأس مالية أبها بعد تقاعد أخيه، وكان نعم الرمز لسمعة الاسرة الكريمة ونعم الممثل لها داخل عسير وخارجها.

***

* وبعد، ستظل سيرة (آل عبدالوهاب) الحميدة تزين كتب التاريخ عطراً من الذكر الحسن، وسأبقى اتذكر بحنين تلك الأيام التي غرست ذكرهم وذكراهم، في خاطري، بدءاً بـ(ساحة البحار) في أبها حتى يومنا هذا.

 

الرئة الثالثة
الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة: هوامش قصيرة من سيرته العطرة!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة