ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 30/11/2012 Issue 14673 14673 الجمعة 16 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

تقارير

 

مِت رومني وضبط الحقائق

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاص - بـ(الجزيرة) - نيويورك:

إن ما يجري في الولايات المتحدة هذه الأيام أشبه بحرب دائرة بين الواقع والخيال. وكانت إعادة انتخاب أوباما بمثابة انتصار -واضح ولو كان محدودًا- لقضية الواقع.

ولقد قدَّمت لنا الأحداث التي وقعت خلال الأيام التي سبقت الانتخابات الرئاسية في أمريكا مثالاً صارخًا لهذا الصراع. فبين كبار مساعدي المنافس الجمهوري مِت رومني، سرى اعتقاد مفاده أنَّه بات على أعتاب النصر. بَيْدَ أنّ اقتناعهم هذا كان بلا أساس وفقًا لنتائج استطلاعات الرأي. وبالرغم من هذا فقد تنامى ذلك الشُّعور بقوة حتَّى أن معاونيه بدءوا في مخاطبة رومني بلقب «السيد الرئيس».

ولكن الرَّغبة الشديدة في تحقق أمر ما لم تكن كافية لتمكينهم من تحويله إلى حقيقة. وربما اقترب رومني من التحوّل إلى رئيس، ومن الواضح أنّه كان يريد أن يستمتع بهذا ما دام بوسعه هذا، ولو كان ذلك قبل الأوان، ثمَّ في ليلة الانتخابات، عندما أعلنت شبكات التلفاز هزيمة رومني في ولاية أوهايو وبالتالي إعادة انتخاب باراك أوباما، ذهبت حملة رومني إلى رفض قبول النتائج إغراقًا في الإنكار، ثمَّ مرَّت ساعة بالغة الحَرَج قبل أن يتقبل رومني الواقع ويلقي بخطاب لبق اعترف فيه بفوز أوباما.

كان تجاهل الواقع بنفس الطريقة بمثابة السمة المميّزة ليس فقط لحملة الحزب الجمهوري بل وأيْضًا للحزب الجمهوري بالكامل في الآونة الأخيرة. فعندما أصدر مكتب إحصاءات العمل تقريرًا في شهر أكتوبر - تشرين الأول أظهر أن معدل البطالة الوطني ظلَّ «بلا تغيير في الأساس عند معدل 7.9 في المئة»، سعى نشطاء الحزب الجمهوري إلى التشكيك في مصداقية مكتب إحصاءات العمل رغم ما يحظى به من احترام كبير.

وعندما أظهرت نتائج الاستطلاعات أن رومني متأخر عن الرئيس باراك أوباما، سعوا إلى التشكيك في مصداقية الاستطلاعات. وعندما أصدرت خدمة أبحاث الكونجرس غير الحزبية تقريرًا مفاده أن خطة الضرائب التي اقترحها الحزب الجمهوري لن تفيد على الإطلاق في تعزيز النمو الاقتصادي، أرغم نوَّاب مجلس الشيوخ الجمهوريون خدمة أبحاث الكونجرس على سحب تقريرها.

ويعكس هذا الرفض المتِّكرر لحقائق واضحة وضوح الشَّمس نمطًا أوسع. فعلى نحو متزايد، سعى الحزب الجمهوري، الذي كان ذات يوم حزبًا سياسيًّا طبيعيًا، إلى منح نفسه رخصة للعيش في واقع بديل -عالم أشبه بذلك الذي وجد فيه جورج دبليو بوش أسلحة الدَّمَار الشامل التي تخيل وجودها في العراق؛ الذي نجحت فيه خطة خفض الضرائب في القضاء على عجز الميزانية؛ فأوباما ليس مسلمًا فحسب، بل أنّه وُلِد أيْضًا في كينيا وبالتالي لا بُدَّ من تجريده من الأهلية لتولي منصب الرئاسة؛ ومسألة الانحباس الحراري ليست أكثر من حيلة اختلقتها ثُلة من العلماء الاشتراكيين. والديمقراطيون أيْضًا وضعوا من جانبهم قدمًا في معسكر الوهم والخيال.

ولكن بين كل معتقدات الجمهوريين غير الواقعية، كان إنكارهم الشديد لتغيّر المناخ نتيجة لأنشطة بشرية أكثر مظاهر إنكارهم خطورة بلا أدنى شكٍّ. فإذا تُرِك الانحباس الحراري العالمي بلا علاج فإنّه كفيل بتدمير الظروف المناخية التي شكَّلت الأساس لارتقاء الحضارة الإنسانيَّة وجعلها في حكم الإمكان على مدى الأعوام العشرة آلاف الماضية.

كان رومـني، بوصفه حاكمًا لولاية ماساتشوستس، قد أعرب عن اعتقاده بصحة وواقعية الانحباس الحراري العالمي. ولكنَّه كمرشح للرئاسة انضم إلى المنكرين - وهو التحوّل الذي اتضح تمامًا عندما قَبِل ترشيح الحزب له في تامبا بولاية فلوريدا في أغسطس- آب. فخاطب رومني الحضور في مؤتمر الحزب الجمهوري قائلاً: «لقد وعد الرئيس أوباما بالبدء في إبطاء ارتفاع مستوى سطح المحيطات»، ثمَّ توَّقف برهة مبديًا ابتسامة موحية أشبه بابتسامة الممثل الهزلي الذي ينتظر أن يفهم الجمهور مزحته.

وبالفعل فهمه الحاضرون فشرعوا في الضحك. وانتظر رومني حتَّى تعالى الضحك، ثمَّ ألقى بسطر الضربة القاضية: «وشفاء كوكب الأرض»، فانفجر الحاضرون في نوبة عنيفة من الضحك. ولعل هذه اللَّحْظَة كانت الأكثر بروزًا وبعثًا على الأسى والحزن في حملة تستحق الرثاء - اللَّحْظَة التي يدوِّن فيها التاريخ الآن عن الجهد الإنساني للحفاظ على كوكب ملائم للحياة، التي حكم عليها بأن تشهد قدرًا لا يفنى من سوء السمعة.

ثم أتت التتمة المذهلة. فبعد ثمانية أسابيع، ضرب إعصار ساندي شواطئ ولاية نيوجيرسي ومدينة نيويورك. وكانت موجات البحر التي ساقها بارتفاع أربعة عشر قدمًا مدعومة بارتفاع مستوى سطح البحر الناجم بالفعل عن قرن كامل من الانحباس الحراري العالمي، فاستمدت العاصفة عنفوانها وشدتها من مياه المحيط التي أصبحت أكثر دفئًا على كوكب تتزايد درجات حرارته على نحو مستمر. فجاء هذا المدُّ من الواقع -أو ما أطلق عليه ألكسندر سولجينستين ذات يوم وصف «عتلة الأحداث التي لا تعرف الشفقة» - لكي يفجر الفقاعة المحكمة التي أقامتها حملة رومني من حوله، فاخترق جدرانها كما اخترق جدران مانهاتن السفلى وفار روكيواي.

في السِجال بين الحقيقة والخيال، أصبح للواقع حليفٌ قويٌ فجأة. فأعيد رسم الخريطة السياسيَّة برشاقة ولكن على نحو لا يخلو من العواقب. فقد انطلق أوباما إلى العمل، الآن ليس بوصفه مرشحًا فوزه غير مؤكد، بل باعتباره رئيسًا جديرًا بالثِّقة وخدماته مطلوبة بشدة من قِبَل هؤلاء الذين ضربهم الإعصار على الساحل الشرقي. فقد رأى ثمانية من كل عشرة ناخبين، كما أظهرت استطلاعات الرأي، أن أداءه كان طيِّبًا في التَّعامل مع مأساة الإعصار، وأعلن كثيرون أن هذا الانطباع أثر على اتجاه تصويتهم.

وفي تحوّل سياسي قوي ومفاجئ، تبيّن أن حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي، الذي كان المتحدث الرئيس في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سخر فيه رومني من مخاطر الانحباس الحراري العالمي، كان واحدًا من هؤلاء الذين تأثروا بأداء أوباما، وصرح بذلك علنًا.

كان عالم السياسة الأمريكيَّة - وليس عالم الجمهوريين فقط، بل وأيْضًا الديمقراطيين (ولو بدرجة أقل) - حريصًا على إقامة سياج حاول به عزل نفسه عن حقائق مشؤومة. ولكن هذه الحقائق، وكأنّها تنصت وتستجيب، دخلت إلى معترك الحملة الانتخابية، فأدلت بصوتها مبكرًا، وربما كانت السبب في تحويل النتيجة. لقد تكلمت الأرض، فأنصت لها الأمريكيون، ولو لمرة واحدة.

(*)زميل معهد الأمة وزميل زائر لدى جامعة ييل، ومؤلف كتاب «العقد السابع: المظهر الجديد للخطر النووي».

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

 

رجوع

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة