ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 01/12/2012 Issue 14674 14674 السبت 17 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الاثنين الماضي شهد حدثا تاريخيا على مستوى العالم، ولم يسبق أن شهدنا مثيلا له في التاريخ المعاصر، وهو افتتاح مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، وهذا حدث استثنائي بكل المقاييس الدينية والسياسية

والاجتماعية والثقافية.. ومن حضر هذا الافتتاح فقد شهد كل معاني الاستثنائية في الحدث ذاته وفي الحضور وفي الإجماع العالمي، والتأكيد من قبل المؤسسات الدينية والسياسية والمجتمعية على تفرد المشهد وتاريخية الحدث.

الحضور المكثف من قبل مختلف الأوساط الدينية في العالم من مختلف أتباع الأديان السماوية ومختلف الثقافات العقدية الأخرى يعكس الاتجاه الإيجابي نحو مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز والالتفاف حولها ودعمها بكل الإمكانات المتاحة من قبل تلك المؤسسات.

الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما فكر في هذه المبادرة فلم يعلنها كأمر نهائي، بل إنه اتبع فيها الطريقة الصحيحة، وهي استشارة العلماء المسلمين، ليس فقط من المملكة العربية السعودية، بل من كل أنحاء العالم، وأراد الملك -يحفظه الله- أن تكون مكة المكرمة هي مكان هكذا مؤتمر استثنائي، يناقش أمرا مهما حول علاقة المسلمين بباقي أتباع الديانات الأخرى في العالم.. وأراد أن يخرج مثل هذا القرار ليس من أروقة السياسة بل من مخرجات الشريعة ومن نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة.. وهكذا توفر الغطاء الديني/ الشرعي لهذه المبادرة الاستثنائية..

ولا شك أن مثل هذا الإجراء الذي حدث على مستوى العالم الإسلامي قد حدث فيما بين المؤسسات الدينية المسيحية واليهودية وكذلك في العقائد الهندوسية والبوذية وغيرها من الثقافات والعقائد.. حتى تتوحد رؤى تلك الجماعات نحو الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ولهذا جاءت موافقات تلك الجهات، وخاصة الفاتيكان بعد دراسات عميقة، ولكنها في العموم جاءت إيجابية ومتوافقة مع أهداف مبادرة الملك عبدالله التي فرضت نفسها على مواقف أتباع الأديان والثقافات..

ويجب أن نعرف أن هناك غطاء سياسيا لهذه المبادرة من قبل دول الأطراف وهي المملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا وجمهورية النمسا، وهذه الدول وفرت هذا الغطاء الذي كان محوريا في دعم الإمكانات السياسية والقانونية لهذا المركز، كما أن المبادرة وجدت دعما أمميا بتأييد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك عام 2008م، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة حفل افتتاح المركز في فيينا. هذه التغطيات السياسية كانت مهمة ومحورية وهي التي مهدت الطريق إلى شق هذه المبادرة طريقها نحو النجاح والتنفيذ..

وتبقى موضوع اختيار مقر المركز، حيث كانت فيينا مرشحة بقوة لأن تكون المقر لمركز الملك عبدالله، وفيينا مدينة غنية عن التعريف، فهي مقر عدد من المنظمات الأممية وهي دولة مرحبة بالحوار بين أتباع الأديان والثقافات. والنمسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تعترف بالدين الإسلامي كدين رسمي، وتحتفل هذا العام بمرور مائة عام على هذا الاعتراف.. كما أن حكومة النمسا مرحبة بمبادرة الملك عبدالله من الوهلة الأولى.. ولهذا لم يكن مستغربا أن تكون العاصمة النمساوية فيينا هي مقر المركز.. وعلى الرغم من وجود بعض الجماعات المحتجة ضد المركز ولكن هذه الاحتجاجات تقلصت إلى أحد عشر شخصا فقط تظاهروا أمام المركز عند افتتاحه الاثنين الماضي، كما أن احتجاجات بعض الأقلام في الصحافة تقلصت كذلك خلال الفترة الماضية، مما يعكس أن المركز بدأ يحتل مكانته بتوافق كبير بين أطياف التيارات السياسية والاجتماعية في النمسا. ومن الطبيعي أن تخرج من بين أبناء الشعب النمساوي المتعدد الأديان والثقافات والأهواء والسياسات بعض الأصوات التي تعترض على تأسيس المركز وتراه نفوذا سعوديا وهيمنة إسلامية على مركز مهم مثل هذا المركز..

وأخيرا يجب أن نعرف السياق التاريخي الذي انطلق منه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في فكره وتأسيسه لهذه المبادرة هي الفترة الحرجة التي مرت على المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان الإسلام مستهدفا من قبل مختلف الدول والجماعات، وبدأت كثير من الدول تضايق المسلمين في بلدانها، كما عانى السعوديون أكثر من غيرهم بسبب سوء فهم عن قيم الإسلام الحقيقية عن السلام والتعايش مع الحضارات الأخرى.. وقد اختزل العالم “الإسلام والمسلمين” في فكر القاعدة وعملياتها الإرهابية، وكان هذا مصدر توتر وخلافات مع المسلمين، ولهذا كانت هذه المبادرة عملا إيجابيا نحو الآخر من باقي الديانات والثقافات، وهي تحاول أن تؤسس لقيم إنسانية مشتركة بين الأديان والثقافات وتبني على هذه المشتركات من أجل بناء رؤى وتصورات وحلول لمشاكل العالم وأوجه معاناته والمساهمة في توحيد الصفوف وتعزيز المواقف الدولية والإقليمية لدعم تطبيقات تلك الحلول وتنفيذها على أرض الواقع الإنساني المعاش.

alkarni@ksu.edu.sa
رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
 

مركز الملك عبدالله: الاستثنائية في المكان والزمان
د.علي بن شويل القرني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة