ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 02/12/2012 Issue 14675 14675 الأحد 18 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من الدلائل المعجزة على عظيم قدرة الله تعالى في مخلوقاته جميعها، أنه سبحانه كون تلك المخلوقات بصورة متوازنة، فلم يطغ في مخلوق مكون على آخر، ولم تتغلب فيه سمة على أخرى، الكل أبدع الخالق صنعه وتكوينه وتوازنه، وبهذا غدا التوازن والاعتدال سمة أصيلة متواترة في كل مظاهر الكون ومخلوقاته ومحتوياته، المادية والمعنوية، البشرية والحيوانية، المتحركة والساكنة، توازن بديع متقن، نظم سبل الحياة، وضمن انسجام تكويناتها.

الحياة بكل مقوماتها ومعطياتها قائمة على التوازن، والتوازن يقتضي النظرة الوسطية للأمور، أي الاعتدال بين الأطراف المتعارضة والمتناقضة، وذلك بالبعد عن الميوعة والتهاون، والتزييف والتهويل، والإفراط والتفريط، والمبالغة والحماسة الزائدة غير المنضبطة بالقوانين والقيم والمعايير البشرية المتوافق عليها بين بني البشر عبر تاريخهم المتوارث الطويل، وبهذا تستقيم أنماط الحياة على اختلاف صورها، وتطيب العلاقات بين الناس على اختلاف الرؤى والمواقف، من هذا يتبين أن سمة التوازن تعني الاعتدال والتوسط بين طرفين مختلفين، الحق والباطل، الزيادة والنقص، الحب والكره، الكرم والبخل، وغيرها مما يعد وسطا بين طرفين.

والإنسان باعتباره أعظم مخلوقات الله شأنا، وأجلها قدرا ومكانة، وأكثرها تعقيدا وتغيرا، وأقدرها على إعمار الكون والتأثير فيه، جاء تكوينه بصفة عامة في منتهى التوازن والاتزان، من بدء خلقه حتى يتوفاه الله، فقد أودع الله في فطرة الإنسان مقومات توازنه واعتداله، وبهذه المقومات اكتسب سماته البشرية، وخصائصه الإنسانية، وعلامات سوائه واستقامته، واحتل المكانة السامقة خليفة لله في الأرض يعمرها بما وهبه الله من قدرات وإمكانات متقدمة غير متوفرة في غيره من المخلوقات.

اللافت في مقومات التوازن والاعتدال توافقها مع رغبات عامة البشر، وانسجامها مع حاجاتهم وقدراتهم، وثبت أن من تسول له نفسه الخروج على هذه المقومات بالزيادة فيها أو النقص يواجه بالرفض والاستبعاد، ومن أوضح الشواهد على سماحة الدين الإسلامي ووسطيته، وتوافقه مع الخصائص البشرية للإنسان، ما ورد في صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوا، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

هذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، توازن في الروح، صيام وفطر، صلاة ورقاد، وتلبية لمتطلبات الجسد، حيث يعد الزواج من الأولويات التي يتطلبها الجسد للحفاظ على النفس والنوع، ففي الزواج سكن ومودة ورحمة، وفيه بناء وتنمية وحفظ للبنية المجتمعية من النزوات الحيوانية التي تفضي إلى اضطراب الحياة واختلال توازنها.

الأسوياء نفسيا يحرصون دائما على أن يظهروا للآخرين بمظهر يدل على توازنهم واعتدالهم، يحرصون على أن يراهم الآخر متوازنين في تطلعاتهم وأهدافهم، في عباداتهم وترويحهم عن أنفسهم، في أداء أعمالهم وسلوكاتهم، وفي أقوالهم حيث لا خنوع ولا فحش، وفي اتجاهاتهم حيث لا معاداة ولا ارتماء، وفي مواقفهم حيث لا ظلم ولا تحيز، لأنهم يعلمون تمام العلم أن الفاحش البذيء يكرهه الناس ويجافونه ويبتعدون عنه ويأنفون من التعامل معه أو مصاحبته، بسبب خروجه عن الأطر العامة التي توافق عليها الناس وارتضوها معيارا ونبراسا يهتدون به في تنظيم شؤون حياتهم وعلاقاتهم مع بعضهم الآخر، فعن عبدالله بن عمرو قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وإنه كان يقول: (إن خياركم أحاسنكم أخلاقا).

 

أما بعد
التوازن سمة الأسوياء
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة