ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 03/12/2012 Issue 14676 14676 الأثنين 19 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في الأسبوع الماضي أقامت مؤسسة الفكر العربي مؤتمرها الفكري السابع في مدينة دبي.. عجيبة العجائب.. المُتألِّقة نشاطاً في مختلف وجوه الحياة. وكان اليوم الأول لذلك العرس الفكري مُخصَّصاً للغتنا العربية مُختتماً بإعلان له جاذبيته وإيحاءاته..

وهو: « لننهض بلغتنا». وهذا الإعلان بجاذبيته وإيحاءاته صوت جميل مُقدَّر ومشكور هادف إلى استنهاض همم أُمَّتنا؛ قادة وشعوباً، للنهوض بلغتها؛ إدراكاً ممن أطلقوه بأن اللغة ركن أساسي من أركان هويَّة هذه الأُمَّة. وهو صوت جدير بالإشادة جنباً إلى جنب مع الإشادة بما سبق تحقيقه من إنجازات في تعزيز مكانة هذه اللغة؛ منها تلك الخطوة العظيمة التي اتخذتها القيادة الجزائرية بزعامة الرئيس هواري بومدين، رحمه الله، في مجال التعريب، فآتت أكلها يانعة، ومنها ما قامت ـ وتقوم ـ به كلٌّ من جمعية حماية اللغة العربية في الجزائر وجمعية الدفاع عن اللغة العربية في المملكة المغربية. ويضاف إلى ذلك ـ بطبيعة الحال ـ ما قامت، وتقوم، به مجامع اللغة العربية الموجودة في الأقطار العربية من جهود مشكورة، وما قامت به حكومات عربية من جهود بينها إنشاء معاهد لتعليم العربية لغير الناطقين بها؛ سواء في بلدانها أو خارج هذه البلدان. وإن مما يذكر فيشكر إنشاء المملكة العربية السعودية مركزاً دولياً لخدمة اللغة العربية يرجو المخلصون أن يروا ثماره دانية القطوف، وما قامت به كُلٌّ من دولة قطر وإمارة دبي ـ أخيراً ـ مشكورتين من توجيه لوضع كوابح أمام الاندفاع المُتهوِّر إلى اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية. ومما يبعث على الاطمئنان والسرور أن دولاً إسلامية غير عربية في مُقدَّمتها تركيا وماليزيا وأندونيسيا وُجِد فيها ـ في الفترة الأخيرة ـ إقبال كبير على تَعلُّم اللغة العربية وتعليمها لا من قِبَل زعماء تلك الدول فحسب؛ بل ومن قِبَل المجتمع المدني فيها.

أما بعد:

فقد سبق أن كتبت مقالة عن مؤتمر دولي عن اللغة العربية عقدته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. ومما قلته في تلك المقالة:

« موضوع اللغة... لغة أَيِّ أُمَّة.. موضوع مهم تَحدَّث عن أَهمِّيته الكثيرون. وإن من المُسلَّم بصحته لدى الباحثين في تاريخ المجتمعات والحضارات الإنسانية أن اللغة من أهم دعائم هُويَّة الأُمَّة إن لم تكن أَهمَّها. وهذا الأمر المُسلَّم بصحته هو الذي جعل الأُمم الراقية؛ قديماً وحديثاً، تحرص كُلَّ الحرص على المحافظة على كيان لغاتها، والتمسُّك باستعمالها وحدها؛ تَحدُّثاً وكتابة، والدفاع عنها، ونشرها بين أُمم أخرى. وإذا كان الاهتمام لدى الأُمم بلغاتها، التي منها ما هو حديث النشأة والتطوُّر نِسْبياً، قد بلغ مستوى رفيعاً فجدير أن يكون الاهتمام باللغة العربية بالذات أعظم لدى أُمَّتنا المسلمة؛ ديناً أو انتماء حضارياً. ذلك أن العربية هي اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم، والتي لم يَتكدَّر صفو معينها منذ خمسة عشر قرنا؛ إذ لا يزال العربي لساناً ـ على العموم ـ يقرأ ما كُتِب بها، أو يسمع ما قِيلَ بها، في القرن الأول الهجري؛ شعراً أو نثراً، فيفهمه ويستمتع بالجميل منه. وهي اللغة التي تَمكَّنت ـ في قرون مضت ـ أن تبرهن على قدرتها استيعاب ما كُتِب في حضارات قديمة مُتعدِّدة، وصهره ـ مع ما أضافت إليه من فكر وإبداع ـ في بوتقة واحدة لِتقدِّم إلى الإنسانية كلها حضارة عربية إسلامية عظيمة في مسيرة تاريخ البشرية؛ فكراً وعلماً وثقافة وإبداعا».

على أن المؤسف والمؤلم أنه يوجد في مقابل تلك الجهود المشكورة التي بُذلت وما تزال تبذل بأيدي مخلصين من قيادات ومؤسسات واقع يزداد ألمه يوماً بعد يوم بالنسبة للغتنا الوطنية القومية. ففي حين نرى اليهود قد أحيوا لغة ظَلَّت ميتة قروناً، وأصبح التدريس في الكيان الصهيوني المُحتلِّ لفلسطين لجميع المواد وفي مختلف مراحل الدراسة باللغة العبرية، ونرى دولاً مُتقدِّمة كاليابان وكوريا تُدِّرس في تعليمها العام والجامعي باللغة الأم لشعوبها، نرى من الجامعات العربية الوطنية في مهد اللغة العربية.. جزيرة العرب.. ما حُوِّل التدريس فيها من العربية إلى الإنجليزية، ونرى أكبر دولة في دول مجلس التعاون الخليجية؛ وهي وطننا المملكة العربية السعودية، تسمح، أخيراً، للمدارس الخاصة أن يكون التدريس فيها من السنة الأولى الابتدائية بلغة أجنبية. ليس من اليسير تَجرُّع هذه الغُصَّة؛ وبخاصة إذا ذكر المرء أن وزراء الصحة العرب كانوا قد قَرَّروا، عام 1981م، أن يكون تدريس المواد الصحية بالعربية قبل نهاية القرن الماضي. إلى أين نحن مسوقون؟ قبل أكثر من ثلاثين عاماً كان وزراء الصحة في دولنا من الإدراك والإخلاص للغتنا أن قَرَّروا وجوب تعريب التدريس في الكليات الصحية واليوم نرى المسؤولين عن التعليم في أوطاننا يسمحون بأن تكون لغة التدريس لبراعم أطفالنا بلغة غير لغتهم الأم. إن من المفهوم أن تسعى أمريكا المهيمنة في العالم إلى أمركة منطقتنا العربية في جميع وجوه الحياة؛ وفي طليعتها الجانب الثقافي. لكن من غير المفهوم؛ بل من المذموم، أن نندفع نحن؛ قيادات وشعوباً، إلى التأمرك، فنهدم لغتنا بأيدينا إضافة إلى أيدي المُؤَمركين.

وإلى اللقاء في الأسبوع القادم - إن شاء الله - لكن الحديث سيكون مُركَّزاً على إعلان مؤسسة الفكر العربي المُعَنون: «لننهض بلغتنا»، وما اشتمل عليه.

 

صوت لمناصرة لغتنا العربية «1»
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة