ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 10/12/2012 Issue 14683 14683 الأثنين 26 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

خلال ثورات الربيع العربي ضد حكم الاستبداد اقتربت التيارات الليبرالية مع تيارات الإسلام السياسي إلى أقرب نقطة التقاء بينهما، لكنها عادت للتوتر والصراع في تونس ومصر بعد أن ظهر لليبراليين واليساريين، أنّ الإسلاميين سينفردون بوضع لبنات الدولة على رؤيتهم الدينية الضيقة، وقد كانت أولى حلقات الخلاف على الدستور المصري، ويبدو أنّ مصر تواجه أزمة حقيقية ما لم يتدخل الحكماء في فك عقد الصراع الديني واللبيرالي في مصر، كذلك دخل الوضع في تونس إلى مرحلة كسر العظم، وتواجه حركة النهضة تحدياً شديداً من قِبل تيارات العمل اليسارية.

يحاول البعض أن يرمي تهمة إشعال الصراع في مصر وتونس على الخارج، وبالتحديد على دول الخليج، وقد جاء هذا الشك من تصريحات بعض المحسوبين على السلطات في دول الخليج العربي، لكن ذلك يحتاج إلى أدلة وبراهين واضحة، وأستعبد أن يكون لهم دور في ذلك، لكن قد يكون للمحسوبين على النظام السابق دور في تأجيج الأزمة المصرية، لكن الأقرب من كل هذه الشبهات وجود أزمة صراع وثقه بين التيارات الليبرالية واليسارية وبين تيارات الإسلام السياسي، ولعلّ ما يقلق غير الإسلاميين القدرة التنظيمية الهائلة للجماعة عند تيارات الإسلام السياسي، والأهم من ذلك تباعد الرؤى بينهما في كثير من المجالات في الحياة، ومن أهمها الخلاف العميق حول مصادر التفسير الديني لشؤون الحياة .

جاء الدستور المصري في ظاهره موافقاً لهوى الليبراليين، فقد نص على حرية الاعتقاد وعلى احترام الحرية الطبيعية للإنسان وحرية النشر وحرية إصدار الصحف، كما أكد على المساواة بين المواطنين تحت مظلة القانون، وعلى عدم المساس بحرية الفكر وحق التعبير، وللمواطنين حق المظاهرات السلمية، كما أنّ حق الاجتماعات الخاصة مكفول، ويحظر حضورها من قِبل رجال الأمن أو التنصُّت عليها، كما أنّ للمواطنين حق تأسيس الجمعيات الأهلية والأحزاب بمجرد الإخطار وتكون لها حريتها في العمل المدني، و أكد الدستور على استقلال القضاء، ووضع مناهج بينة للانتخابات في مجالسها المتعدّدة، وفتح الباب لكل المصريين للترشُّح لرئاسة الدولة ولم يربطها بدين أو مذهب.

أيضاً جاءت المادة الثانية أيضاً لتؤكد أنّ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في الدولة، لكن فقرة أخيرة وردت في الفصل الثاني تحت بند أحكام عامة تم إدراجها لتوضيح المادة الثانية، وهو أنّ مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنّة والجماعة، وكان ذلك التوضيح بمثابة الضربة القاضية لأحلام الليبراليين في دستور ليبرالي أو على أقل تقدير عقلاني، والسبب أن التفسير الديني على مذهب أهل السنّة والجماعة لا يتفق مع ما تم إقراره في مواد الدستور من حرية الاعتقاد وحرية الرأي والفكر وحرية المرأة، كما أنّ المذهب لا يتفق أن يكون رئيس الدولة غير مسلم، هذا بالإضافة إلى أن المذهب الفقهي لأهل السنّة والجماعة يشترط وجود محرم للمرأة عند السفر، ويحرم الفن والموسيقى بمختلف أنماطه، كما يحرم الدعاء لغير الله مثل التوسل، وأن من مبادئه الطاعة لأولي الأمر، و في ذلك تناقض مع إقرار حق المظاهرات السلمية.

أحياناً أشعر أنّ الفكر في حياة المسلمين المعاصرين لا زال متوقفاً عند عصر المأمون في القرن الرابع الهجري، والذي كان بالفعل آخر عهود العقلانية في العصور الإسلامية، وأن انتصار التيار النقلي على الاتجاه العقلاني لا يزال مستمراً، وتأتي سر قوّتهم بسبب ارتباطهم الوثيق بالعامة، وبسبب قدرتهم على الوصول إلى عاطفة الإنسان المسلم بلا استئذان، ومن خلالها غالباً ما يُسيطر السياسيون المتدينون على عواطف الناس، كذلك يساعد في ذلك خلو الساحة من تيار عقلاني يخاطب الأمة من خلال ثوابتها، ويقدم صورة ناصعة للإصلاح الذي لا يتعارض مع الحرية المسؤولة، لذلك أعتقد أن الصراع على الساحة المصرية أعمق بكثير من مجرد مؤامرة من الخارج أو الداخل.

 

بين الكلمات
صراع العقل والنقل في الدستور المصري
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة