ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 10/12/2012 Issue 14683 14683 الأثنين 26 محرم 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هذا الصوت المشكور هو الذي انطلق من مؤتمر مؤسسة الفكر العربي السابع في دبي مُعلناً “لننهض بلغتنا”. وهذه الجملة المعنون بها الإعلان كافية للدلالة على أن هناك شعوراً عميقاً بأن لغتنا العربية في وضع مأساوي بحيث بات من الضروري أن تُتَّخذ إجراءات جادة لإقامتها من كبوتها الخطيرة.

والمشكلة راسخة الجذور. وكان ممن أحَسُّوا بالأخطار التي تحيط بها والسهام الموجَّهة إليها شاعر النيل حافظ إبراهيم، رحمه الله. وتوالت الأيام وتلك الأخطار والسهام الموجَّهة إلى اللغة العربية من مختلف الاتجاهات تزداد قوة وشراسة. وكان ممن صَوَّروا وضعها السيئ الدكتور عبدالسلام المُسدِّي، الذي صدر كتابه في العام الماضي تحت عنوان: الانتحار اللغوي. وممن تذكر جهوده فتشكر في هذا المجال الدكتور أحمد الضبيب، الذي صدر له كتاب عنوانه اللغة العربية في عصر العولمة، والذي كتب مقالة جميلة قبل خمس سنوات في صحيفة الجزيرة بعنوان: “ تعجيم التعليم”. ومما قاله في تلك المقالة: “ إن جعل التعليم بلغة أجنبية يُمثِّل كارثة على الثقافة المحلية؛ بل يُمثِّل مسخاً أَبديًّا للهُويَّة المُحلِّية”. وأورد أمثلة واضحة الدلالة على صحة ما قاله. وما قاله، أيضاً، “لقد أَدَّى الاستخفاف باللغة العربية، وتمكين....... في بعض البلدان (العربية) إلى فتن عرقية وطائفية لم تكن موجودة عندما كانت العربية هي الرابط لهذه الشعوب”.

ومما قاله أيضا:

“ إن لغة التعليم في البلاد المُتقدِّمة أمر سيادي؛ فهو لا يُؤدَّى إلا بلغة الدولة الرسمية، ولا يسمح بالتعدد اللغوي في التعليم إلا إذا كانت هناك أعداد كبيرة من المواطنين تختلف لغاتهم عن اللغة السائدة كما في بعض مناطق سويسرا أو كندا.. أما عندنا فالأمر مختلف، فنحن شعب عربي واحد ديننا الإسلام، ولغتنا الرسمية والدينية والثقافية هي اللغة العربية. فلماذا نتنازل عن هذه اللغة في مناهجنا للغة أخرى؟ وأيُّ مصلحة في أن نمسخ عدداً كبيراً من أبناء مجتمعنا لغويا، ونحرمهم من التعاطي مع العلم الحديث بلغتهم الأم؟”.

وما ذا عن صوت مؤسسة الفكر العربي المشكور المُتمثِّل في إعلانه ذي الجاذبية والإيحاءات الجميلة المعنون “ لننهض بلغتنا”؟.

لقد بدأ الإعلان بمقدَّمة ذكر فيها حضور مُمثِّلي الجهات التي أصدرته متعاونة مع رؤساء المجامع اللغوية في الدولة العربية ونخبة من رموز الفكر والثقافة وخبراء اللغة؛ وهم “ يستنهضون هِمَّة الأُمَّة في ما آلت إليه حال لغتها”. وبعد ذكر مُبرِّرات ذلك العنوان.. المناشدة.. المتضمِّن فيما تضمَّن القول: “ إن التاريخ لم يُسجِّل نهضة علمية لشعب من الشعوب بغير لغته الوطنية، ما يجعل من اللغة العربية قضية أمن قومي بلا منازع، وأداة معرفية لا يمكن الاستغناء عنها في أَيِّ مشروع عربي للتنمية”. واختتمت المُقدَّمة بالقول: إن المجتمعين في ملتقى “ لننهض بلغتنا” يُقدِّمون إلى المسؤولين العرب في شتى ـ ولَعلَّ الأصح استعمال كلمة من شَتَّى ـ مواقع صنع القرار، وإلى المعنيين بشأن اللغة العربية، وإلى عموم الرأي العام التوصيات الآتية: وقد أورد هذه التوصيات تحت عناوين فرعية لكل واحد منها دلالاته الواضحة؛ وهي:

أولاً: اللغة العربية وتعزيز الهُويَّة والانتماء.

ثانياً: حماية اللغة العربية باشتراع القوانين اللازمة.

ثالثاً: التخطيط المستقبلي في إطار سياسة لغوية واضحة.

رابعاً: اللغة العربية والتعليم ما قبل الجامعي.

خامساً: اللغة العربية والتعليم الجامعي.

سادساً: اللغة العربية والإعلام الجامعي.

سابعاً: اللغة العربية والإبداع الفني.

ثامناً: اللغة العربية وتحدِّيات العالم الرقمي.

والتوصيات بمجموعها جيدة وجميلة على العموم. وكُلُّ توصية تستحق التعليق على مدلولاتها. ويمكن القول: إنه لو لم يُنفَّذ إلا عدد منها لكان تنفيذه عملاً إيجابياً يسهم في تحقيق ما ارتفع ذلك الصوت الجميل منادياً بتحقيقه. على أني أُفضِّل الاقتصار في هذه المقالة المختصرة على نقطتين مما ورد عن “ اللغة العربية والتعليم ما قبل الجامعي”. النقطة الأولى تنص على: تمكين تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم كافة وتكثيفها في رياض الأطفال ومراحل التعليم الأساسي مروراً بالتعليم الثانوي الممهِّد للتخصص الجامعي، والمُكلَّل بشهادة ثانوية عامة لا تغني عنها شهادة أجنبية، وإيلاء العمل على تطوير أساليب تعليم النحو العربي أهمِّية خاصة ومُلحَّة”.

ومن ينظر إلى التعليم في رياض الأطفال وفي المرحلة الابتدائية؛ وهي مرحلة التعليم الأساسي، في وطننا.. المملكة العربية السعودية.. يجد أن اللغة العربية مكثَّفة بدرجة كافية من حيث الكمِّية. وكنت قد كتبت إلى وزارة المعارف ـ وزارة التربية والتعليم بعد تغيير اسمها ـ ملحوظات عما رأيته في كتبها المُقرَّرة التي تحتاج إلى حذف ما ورد فيها من حشو واستطرادات لا تناسب أعمار من أُلزِموا بدراستها ـ وفي الأغلب حفظ قواعدها الملأى بالاستطرادات عن ظهر قلب ـ وإلى إبدال ما ورد فيها من نصوص تكاد تكون فاقدة الإيحاء غير ذات جاذبية وتشويق، والاقتصار على ما هو ضروري من قواعد النحو.

والواقع أن من يقارن بين ما يكتسبه الأطفال من الكتب المقرَّرة في المرحلة الابتدائية وما يكتسبونه عبر البرامج الجميلة في التلفزيون؛ لا سيما في تلك التي أُعِدت من قبل دول مجلس التعاون، يجد بين الأطفال من هو في السنة الرابعة من العمر، ولم يذهب إلى روضة الأطفال، لكنه يستطيع أن يَتكلَّم بلغة عربية فصيحة. وهذا واحد من الأَدلَّة على عدم تحقيق الكتب المُقرَّرة في الجهة المسؤولة عن التعليم ما يؤمل. ولست أدري هل ما حدث من تغيير لتلك الكتب في الآونة الأخيرة أهو خطوة إلى الأمام أم غير ذلك؛ إذ لمَّا تُتَح بَعدُ دراسة كافية لإبداء وجهة نظر حولها.

أما النقطة الثانية مما ورد إعلان مؤسسة الفكر العربي حول اللغة العربية فهي التي تنص على: “ العمل المنهجي الجاد في المؤسسات الرسمية والخاصة على تحديث تعليم اللغة العربية من حيث محتوى المناهج، وترشيفها لتكون أكثر وظيفية، وطرائق التدريس لتكون نشطه (ولَعلَّ كلمة نشيطة أصح من كلمة نشطة) تفاعلية مستندة إلى الوسائل التقنية المُتطوِّرة، في الحرص على تنمية مهارات الاستماع والتواصل الحيِّ مشافهة وكتابة، ولغايات التحليل والنقد والإبداع”.

أعلم أن هناك من سيقول: إن بعض ما كتب، هنا، يكاد يكون مُجرَّد رصف كلمات إنشائية. لكن لَعلَّ من أَهمِّه ـ في نظري ـ الإشارة إلى محاولة “جعل محتوى المناهج يهدف إلى أن تكون اللغة العربية؛ (وبخاصة قواعد النحو) أكثر وظيفية”. لقد كان علماء اللغة العربية أكثر إدراكا وفهماً لما هو مطلوب من علم النحو. ذلك أنهم سَمَّوه علم الآلة؛ أي العلم غير المقصود لذاته المُجرَّدة؛ بل إن وظيفته هي أن يكون أداة لفهم النص المكتوب باللغة العربية. لكن مؤلِّفي كتب النحو المعاصرين أصبحت الغالبية منهم ينظرون إلى النحو على أنه مقصود بذاته، وأصبح بينهم من إذا ألَّفوا كتبا مُقرَّرة ـ حتى وإن كانت لتلاميذ المرحلة الابتدائية ـ يؤلِّفونهـا بطريقة أَقـلُّ ما يقال عن سوئها إنها تُنفِّر التلميذ وتجعله يكره لغته العربية بسبب ما اشتملت عليه تلك الكتب.

وإذا كان ما ورد في توصيات إعلان “لننهض بلغتنا” حول “اللغة العربية والتعليم ما قبل الجامعي” جملاً في مجمله ـ وإن ورد فيه ما هو أقرب إلى الجمل الإنشائية منه إلى رصين القول القابل للتنفيذ ـ فإن المأمول أن تجد بعض التوصيات - في أَقلِّ الأحوال - طريقة إلى التطبيق.

وإلى اللقاء - إن شاء الله - في حلقة أخيرة من هذه المقالة يُتابَع فيها الحديث عن صوت مؤسسة الفكر العربي المشكور لمناصرة اللغة العربية.

 

صوت لمناصرة لغتنا العربية -2-
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة