ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 14/12/2012 Issue 14687 14687 الجمعة 01 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تدور بين كبار السن - من حين لآخر- في الشلل التي تجمعهم دعابات تستفز خواطرهم بتعداد أعراض الشيخوخة، لكنها مع ذلك تنتزع البسمات لأن كل واحد في الشلة يرى فيها نوعاً من الهزل الذي لا يستحق أن يكدر الخواطر.

ومن بين دعابات الشيخوخة التذكير بكثرة زيارات المقابر.

هذه الدعابة هي في الواقع أقرب الدعابات إلى الصدق، بل هي الواقع بعينه. فنحن كلما كبرنا في السن زاد احترامنا للموت وترحمنا على الأموات، ونعبر عن مشاعرنا هذه بالحرص على تشييع جنائز من نفتقدهم من أحبائنا ومعارفنا. وقد جعلتنا كثرة زيارة المقابر نألف مكانها ولا نستوحشها، وربما يزيد من هذه الألفة أننا نلتقي بمعارف وأقارب وزملاء عز لقاؤهم في سابق الأيام وبعدت الشقة بيننا وبينهم من جراء مشاغل الحياة، ثم جمعتنا المشاعر التي نكنها للمتوفي.

ومن كثرة حضور الجنائز أوحت لي نفسي وأوحى لي بعض الإخوة بهذه الملاحظات:

) يحرص كثير من الأقارب على أن تكون الصلاة على المتوفى في مساجد بعينها على الرغم من بعدها عن المقبرة، وأن تكون - إن صادفت يوم جمعة - بعد صلاة الجمعة. ويرجون من وراء ذلك خيراً للمتوفى لكثرة من يدعون له من المصلين. ولا شك أن الدعاء للميت هو لب صلاة الجنازه، وفي كثرة الداعين بركة إن شاء الله. لكن الواقع أن الصلاة في مسجد بعيد عن المقبرة- مثل الجامع الكبير في الديرة أو مسجد الراجحي الفخم الكبير أو أمثالهما في مدن كبيرة أخرى (باستثناء الحرمين الشريفين لشرفهما) يترتب عليه ما يلي:

أ- ازدحام المواقف وما ينتج من تأخر في إدراك الصلاة المكتوبة نفسها، أو صعوبة في الحصول على مكان للصلاة إن كان ذلك يوم جمعة.

ب- يضطر بعض الناس بسبب ذلك إلى التوجه إلى المقبرة مباشرة وتفويت أجر الصلاة على الميت.

ج- الحرمان من تشييع الجنازة من المسجد إلى المقبرة سيراً على الأقدام وراء النعش، فهذا لا يمكن إلا من مسجد مجاور.

د- دخول عدد كبير من السيارات إلى داخل المقبرة بما تثيره من غبار وفوضى. وهذا لا يحصل بالقدر نفسه إذا كان المسجد مجاوراً للمقبرة.

) يصلى في أحيان كثيرة على أكثر من جنازة ولا يعلن الإمام إلا عن عدد المتوفين. فهل هناك مانع من ذكر الأسماء بالاسم الأول واسم العائلة. ذلك أن الواحد منا يأتي للصلاة على متوفى بعينه وقد يكون هناك غيره ممن يهمه أن يعزي فيه.

) في حالة تعدد الجنائز وعند الدفن يختلط الناس فلا يدري بعضهم إلى أية مجموعة يتجه - خاصة إذا كان لا يعرف المتجمعين حول القبر. وكم من مرة انتظرنا مع الجمع ثم تبين أن المتوفى ليس صاحبنا - رحم الله جميع موتانا.

وأتساءل: أليس بالإمكان توجيه القيم على المقبرة بأن يكتب بحروف كبيرة على قطعة كرتون أبيض- مثلاً - اسم عائلة المتوفى فقط، ثم يثبته على رأس قائم خشبي أو معدني يمسكه أحد أقارب المتوفى أثناء إجراءات الدفن.

) بعد أن يدبر الشتاء والجو المعتدل وتحل حمارة القيظ، هل يكون وقت الظهر والعصر مناسباً للدفن.

) ما الذي يمنع من توفير إضاءة قوية في المقابر محمولة على عمود متحرك أو عمودين لتحبيب الناس في تشييع الجنازة ودفن الميت بعد المغرب أو العشاء في هدوء الليل وسكينته ودون إجهاد لأقارب المتوفى أو المشيعين. إن المظلات - على الرغم من أهميتها - لا تكفي لأنها لا تظل المتجمعين حول القبر والواقفين انتظاراً للسلام.

) القبور مرتبة في صفوف متوازية، وأرى أن من المفيد لمن يرغب لاحقاً في زيارة قبر عزيز لديه والدعاء له- أن تكون لكل صف من القبور دلالة رقمية حتى يسهل على الزائر الاستدلال على القبر الذي يريد، فالقبور متشابهة والصفوف تتزايد والمرء ينسى مع الوقت، وما أكثر من يرغب في السلام على حبيبه والدعاء له.

) ثم إن لدي أمنية أبثها من القلب لطلاب الأجر والثواب من المعزين بعد الدفن: هي أن يكون سلامنا على أهل المتوفى منظماً وهادئاً من خلال الاكتفاء بالمصافحة والدعاء وفي طابور منتظم يمر على الأقارب المصطفين أيضاً بانتظام، بدلاً من الهجوم والتدافع والعناق بما فيه من إرهاق ومشقة للذين نعزيهم. فليت خطباء المساجد ينصحون بذلك، فإنه أقرب للتقوى وأبعد عن المبالغة.

) ولأن الحديث ذو شجون فلا بد من ملاحظة على طريقة العزاء في بيوتنا- في نجد على الأخص- فالعزاء عند الرجال يأخذ طابعاً احتفالياً تقدم فيه القهوة والشاي ويختلط المعزون أحياناً مع أقارب المتوفى الذين يقف بعضهم للاستقبال وبعضهم يودع وبعضهم يعرف الأقارب الآخرين بالمعزين، وفي نهاية العزاء - في الليل خاصة- تبسط موائد العشاء. ربما نجد تفسيراً لذلك في اعتبار الموت أمراً مقدراً علينا أن نرضى به، وأن جو الكآبة والصمت يضاعف الحزن على الأقارب، أما الجو الترحيبي ففيه تسرية وسلوان. هل هذا التفسير صحيح؟ أم أن الرجال يرون في إظهار الحزن نقيصة لا تليق بالرجال؟ أليس الاعتدال أصح؟ وهو أن يجلس الأقارب الأقربون جميعهم في مكان معلوم من المجلس أو المدخل ليتلقوا التعازي واحداً إثر الآخر، ثم يجلس االمعزون على المقاعد الشاغرة إن أرادوا؛ ولا لزوم لقهوة أو غيرها. إن النساء في هذا الأمر أعقل من الرجال!

ولو اقتصرت مدة العزاء على الوقت الممتد من بعد صلاة العصر إلى أذان العشاء لخفت المشقة على أهل المتوفى.

) وأختتم بملاحظة لا روحانية فيها؛ وإنما هي ذات بعد إحصائي. إذ إن حساب معدل الوفاة من أهم المؤشرات الحيوية التي تقيس المستوى الصحي للسكان. ويتم حصر الوفيات عن طريق شهادات الوفاة أو تصاريح الدفن التي تصل إلى مكاتب الأحوال المدنية. وقد لا يصل بعضها أو يتأخر كثيراً. وحيث إن كل متوفى سيصلى عليه ثم يدفن في المقبرة (باستثناء من يتم نقل جثمانه إلى بلده من غير السعوديين)، فإن قيم المقبرة أو المعرف المسؤول عن القرية أو الهجرة التي لا يوجد بها من يشرف على المقبرة يجب أن يطلب منهم تزويد أقرب مكتب للأحوال المدنية بنسخة من استمارة تتضمن معلومات بسيطة عن المتوفى لا تزيد عن: الاسم - الجنس- الجنسية - العمر التقريبي إن لم يكن موثقاً)- مكان الوفاة - مكان الإقامة الدائم (إذ أن عدداً كبيراً من المتوفين يدفن في البلدة التي توفي فيها وليس في البلدة التي عاش فيها طول حياته). وليس مهماً ذكر سبب الوفاة، فهذا تتضمنه شهادة الوفاة الطبية.

أطال الله بقاءكم في خير وعافية ورحمنا وإياكم.

 

حتى زرتم المقابر
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة