ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 15/12/2012 Issue 14688 14688 السبت 02 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يواجه المجتمع السعودي في الفترة الحالية أزمة ثقافة عمل، حيث يواجه كثير من المواطنين صعوبة في كسب عيشهم من العمل المهني والحرفي، وكان ذلك بسبب عوامل عديدة من أهمها الانفصال بين الواقع والفكر، فقد قامت الفكرة السياسية على مبادئ دينية مثل تصحيح العقيدة ومحاربة الشرك والبدع، وغاب عنها إدخال مفاهيم العمل والإنتاج لأسباب لها علاقة بوعي المرحلة، وقد كنا في نظر الآخرين صورة في غاية التطرف عما يحدث في العالم الذي كان يؤمن آنذاك بقيم الحرية والعمل وثقافة الإنتاج، فكانت النتيجة في المجتمع السعودي أعداد لا حصر لها من الدعاة المجاهدين الذين يجوبون الأرض لنشر الأفكار الصحيحة عن الدين في مهمة تصحيح عقائد البشر في العالم أجمع، بينما في بقية العالم تطورت نظرة معتدلة عن الحياة، وخرجت مجتمعات تؤمن بقيم الحرية، وتقوم على إنتاج الكوادر البشرية في المهن والعمل.

**

بالمختصر الموجز كان تاريخنا الحديث مراحل متتالية من الحروب الدينية بدءاً من دعوة الشيخ والإمام، فقد كان إنسان الجزيرة في ذلك يفكر من خلال الحكم الديني على الآخر، ويحارب الكفار والمشركين من أجل هدف تصحيح عقائدهم، وقد كان بالفعل إنجاز تحرير الأرض من السيطرة الخارجية في ذلك الزمن يدخل ضمن الإنجازات العربية الكبرى، وكان الدين يقوم بدور المؤثر الأهم في تحريك الجماهير من أجل جهاد الغزاة، وقد توارثت شعوب الجزيرة الأفكار الجهادية عبر الأجيال المتعاقبة، وكانت دعوة الجهاد في أفغانستان ثم تدافع المواطنين عبر الحدود للعبور من أجل قتال الكفار في العراق وسوريا دليل حيوي على استمرارها، وأن فكر الإنسان لم يتبدل كثيراً منذ القرن الثامن عشر، وأن قدرنا في الحاضر والمستقبل أن نعيش في بيئة تؤمن بحتمية القتال والجهاد من أجل تصحيح أفكار الناس وعقائدهم بالدعوة والجهاد.

**

مر الوطن منذ توحيده بثلاث حروب دينية، كانت في مضمونها ثورات مضادة لفكرة توحيد الوطن، وكانت أسلحتها قتال الكفار ومحاربة المشركين، أي نفس الفكرة الدينية التي حملها الأجداد في حروبهم ضد الآخرين، كان أولها حروب الأخوان بعد إعلان التوحيد، وكانت دعوتها تقويض الدولة الكافرة وإعلان الجهاد ضد الكفار والمشركين، وكان ثاني تلك الحروب حركة جهميان في نهاية السبيعينيات الميلادية، وأيضا كان وقودها التكفير وقتال المشركين والفساق، وثالثهما لا زلنا نعيش خلالها، وهي الانقلاب في اتجاه الحرب الدينية بعد مرحلة الجهاد في أفغانستان، وخروج القاعدة كحركة مضادة من خلال نفس الأفكار التي قامت عليها حروب أفغانستان.

**

في السنوات القليلة الماضية دخل الوطن في تحدٍّ صعب مبتغاه تحقيق المعجزة، وتحويل مجتمع الدعاة والمجاهدين إلى مجتمع يؤمن بثقافة العمل والمشاركة في التنمية، ومن أجل ذلك الهدف تم تأسيس أكثر من 25 جامعة ومئات المعاهد وعشرات الكليات التعليمية المهنية، وتنازلت خلاله السلطات العليا عن كثير من المسلمات التي كانت ولا زالت جزءاً لا يتجزأ من ذهنية المواطنة على فكرة الدين والعقيدة، والاستعداد للانتقال إلى مرحلة المواطنة على أساس مدني، لكن يبدو أن إرث عشرات السنين سيكون من الصعب تغييره في فترة قصيرة، فالمجتمع في الفترة الحالية غير منسجم، ويتكون من أربع فئات رئيسة ومتداخلة نوعاً ما، أولهم فئة رجال الأعمال المستفيدين وأصحاب المصالح الخاصة المتنوعة، وثانيهم العمالة الأجنبية التي تمثل في الوقت الحاضر ثقافة العمل في المجتمع السعودي، وثالثهم فئات الدعاة والمشائخ وطلبة العلم الديني، ورابعهم نسبة عالية من المواطنين المتوقفين عن قبول ثقافة العمل، لكن مستعدين للانطلاق عبر الحدود من أجل جهاد الكفار والمشركين، وتبقى بين هذه الفئات أقليات غير مؤثرة في الحياة العامة.

**

ما أريد أن أصل إليه أن هذا الزخم الضخم من الأفكار الدينية في عقول الناس وشعورهم الفوقي بأنهم الفئة الخيرة التي تحمل رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى العالم، تجعلهم في وضع ممانعة من قبول العمل في الورش والمعامل والمطاعم والمهن الدنيا، وتبقيهم في حالة انتظار لبدء حرب دينية أخرى وفي أي اتجاه.. يقول شيخ الفلاسفة هيجل: إن أي فكرة تولد نقائضها وأضدادها، ويستمر الصراع بشكل آلي ومتلاحق، فتتحد المتناقضات مولدة المجموع الحي، ليندفع مرة ثانية لحده الأقصى، حتى يصل إلى المطلق، لكن ذلك لا ينطبق على الحالة الخاصة بنا، فالفكرة ثابتة ولا تتحول ولا تولد نقائضها، لكن تستمر في حالة أشبه بكرة النار يتقاذفها الناس بين أيدهم، ومن يصبر على لهيبها، ويحافظ على شروطها، يصل إلى أهدافه الخاصة..

وأخيراً كان ودي أن أنصح القارئ الكريم في البدء أن لا يقرأ هذا المقال، لأنه يعبر عن رأي حاد، وقد يسبب له الامتعاض والكآبة، ولكن لم يبق في نهاية هذا المقال إلا تقديم اعتذاري.

 

بين الكلمات
رأي قد لا يُعجب الكثير
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة