ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 22/12/2012 Issue 14695 14695 السبت 09 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أثار اللقاء الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يومي الثلاثاء والأربعاء الموافقين 11-12 ديسمبر حول موضوع الثوابت الوطنية ومهدداتها أسئلة كثيرة حول فكرة الدولة الحديثة مقابل فكرة الانتماءات القبلية والعرقية والطائفية والمناطقية التي نراها اليوم منتشرة انتشار النار في الهشيم بين افراد مملكتنا التي أكرمها الله بالتوحيد على يد مؤسس هذه الدولة

الملك عبدالعزيز فجنبها التشرذم والتفكك والصراعات كدويلات صغيرة، كان يمكن أن تكون وفي ظل ثرواتها الخيالية من البترول طعما سهلا للاستعمار المباشر الذي ارهق دولا كثيرة ونهب ثرواتها، كما هو الحال مع الكثير من الدول الإفريقية التي تئن اليوم تحت وطأة الصراعات والتخلف وفقدان طريق للمستقبل.

وبلا شك فإن أحد الأسباب هو الاستعمار إضافة إلى فساد رجالات الحكم وارتباط مصالحهم الشخصية مع اجندة خارجية لا تتفق بالضرورة مع مصالح بلدانهم.

فكرة المؤسس التوحيدية -رحمه الله- هي في المحافظة على كيان المملكة كدولة واحدة تضم ولاءات قبلية متعددة لكنها تنضوي تحت جناح دولة حديثة لديها دستور للحكم يضم مواد مكتوبة تحتكم إليها الدولة وتضبط علاقتها الداخلية والخارجية.

اذن ما الذي يولد الإرباك في هذا المفهوم، ولماذا نجد كل هذا القلق المبطن والصراع الطائفي والمذهبي والقبلي يعم مناطقنا ومؤسساتنا وخاصة الحكومية رغم الوحدة الظاهرية للدولة التي لازلت تستمد قوتها من وجود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله فوق قمة الهرم؟

اي مراقب متعمق يطرح زيف القشور ويدلف إلى داخل الممارسات اليومية للأجهزة سيجد أن بين المناطق في المملكة شرقها وجنوبها وشمالها ووسطها أزمة ثقة كبيرة فابن الجنوب سيجد نفسه ضائعا في الرياض وهو الحال لأبن الرياض الذي يحاول الدخول لمؤسسات في المنطقة الغربية، كما سيجد ابناء الغربية أو الشرقية صعوبة كبيرة في اختراق مؤسسات المنطقة الوسطي، وهكذا دواليك الخدمات والوظائف والمشاريع والامتيازات ليس بالضرورة أن تصل لمستحقيها إنما يحددها إلى درجة كبيرة حجم العلاقات داخل المؤسسة ودرجة الانتماء القبلي والعلاقات القرابية والزواجية والمصالح الاقتصادية التي تتحدد في النهاية بفعل انتماءات الفرد المناطقية والقبلية!

كيف حدث هذا التراجع لفكرة العائلة والقبيلة بعد أكثر من مائة سنة علي إقامة الدولة عام 1932 كدولة موحدة اسمها المملكة العربية السعودية؟

حجم السكان تضاعف آلاف المرات والدخل البترولي أتاح إنشاء المدن والقرى ويسر للحكومة أن تنشئ طوابيرها التي تسعي لتقديم الخدمات التي يتوقع المواطن أن تقدم له في أية دولة حديثة مثل خدمات التعليم الجيد والطبابة والعثور على عمل، وان يصل الماء إليه بانتظام وان توجد شبكة مواصلات عامة تربط بين المدن وتعزز الحركة التجارية.. إلخ من أساسات الخدمات فما الذي جعلنا نتراجع لنتقوقع تحت مظلة قناعاتنا القبلية والعائلية؟

التاريخ الإنساني الحديث يظهر لنا ان بقاء الدول الحديثة واستقرارها مبني على نموذج الدولة الحديثة التي تتبنى المفاهيم الأساسية للدولة والتي تقوم على مفاهيم الدولة المدنية التي يحكمها القانون والممارسات االديمقراطية واحترام التعددية والمساواة والمساءلة والشفافية.

ابن خلدون في مقدمته الشهيرة قال حول أسباب نشوء الدولة: أن من أحد أهم أسبابها هو حفظ أمن المجتمع ليتمكن الناس من العيش والإنتاج، وبالتالي الاستمرار في البقاء فلكي يستمر الإنسان في بقائه لابد له من تحصيل قوته، ولكن للأفراد مصالح متناقضة فيما بينهم، ولذلك لابد من أداة ضبط تحمي مصالح الناس وتقيهم شر الصراع وهنا يأتي دور الدولة التي تقود المجتمع وتوازن بين مصالح الناس المتناقضة وتحقيق الاستقرار والسلام بين أفراده وهو ما نعينه اليوم بسطوة القانون.

السبب الثاني لنشوء الدولة هو العصبية التي تظهر في الأطوار الأولي لنشوء الدولة وهي أساس قيامها إلا ان الدولة حين تستقر تعمل على تحطيم العصبية حتى تستقر لها الأمور. فالعصبية ضرورة في طور التأسيس ولكنها في طور الاستقرار تعرقل نشاط الدولة؛ خصوصا إذا تعددت العصبيات ضمن الدولة الواحدة.

أزمة الهوية والانتماء التي نعاني منها اليوم هي مرآة تعكس خلطا في الرؤية لمفهوم الدولة الحديثة وماذا يضبطها: هل هو قانون الدولة أم قانون القبيلة؟ ويعمق هذا التخبط ممارسات الأجهزة التنفيذية التي تتأرجح بين فكرة الانتماء لمفهوم الدولة الحديثة وبين فكرة الانتماء للعائلة أو القبيلة أو الوطن. نشعر بذلك حين نسافر للدراسة أو العلاج أو الفسحة فنسأل أنفسنا: لماذا نحن أيضا لا نتمتع ومثل كل الدول الحديثة بمدارس جيدة وخدمات صحية معقولة وشبكة مواصلات وخدمات في الأحياء ومؤسسات فنية وثقافية تساعد على نمو الإنسان وتهذب طبيعته الصحراوية حتى يكون قادرا على التفاعل مع مفهوم ومؤسسات الدولة الحديثة بما تحتاجه من قيم مدنية وليس بأطر قيمية مبنية على الولاءات القبلية والشخصية.

السلوك المضطرب لمؤسسات الدولة التي تحدث أمامنا (خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء) وعدم وجود استراتيجية واضحة للمستقبل سواء على المستوى السياسي أو التعليمي والفساد المستشري وانعدام الشفافية والمساءلة العامة، ولد هذا الاضطراب في الولاءات وجعل الفرد محتاجا إلى دعم قبيلته أو أسرته في ظل ضعف النظام المدني وعجزه عن تطبيق القانون على الكبير والصغير.

السعودية وحتى عام 1970 بلد نام يعيش معظم سكانه في القرى والأرياف، أو يمارسون حياة التنقل كبدو رحل، وخلال جيلين أصبح أكثر من 80% منهم يقطنون المناطق الرئيسية الثلاث في المملكة الرياض جدة والدمام. وداخل هذه المدن تختال الطبقية الاجتماعية والاقتصادية بأبهى صورها فتجد القصور ذات الأسوار العالية تحتل مساحات شاسعة من هذه المدن فيما يسقط عدد كبير من فقراء المدينة اسرى لشوارعهم الضيقة ومحدودية الخدمات في الماء والكهرباء الذي يصلهم وبين هؤلاء وهؤلاء تقع طبقة متوسطة انتقلت بأعداد كبيرة إلى المدن الرئيسية مع أول خطة تنمية للمملكة في ذلك العام وعمل صندوق التنمية العقاري على تهيئة سكنهم ومساعدتهم على الاستقرار ودفع بهم التعليم المجاني والمستشفيات الجديدة في المدن وحاجة الدولة الحديثة إلى طاقم كبير من الموظفين المطمئنين على رواتبهم الشهرية إلى حضن الدولة كموظفين حكوميين عبر نظام الدولة الريعية.. لكن ضعف الخطط الإستراتيجية المبنية على سياسات واضحة شجاعة تضع الإنسان أولا في نصابها باعتباره عماد بقاء النظام وليس الع،كس واعتماد الحلول المؤقتة والديكورية لما يطرأ من متغيرات جعلتنا اسرى لأزمات متلاحقة لم ينفع معها أي ترقيع؛ فالانفجار الهائل في عدد السكان (وكأننا لم نكن نعرف ان نسبة الخصوبة بين السعوديين كانت اعلي معدل في العالم بعد اليمن) وان خدمات التطعيم والخدمات الصحية حسنت معدل وفيات المواليد بحيث وصلنا إلى هذا المستوى الهائل من الانفجار السكاني دون ان نتمكن من توفير خدمات تعليمية أو صحية أو طرق أو مواصلات عامة موازية، وما يتبع ذلك من استحداث للوظائف (حيث يقدر أن أكثر من 67% من المواطنين دون سن الخامسة عشرة) والانهيارات المتتالية للأسهم المحلية وللنظم المالية العالمية وبدء خروج الأجيال الجديدة من القوقعة التي فرضتها المؤسسات السياسية والدينية لفترة طويلة بحيث أصبح من الصعب على شاب في مقتبل العمر وأمامه كل هذه المحبطات تعليل الفروق الهائلة في الخدمات وفي توزيع الثروات بين كل هذه الطبقات فعاد إلى علاقاته العائلية والمناطقية والقبلية يحتمي في ظلها من غياب قانون عادل يحقق توزيعا عادلا للخدمات ولمقدرات الدولة؟

ما الذي يجب علينا عمله لحماية كيان دولتنا؟ الأمر واضح وضوح الشمس، ويبقي ان نتحرك في الاتجاه الصحيح.....فقط لنتذكر: كلنا في قارب واحد وعلينا جميعا حمايته حتى لا نغرق.

 

في السعودية مفهوم الدولة الحديثة وعلاقته بالثوابت الوطنية
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة