ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 28/12/2012 Issue 14701 14701 الجمعة 15 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إنّه حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، صحابي قرشي ومن أعيانهم، وهو ابن أخ خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، شهِد حرب الفجّار، وكان صديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، وقد عُمّر طويلاً قيل مائة وعشرين سنة “120” وكان من سادات قريش في الجاهلية والإسلام، ولعله ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“خياركم في الإسلام، خياركم في الجاهلية إذا فقهوا”.

وكان من أعلم الناس بالنسب، أسلم يوم الفتح وفيه الحديث يومئذ: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل بيت حكيم بن حزام فهو آمن”، كانت وفاته بالمدينة عام أربعة وخمسين “54” من الهجرة (الأعلام للزركلي 2: 298).

هو ابن عم الزبير بن العوام، قيل إنه وُلِد في جوف الكعبة بمكة وذلك أن أمه صفية وقيل فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد، دخلت الكعبة في نسوة من قريش وهي حامل فأخذها الطلق، فولدت حكيماً بها.

وكان حكيم من المؤلَّفة قلوبهم، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة بعير ثم حسن إسلامه، وقيل إن مولده قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، على اختلاف في ذلك، وعاش ستين سنة في الإسلام، وستين سنة في الجاهلية، حيث مات زمن معاوية، وعمي قبل موته، ووصى إلى عبدالله بن الزبير (أسد الغابة 2: 46).

كان كريماً جواداً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة عام الفتح يقول: “أربعة أربأ بهم عن الشرك، عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو، وقد أسلموا وحسُن إسلامهم” أخرجه الزبير في جمهرة نسب قريش (362).

وكان حكيم ممن حضر بدراً مع المشركين فسلّمه الله من القتل، لما أراد الله له من الخير، فكان بعد إسلامه إذا اجتهد في يمينه يقول: لا والذي نجاني يوم بدر من القتل (سير أعلام النبلاء 3: 44).

وجاء في مسند الإمام أحمد: عن عِراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم، أحب الناس لي في الجاهلية، فلما نُبّئ وهاج الناس، شهد حكيم الموسم كافراً، فوجد حُلة لذي يزن تُباع، فاشتراها بخمسين ديناراً، ليهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم بها المدينة، فأراده على قبضها هدية، فأبى قال عبيد الله بن المغيرة: حسبته قال: إنا لا نقبل من المشركين شيئاً، ولكن إن شئت بالثمن، قال: فأعطيته حين أبى على الهدية (المسند 3 : 402).

وفي رواية ابن صالح زيادة: فلبسها فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئاً أحسن منه يومئذ فيها، ثم أعطاها أسامة فرآها حكيم على أسامة. فقال: يا أسامة أتلبس حُلّة ذي يزن؟ قال: نعم والله لأنا خير منه، ولأبي خير من أبيه، فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقولي.

وقد أورد الذهبي عن الواقدي، عن الضحاك بن عثمان عن أهله قالوا: قال حكيم: كنت تاجراً أخرج إلى اليمن، وآتي الشام فكنت أربح أرباحاً كثيرة، فأعود على فقراء قومي، وابتعتُ بسوق عكاظ زيد بن حارثة، لعمتي بست مئة درهم، فلما تزوّج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته زيداً، فأعتقه وقال: فلما حج معاوية، أخذ معاوية مني داري بمكة بأربعين ألف دينار، فبلغني أسد بن الزبير قال: ما يدري هذا الشيخ ما باع، فقلت: والله ما استبتها إلي بزق من خمر، وكان لا يسيء أحد يستحمله في السبيل إلى حمله.

ولحبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورِقة قلبه ورغبته في الإحسان، رغم أنه لا يزال على دين قومه فقد روي أنه لما حصر المشركون، بني هاشم في الشعب، كان حكيم تأتيه العير بالحنطة، فيقبّلها الشعب، ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم الشعب، فيأخذون ما عليها من الحنطة (سير أعلام النبلاء 3: 47).

وبلغ من رجاحة عقله أنه دخل دار الندوة، مشاركاً برأيه وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان من عادة سادة قريش ألا يكون من أهل الرأي فيها من ينقص عمره عن أربعين سنة، كما جاء في جمهرة نسب قريش (ص 376) كما كان أحد النفر الذين دفنوا عثمان ليلاً بعدما قتل في الفتنة رضي الله عنه.

ويعتبر فقه حكيم في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفقهه في التطبيق دليلاً على كبر شأنه، وفقه قلبه ونفسه، فقد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فاستقله فزاده، فقال: يا رسول الله أي عطيتك خير؟، قال: الأولى، وقال له: “يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، وحَسُنَ أُكُلُه، بُورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكله لم يبارك له فيه، وصار كالذي يأكل ولا يشبع”.

قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: “ومني”. قال: فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً شيئاً، قال عروة بن الزبير: فلم يقبل ديواناً ولا عطاءً حتى مات، وإنه لمن أكثر قريش مالاً. فكان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم إني أشهدك على حكيم، إني أدعوه لحقِّه وهو يأبى، فمات حين مات وهو غني، ومع هذا كانت يده نديّة بالعطاء، ونفسه كريمة، بالبذل في الجاهلية والإسلام، حيث رُوي أنه أعتق في الجاهلية أربعين محرراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أسلمت على ما أسْلَفْتَ من خير” رواه أحمد. أما رواية مسلم عن هشام بن عروة، عن أبيه أن حكيم بن حزام، أعتق في الجاهلية: مائة رقبة، وحمل على مائة بعير وأعتق مئة رقبة، قال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث في الجاهلية بها، كنت أصنعها “يعني أتبرّر بها” فقال رسول الله له: “أسلمتَ على ما سلف لك من خير”.

ولذا فقد رُوي عن مصعب بن ثابت أنه قال: بلغني والله أن حكيم بن حزام، حضر يوم عرفة ومعه مائة رقبة، ومئة بدنة ومئة بقرة ومئة شاة فقال: الكل لله، ومن كانت هذه حالته جدير أن يصفه أبو حازم عندما قال: ما بلغنا أنه كان بالمدينة، أكثر حمْلاً في سبيل الله من حكيم بن حزام.

وللنفقة عنده مفهوماً عميقاً مستمداً من تعاليم الإسلام، حيث كان يقول: ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة، إلا علمت أنها من المصائب التي أسال الله أن يغفرها والأجر عليها (سير أعلام النبلاء 3: 5150).

وجاء في كنزل العمال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يشتري له أضحية بدينار فاشتراها ثم باعها بدينارين، فاشترى شاة بدينار وجاء بدينار فدعا له النبي صلى الله عليه وسليم بالبركة وأمره أن يتصدَّق بالدينار (13: 350).

قال الذهبي يبلغ مسنده أربعين حديثاً له في الصحيحين أربعة أحاديث متفق عليها، وقد حدّث عنه ابنه هشام الصحابي وحزام وعبدالله بن حارث ابن نوفل وسعيد بن المسيّب وعروة وموسى بن طلحة، ويوسف بن ماهك، وعِراك بن مالك ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، ويرى الذهبي أن رواية هؤلاء الثلاثة مرسلة عنه (سير أعلام النبلاء 4413، 51).

أما الزركلي في الأعلام فقال: رُوي له عند البخاري ومسلم أربعين حديثاً (8: 298).

اعتبره الكتّاني من فقهاء الصحابة، ونقل عنه كثير من الفقهاء كما استشهد به ابن قدامة في أربعة عشر موضعاً مما يبيّن أثره ومكانته.

ولما كان تاجراً يبيع في السوق ويشتري، فإنه قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا رسول الله: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي، أأبتاع له من السوق ثم أبيعه منه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك (أسد الغابة 2: 45).

رضي الله عن حكيم بن حزام، فقد دخل عليه أحد الصحابة عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله قد كنت أخشاك، وأنا اليوم أرجوك، وهذا من قوة إيمانه ومخافته من لقاء ربه رضي الله عنه.

mshuwaier@hotmail.com
 

رجالٌ صدقوا: حكيم بن حزام
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة