ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 29/12/2012 Issue 14702 14702 السبت 16 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

حديثنا اليوم ليس عن السلبيات أو الإيجابيات في قرارات معالي الوزير المهنية المختصة بواجبات وزارته والتي تتعلق بشأن تنظيم سوق العمل والسعودة، بل عن خلفيات لقاءات وزير العمل الإعلامية التواصلية مع الشارع السعودي بشأن قراره الأخير في فرض رسوم على العمالة. فالقرار يعتبر قراراً هامشياً نسبة إلى قرارات كثيرة أخرى مهمة ولها أثر كبير على المجتمع كله تصدرها الوزارات الأخرى، ولا يحدث حولها أي نقاش أو تواصل مع الشارع السعودي. لذا فإني أعتقد أن هدف اللقاءات هو نشر ثقافة التواصل بين السلطة التنفيذية وبين المجتمع، والتي هي من الواجبات الاجتماعية على الوزارات جميعاً، والتي تحمل وزير العمل أن يقتحم خوض مشقة البداية في تجربة محاولة نشرها في مجتمع غريب عن هذه الثقافة.

لم يعهد مجتمعنا أن يتناقش المسئول مباشرة مع الشارع عن أسباب اتخاذ القرار ويتناظر معه عن سلبياته أو إيجابياته. فمجتمعنا في الغالب نشأ على ثقافة «خلك في شغلك». و»شغلك» المقصود هنا ليس أن يكون الأمر غير متعلق بك، بل أن يكون متعلقاً بك مباشرة وببلدك ومع ذلك فشغلك هنا هو أن تنفذ بلا فهم ولا معرفة الدواعي من أخذ القرار- والتي تخفي عادة على رجل الشارع-، بغض النظر عن اقتناع رجل الشارع بجدوى القرار أو قصوره وسلبياته. وهذا في غالب القرارات سواء أكانت القرارات دينية أو دنيوية. كما أن مجتمعنا لم يعتد على أن يرد المسئولون التنفيذيون أو المسئولون الشرعيون بغير الصمت عن تساؤلات الصحافة أو على أحاديث الناس. فبالصمت تنتشر الإشاعات والأقاويل والأكاذيب، ويتراشق أفراد المجتمع بينهم في نزاعات وحوارات عقيمة تضيع فيها التساؤلات التي تحمل صيحة الحق ومقولة الصدق مع الكم الهائل من المقالات الباطلة والتساؤلات الساذجة المعتمدة على الإشاعات والأكاذيب. وبهذا يتحقق الغطاء اللازم الذي يتدثر به الفاسد ويتدرع به الجاهل ويسكن إليه الخامل ويتحجج به البليد. ويظهر أن وزير العمل يدرك أن هناك واجبات اجتماعية مشتركة بين الوزارات ومن أهمها توعية المجتمع للمرحلة المستقبلية التي تسعى إليها سياسة الحكومة في إخراج المجتمع من حقبة التخطيط المركزي، وما كان فيها من جدر عازلة، وذلك عن طريق التواصل الشخصي بين الوزراء أنفسهم وبين الشارع السعودي من أجل أن تنتهي هذه القطيعة التي فرخت شارعاً بدائياً في تفكيره ومنطقه. والشارع معذور في ذلك. فقد تعالى المسئولون عن الحديث معه، فتلقفه الجهلة والمغرضون. فأصبح يستخف بالشارع كل من حمل لواء المعارضة والهجوم على أي قرارات من سلطة أعلى منه. وأصبحت الثقافة السائدة أن الناقد والمعارض هو العالم والخبير والفقيه بغض النظر عن عمق أو سذاجة ما يطرح. فاختلط الحق والباطل مع الأطروحات الساذجة والإشاعات الكاذبة، وأصبحت تعج في غالب مجالس الشارع واستراحاته وقنواته الإعلامية المشهودة أو المقروءة، بل حتى في قاعاته الأكاديمية والعلمية. وأصبح في الشارع نزعة للتشكيك بنية أو بعقلية أي مسئول يُقدم على أي تغيير جديد سواء أكان جيداً أو سيئاً.

شمر وزير العمل عن ساعديه ونزل إلى الشارع فجالس التجّار والكتّاب والمتوترين و»المحتسبين» مناظراً وشارحاً ومدافعاً في لقاءات عدة، وعاد ولم يحقق نصراً يُذكر في هدفه الثقافي والاجتماعي بغض النظر عن هدفه المهني المعلن والمتمثّل في الدفاع عن قراراته. فلم يدرك الشارع الهدف الحقيقي الأبعد من هذه اللقاءات. فنظر إليها النظرة السطحية التي اعتاد عليها، ففسر الشارع هدف اللقاءات بأنها تنصب كلها لإقناعهم بقرار هامشي ليس له ذلك الوزن بين القرارات الأخرى التي هي أعظم منه شمولية وجدلية ولا يلتفت المسئول عنها إلى الشارع ولا إلى صياحه. وبسبب هذه النظرة السطحية إلى لقاءات الوزير، لم يقابل الشارع بالشكر بادرة الوزير في كسره لثقافة حواجز الصمت وإنهاء التعالي الذي مارسه المسئولون على المجتمع لفترة طويلة.

والسؤال هو: وهل كان الوزير يا ترى يطمح بتحقيق النصر في هدفه هذا في جولة واحدة؟ قد تهزم الجيوش العظيمة في ليلة، أما تطوير الثقافة فتحتاج إلى جلد وصبر وتعاضد من الوزارات الأخرى.

وكأني بالوزير وأنا لا أعرفه ولا يعرفني ولم نتحدث قط، كأني به وقد التف حوله البعض يلومونه على مبادرته التوعوية ويوهمونه بضياع هيبة الوزارة والوزير، ويزهدونه في مقدرة استجابة الشارع الواعية على معنى الانفتاح التواصلي بين المسئولين والمجتمع. ولا أدري هل سيستسلم الوزير هنا، وتسجل عليه هذه المبادرة على ظاهرها بأنها كانت دفاعاً عاطفياً شخصياً عن قرار هامشي اتخذه، أم أنه سيواصل مسيرته في الاختلاط بالشارع والصبر عليهم وتحمل أذاهم؟ فإن فعل واستمر، وهذا هو الأمل فيه، فليعلم أنه لن يقطف ثمرة جهوده سريعاً ولن يسجل الشارع له شكراً و لا حمداً.

فالنزول إلى الشارع سيثخن فيه الجراح بتسلط الجهلة والسفهاء عليه حتى يضطر إلى التنحي عن فرسه. وبتنحيه عن فرسه ستظهر نتائج جهوده الحميدة بانكشاف الجبهة التي أوجدها ثم رابط مدافعاً عنها، (جبهة إحياء ثقافة نزول الوزير إلى الشارع). وبانكشاف الجبهة وذهاب الغبار الذي كان يغطي الرؤية الواعية سيصبح نزول الوزراء إلى الشارع متطلباً أساسياً منهم، لا بادرة وزير قد ترك الوزارة ولم يدرك مجتمعه دوره في إبراز هذه الجبهة ولا بالتغيير الذي أحدثه في عقولهم وثقافتهم. كثير هي المبادرات من نبلاء الوطن، إلا أنهم سرعان ما يستسلمون بعد أول محاولة.

فالمسكوت عنه أن مجتمعنا - بسبب نعمة البترول- قد تعود على سهولة الظفر، فأي بادرة لا تنجح في المحاولة الأولى ينتشر اليأس بين المناصرين ثم لا يزالون بالمُبادر حتى يُلحقون به اليأس والقنوط.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem
 

المسكوت عنه
ما وراء لقاءات وزير العمل
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة