ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 31/12/2012 Issue 14704 14704 الأثنين 18 صفر 1434 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في هذه الأيام تُقرع الطبول في الشرق العربي لبدء أول حرب طائفية في تاريخ المسلمين، فالوضع في العراق يزداد تدهوراً، بعد أن بدأ السنة ينظمون صفوفهم في الميادين، وبعد أن فقد الخطاب السياسي أدواته في ظل غياب سافر لثقافة القانون في بلاد الرافدين، وفي المقابل تجري في سوريا معركة طائفية طاحنة، لم تكن وليدة الأمس، ولكن غذّتها كراهية السنين واستبداد الأقلية بالأكثرية، وفي لبنان صمت غير مريح فوق بركان طائفي قابل للانفجار، وفي الخليج يشتكي الشيعة على ما يقولون إنه ضياع لحقوقهم السياسية بين الأكثرية السنية، يقابله ضجر سياسي رسمي بسبب التدخل الإيراني في قضايا الشيعة في الخليج، وفي إيران يصرخ أهل السنة عن منقذ لهم من حكم الأكثرية الشيعية.

وفي هذه المناسبة أتذكر حديث الافتراق «تفترق أمتي على ثلاث سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، وهو الحديث المختلف عليه، والذي أدخل الأمة في نفق لا نهاية له، وبرغم من أن الشيخين البخاري ومسلم لم يخرجاه، وضعفه آخرون، إلا أنه لا زال يحظى بشعبية كبيرة بين العوام ومشائخهم المتطرفين، كما يوجد نسخة منه، وإن اختلف المفردات، عند كل طائفة، فالكل يدّعي أنه الناجي من عذاب النار، بينما البقية مصيرهم نار جهنم، وكأن الدين الحنيف جاء ليفرق الأمة ويمزقها إلى طوائف متقاتلة، ولا زال حديث الافتراق ينتظر كلمة أخيرة من الباحثين في هذا الشأن.

كان افتراق المسلمين في القرون الأولى سياسياً بامتياز، فقد تنازع القوم على الخلافة والسلطة، واختلفوا، ولم يكتفوا بذلك، ولكنهم استخدموا الدين لضرب المعارضين، كذلك استخدم المعارضون الدين لرمي أصحاب السلطة بالكفر والنفاق وغيرها من المصطلحات الإقصائية، وزادهم تفرقاً ظهور علماء وفقهاء دين يمهدون لمزيد من الانقسام، ولا زال الأمر إلى اليوم يحكم الرأي الديني الهوى السياسي، والذي لا يتردد في استغلال رفع الأحاديث والأصول لخدمة غرضه السياسي، مثلما رُفعت المصاحف في معركة الجمل، ومثلما رفع الرئيس صدام حسين شعار الله أكبر في حروبه الإقليمية.

وقبل ذلك بقرون، رفع العباسيون نص (لا وصية لوارث) لإخراج نسل الإمام علي -كرم الله وجهه- من إرث خلافة المسلمين، واستباح الخوارج من قبلهم دم الإمام علي ومعاوية وعمرو بن العاص عندما رفعوا الآية الكريمة {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا..} ورفع شيعة الإمام علي حديث غدير خم من أجل إحداث الفرقة بين المسلمين ثم قتال الأمويين، ورفع المتطرفون في هذا العصر حديث (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) من أجل تفجير المجتمع الآمن في قضايا سياسية بحتة، والأمثلة على ذلك لا يمكن حصرها في هذه العجالة، ولن يتوقف استغلال الدين في شؤون السياسة، وسيستمر الصراع الطائفي والكراهية الفئوية ما لم نصل إلى قناعة تنزيه الدين الحنيف من صراعات الحياة المدنية، وأن يكون اختلافنا في مجالات الحياة ومصالحها الدنيوية.

لم يعد أمام الدول العربية التي وقعت في دائرة الحرب الطائفية، وتلك المهددة بالحروب الطائفية للخروج من نفق الطائفية إلا حل إخراج العمائم من السياسة، واستبدال المرجعية الطائفية بالمواطنة، وإدخال المجتمعات إلى المدنية والديموقراطية والمنافسة النزيهة من خلال صناديق الاقتراع، واحترام المواطن بغض النظر عن طائفته وفئته، وضمان حقوقه السياسية، والعمل الدؤوب على الوصول إلى دولة القانون النقية من شوائب الطائفية والكراهية والدموية، وقبل ذلك أن نتوقف عن ترديد حديث الافتراق، فقد تجاوز تفرقنا السبعين فرقة، ومهيئين إلى مزيد من الفرقة، قد تكون هذه المطالب أحلاماً ليست قابلة للتطبيق، ولكن لنحلم، لعل وعسى أن تستيقظ هذه الأمة من افتراقها وانقسامها الطائفي المزمن.

 

بين الكلمات
الحروب الطائفية وحديث الافتراق
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة