ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 02/05/2012/2012 Issue 14461

 14461 الاربعاء 11 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

الأزمة التي نتجت من اعتداء متظاهرين على السفارة السعودية في القاهرة، جذبت ذاكرتي لمطلع الثمانينيات حيث أشغل العالم الاعتداء على السفارة الأمريكية في طهران، هذه الذاكرة نشطت للمقارنة بين الحدثين من حيث علاقة أي منهما بالنظام السياسي، فحين كان المتظاهرون الإيرانيون مدفوعين من السلطة السياسية لاحتلال السفارة ومحميين منها، فإن المتظاهرين المصريين فرضوا واقع الحال على السلطة السياسية ووضعوها في موقف محرج. هذا الواقع يستثير التعجب!، فما الذي جعل المتظاهرين وهم فئة هائجة غير منضبطة يملكون زمام الأمور فيفرضون أجندتهم على مستقبل السياسات والعلاقات الإستراتيجية للدولة؟ ما هي القدرة التي يتحلى بها المتظاهرون لكسر هيبة الدولة وإذلالها؟ ربما يكون الجواب المختصر جداً هو، «لقد تغير الزمن وتغير معه الرجال».

نعم تغير الزمن بحيث لم يعد عالم الأمس المحدود تقنياً وفكرياً، فالإعلام وهو المحرك للمشاعر والتوجهات الفكرية، انتشر وتوسع وقلّت تكلفته فتحرر من سيطرة الدولة وتعدد مصادره وتجاوز الحدود وسادت المنافسة بين أقطابه لاكتساب الاهتمام الجماهيري، هذا الإعلام تغير في سلوكه فتخلى عن التعقل والمحافظة وبات سباقاً لاقتناص الإثارة ونشرها، وتحسس ضمير الشارع والتجانس معه فيما يبث وينشر من مواد، فلم تعد الحقيقة تعني هذا الإعلام بقدر ما تعنيه الإثارة، فالحقيقة باهتة وغير جذابة ولكن الإثارة تجلب الاهتمام، وأصبحت الإثارة مصدر الدخل ليس للمؤسسات الإعلامية فقط بل للإعلاميين، فمن يريد الشهرة منهم، يخترع ما يثير الناس ويجلب اهتمامهم، وعندما تنتهي حفلة الإثارة وتبرز الحقيقة، لا أحد يتذكر كيف بدأت ولا يهم كيف انتهت، هذا هو الحال الجديدة للإعلام التقليدي مسموعه ومرئيه ومكتوبه، أما الإعلام الجديد المتمثل في الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فذلك عالم آخر، فتغريدة شاب قابع خلف كومبيوتر لا يكلفه بضعة ريالات كفيلة بإحداث أثر يفوق ما يحدثه نشاط حكومي كلف الملايين، وهذا الشاب لا يعي مسؤولية ذلك الأثر وربما لا يأبه به. فأخلاق الإعلام الجديد تجرد المنشئ من المسؤولية وتضعها على المتلقي، وكثير من المتلقين آسير فكر المنشئين خصوصاً أولئك الذين يتمتعون بحضور ثقافي عال في المسائل الاجتماعية والدينية حتى أصبح لدينا زعماء لا يرون.

وتغير الرجال، فبات الساسة أكثر تدبراً لتبعات تصرفاتهم، فلم يعد الحزم والشدة هو خيارهم الأنسب. وبات الخوف من الانتقام هاجس كل زعيم، وتغير المتظاهرون فلم يعودوا يخشون بطش النظام وبات وأحدهم يخرج للشارع وهو واثق أنه لن يكون هناك وحده، وساد بينهم الشعور بقدرتهم على إخافة النظام وإذلاله، وتغير النظام فبليت سلطة القمة على القاعدة وبات العسكري الذي يواجه المتظاهرين يحتكم لثقافته الاجتماعية في التعامل معهم بعد أن كان في الماضي لا يحتكم إلا للأوامر. هذا الواقع الجديد خلقته ثورة المعرفة فلم تعد الأدوات السابقة للإدارة الجماهيرية نافعة ولم يعد الدكتاتور المرعب مرعباً الآن.

هذا الواقع يقودنا للجزم بإن النظم القمعية إن لم تتغير من تلقاء نفسها وتثور على نفسها فتجدد الدماء وتستجيب لما يتطلع له الناس فمصيرها لن يختلف عن مصير سابقيها، هذه هي الحقيقة والمستقبل حافل بالأحداث التي لم تخطر على بال، فالتقنية تتقدم وتمكن الفرد بصورة غير معهودة فأصبح يعلم الأسرار الخطيرة بالتسلل الإلكتروني ويطلع على الأخبار قبل أن يعلم بها المتنفذون ويتصل بالملايين ويجييش المشاعر، ويجند جيشاً من أمثاله في غضون دقائق، وبأقل التكاليف، هذا الواقع لا يمكن تغييره فهو يترسخ يوماً بعد يوم، ولا سبيل إلا للتعامل معه في معالجة المنشطات والمحركات له، وأولها بناء الثقة بين السلطة الرسمية وعموم الشعب، ثقة الناس في السلطة هي المعيار الأول لاستقرار أي نظام. حمى الله بلادنا وآلهم قادتها الحكمة والدراية.

mindsbeat@mail.com
Twitter @mmabalkhail
 

نبض الخاطر
الواقع السياسي الجديد
محمد المهنا ابا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة