ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 06/01/2013 Issue 14710 14710 الأحد 24 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لو أجريت دراسة مقارنة بين الشعوب خلال السنين الخمسين الماضية وحتى الآن لمعرفة أيها أكثر تضحية، وأكثرها تعرضا للاضطهاد وهدر الكرامة، وأكثرها هضما للحقوق، لتبين أن هذا ينطبق على الشعب السوري دون منازع، وهو شعب كريم مبدع منتج، شعب ينتمي لأمة لها تاريخ عريق تخطت خلاله الكثير من العقبات، وتعرضت فيه إلى العديد من المحن والإحن والاضطهادات التي أهلتها إلى أن تتعرف على أفضل الأساليب التي تحافظ بها على كينونتها وحقوقها وكرامتها، وهي أمة تتمتع بمخزون ثقافي أصيل يتوافق مع الطبيعة البشرية الحرة، ثقافة قوامها العدالة وحفظ النفس والمال والدم والعرض، ثقافة متنوعة مكنها تنوعها من التعايش والتوافق رغم الفوارق والاختلاف بين مكوناتها الديموغرافية.

ولهذا يحتار أكثر العقول رجاحة وحكمة وعلما، في الإجابة على التساؤلات التالية: لماذا تأخرت انتفاضة الشعب السوري ؟ وتأخر في تفجير براكين غضبه؟ لماذا يصر الأسد على سفك الدماء، وتدمير الممتلكات ؟ لماذا الإنسان في سوريا محروم مضطهد؟ لماذا عميت أبصار العالم وبصيرته عن رؤية ما يحصل في سوريا من تدمير لكل شيء؟، أين ضمير العالم من انتهاك الأعراض وقتل الأطفال والتجويع والتخويف ؟، السوريون محرومون من أبسط حقوقهم البشرية التي يتمتع بها كافة بني البشر، ومن حقوقهم الإنسانية التي رفعت من قدر الإنسان وكرمته عن سائر المخلوقات ؟ لماذا يسكت العالم على هذه الحال المزرية من الخوف واستلاب الحقوق ؟ لماذا كل هذا الصمت رغم أن المأساة ملء السمع والبصر؟.

تطول وتطول قائمة التساؤلات وتتعدد، تساؤلات تعكس حالة من البؤس المستفحل المستوطن، حالة ربما تعجز أدهى العقول ـ ذكاء ومعرفة ـ في التعرف على الأسباب التي أدت إلى هذه الصمت، على الرغم من أن واقع الأزمة يفوق الخيال في شدته وغلظته، فما زالت الأزمة مشتعلة متقدة لم يهدأ أوارها، الربيع السوري يماثل غيره في البلدان التي أبت التهميش وتجاهل الحقوق، فهل يلام من ينشد الحرية ؟ أم يلام الجلاد الظالم المستبد؟.

حالة سوريا اليوم مؤسفة مأساوية سوداوية معقدة، ولكونها كذلك، فإنه من الظلم والبغي أن تستمر لا سيما وأن مسوغات الأحداث التي صنعت هذه الحالة باتت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فمن خلال استقراء الوقائع والقلاقل التي حصلت وتحليلها، يتبين أن هذه الحال المضطربة لها تاريخ طويل من الحرمان والقهر المتعمد الذي يعود في جملته إلى الفجوة العميقة بين من أوكل إليه مهمة رعاية مصالح السوريين وتنمية مجتمعاتهم، وبين عامة الناس المغلوب على أمرهم، الذين كممت أفواههم، وسلبت إرادتهم عن المطالبة بالحقوق رغم مظاهر الظلم والبؤس التي لا تخفى على أحد، مما فتح المجال واسعا للظالم وشجعه على التخلي عن القيام بواجباته وإنجازها وفق ما يجب من معايير الكمال والتمام التي تعد من أبسط الأمور التي يمكن الوفاء بها دون منة أو إبطاء.

إن مما يعزز تفشي مظاهر الفشل والحرمان في أي مجتمع، فشل المؤسسات الرقابية في القيام بمهماتها، فهذه المؤسسات بمثابة الضمير الذي يفترض أنه يرصد الممارسات الخاطئة ويعالجها وفق ما يحقق المصالح العامة للناس، ويشرف على الأداءات ويراقبها وفق أدوات موضوعية لا تحيز فيها ولا غفلة، ولا سيما وهي المسؤولة عن تطبيق القوانين والعقوبات التي تردع كل من تسول له نفسه العبث والخروج عن مبادئ القيم والنظام العام.

ومما يدفع الناس للاضطراب، الابتلاء بمسؤولين تخلوا عن رعاية المصالح العامة، ووجهوا عنايتهم إلى رعاية مصالحهم الخاصة، تعطلت مصالح العامة فخوت بطونهم، وتضخمت أرصدت الخاصة فانتفخت بطونهم، استشرى الفساد الإداري والمالي وهذا مما يمهد ويؤذن بعهد جديد.

أما بعد
الشعب الأكثر تضحية
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة