ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 06/01/2013 Issue 14710 14710 الأحد 24 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لم تكن فكرة الفوضى الخلاقة سوى انعكاسا للسياسة الأمريكية في المنطقة، والنابعة من إيمان عقائدي لدى صناع السياسة الخارجية الأمريكية - منذ وقت طويل -، تحت مسمى ذريعة الإصلاح الداخلي، ونشر الديمقراطية.

سياسات متطرفة كهذه، لا بد أن يمتلك صناعها الرؤية المحددة للهدف ؛ حتى تستطيع الأدوات تنفيذها، وإنجاح مخططاتها، شريطة أن تقاس على مسطرة المصالح الأمريكية، وضمن الإستراتيجية العامة لمصالحها الكلية، والذي سيكون من أبرز ملامحه: دول تحكمها التمزق الطائفي، والتشرذم العرقي ؛ من أجل أن تتحول المنطقة إلى كينونات صغيرة، ومفككة، باعتبار أن العدو الذي يجب تدميره في نهاية المطاف، هو أيديولوجي، يقصد به الشمولية الإسلامية.

في نيسان عام 2005 م، لا زلت أذكر تصريح - وزيرة الخارجية الأمريكية - كوندوليزا رايس، حين أدلت بحديث إلى صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية، بعد أن انتشرت الأعمال الفوضى التخريبية في العراق، والتي اتهمت، بأنها: مسيسة من قبل الجيش الأمريكي، فجاء في إجابتها عن سؤال وجه لها، عن الفوضى التي يمكن أن يولدها التدخل الأمريكي في “الشرق الأوسط”، حينها - فقط - قدمت رايس الفرضية التي تقوم عليها النظرية، وهي: “أن الوضع الحالي ليس مستقراً، وأن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطي في البداية، هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية، وضعاً أفضل من الذي تعيشه حاليا”.

وينقل - الكاتب - همام عبد الله علي عن - الأستاذ - توماس بارنيت، - أحد أهم المحاضرين الرئيسيين في وزارة الدفاع منذ أيلول 2001 م -، وكيف أنه أدخل بعض التطورات على نظرية الفوضى الخلاقة، إذ تقسم هذه النظرية العالم إلى:

أ‌ - من هم في القلب، أو المركز، ويعني بهم: الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها.

ب‌ - والأخرون الذين يشكلون دول الفجوة، أو دول الثقب، وأنهم مثل ثقب الأوزون، الذي لم يكن ظاهراً قبل أيلول 2001 م، لكن الآن لم يعد ممكناً أن يغيبوا عن النظر، وتضم دول الفجوة، أو الثقب، بحسب “بارنيت”، الدول المصابة بالحكم الاستبدادي، والأمراض، والفقر المنتشر، والقتل الجماعي الروتيني، والنزاعات المزمنة التي تصبح بمثابة مزارع ؛ لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين.

ووضح “بارنيت”، أن إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة عليها أن تتضمن:

أ - زيادة قدرة دول القلب ؛ للرد على اضطرابات النظام الدولي.

ب - العمل مع دول القلب على ردع صادرات دول الثقب، مثل: الإرهاب، والمخدرات، والأوبئة.

ج - العمل على انكماش هذا الثقب.

وحدد “ بارنيت “ منطقة “الشرق الأوسط”؛ للبدء بتطبيق الإستراتيجية الجديدة، ويرى بأن الدبلوماسية لا تعمل في منطقة، لا تكمن مصادر التهديد الأمنية فيها في علاقات الدول البينية، بل هي في داخل دول المنطقة - ذاتها -، ثم يصل بارنيت إلى مرحلة الفوضى الخلاقة، إذ يتصور شكلاً معين لأماكن حدوثها، من نوع الانهيار الكبير، أو التفكك الإقليمي.

وينظر “ بارنيت “ للتدخل المباشر من قوة خارجية ؛ لأجل حدوث الفوضى الخلاقة، إذ يقول: “إن الشيء الوحيد الذي سيغير المناخ الشرير، ويفتح الباب لفيضان التغيير، هو أن تتدخل قوة خارجية، ونحن الدولة الوحيدة التي يمكنها ذلك”، ثم يحسم حدود هذه النظرية، بالقول: “إن هدف هذه الإستراتيجية، هو انكماش الثقب، وليس مجرد احتوائه “.

هذه الفكرة، أكدها “غاري هارت” - الخبير في الإستراتيجية، والأمن القومي -، عندما كتب في كتابه “ القوة الرابعة “، بأنه: “ يجب على نشر الديمقراطية، أن يأخذ بالحسبان هذا العصر الثوري، وأن يأخذ بالحسبان أن الحقيقة الواقعة الثورية السياسية الجديدة، هي سيادة الأمة الدولة “، أي أن مفهوم (الأمة - الدولة)، يجب أن يطغى على مفهوم (الدولة - الأمة).

صحيح، أن القوم يجيدون قراءة التاريخ، إلا أن تعثر مشروعهم في أفغانستان، والعراق، عاكست إرادة الإدارة الأمريكية، وباتت تشعر بأن مصالحها، ومستقبل حليفتها الإستراتيجية “ إسرائيل “ في أعلى درجات الخطر ؛ لتدفعها إلى اعتماد نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة، ويضمن لأمريكا استمرار نظام قطبيتها الأوحد، باعتبار ما سبق، القشة التي التي ستنقذها من الغرق ؛ لتسمح لها بتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، مع أن ديمقراطيتهم قادت المنطقة إلى الفوضى، والصراع، والإرهاب، وهو ما حذرت منه كوندوليزا رايس - وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة -، في صحيفة “واشنطن بوست” - قبل أيام -، من أن: “الأمور باتت تفلت من أيدينا في المحافظة على وحدة المنطقة، وإعادة بنائها، وتقويتها”، موضحة: “أن انهيار منظومة الدول السائدة في الشرق الأوسط، ستكون إيران هي الرابحة، بينما سيكون حلفاء أمريكا هم أكبر الخاسرين”.

drsasq@gmail.com

سياسة الفوضى الخلاقة.. والشرق الأوسط الجديد!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة