ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 06/01/2013 Issue 14710 14710 الأحد 24 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

مع “الدموع” الكثيرة التي ودعنا بها عام (2012)، و”الابتسامات” القليلة المغتصبة التي استقبلنا بها عام (2013) الجديد.. كانت صحافتنا كعادتها الحسنة - في كل عام - تقدم (حصاداً) لأبرز وأهم أحداث العام المنصرم: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية.. إلى جانب ذكرها لأسماء أبرز من رحلوا إلى بارئهم من كبار

الأدباء والشعراء والكتاب والفنانين في شتى الحقول، ليحتل هذا الحصاد - أو الإحصاء المؤرخ - مكانه في ذاكرة - أو حافظة - قرائها.. فلا يُنسى، وإن كان في حياة الأفراد.. كما في حياة الأمم والشعوب.. أيام لا تنسى، ليس من عام لعام، ولا من جيل لجيل، بل ولا من قرن لقرن.. كيوم ضرب مدينة (هيروشيما) اليابانية بأول قنبلة ذرية أمريكية في السادس من أغسطس من عام 1945، أو كيوم (تقسيم) فلسطين بين العرب والمهاجرين اليهود إليها في التاسع والعشرين من نوفمبر من عام 1947م، أو كيوم منح الزعيم السياسي البريطاني الأشهر (ونستون تشرشل).. جائزة نوبل للأدب عام 1953م!! أو كيوم رحيل سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) في الثالث من فبراير من عام 1975م، أو كيوم منح جائزة نوبل لـ(السلام) للإرهابي (مناحيم بيجن) في ديسمبر من عام 1979م مناصفة مع الرئيس السادات!! أو كيوم ضرب برجي التجارة العالمية بنيويورك في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، أو كيوم (التصويت) على منح (فلسطين) مؤخراً صفة (عضو مراقب) بالجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر من العام الماضي، على سبيل المثال.. عن تلك الأيام التي لا تنسى في حياة الأفراد والأمم والشعوب لأهميتها وقيمتها وعظمتها.. أو لفرط غرابتها وشذوذها..!!

* * *

على أن صحافتنا أو على وجه الدقة.. تلك التي أتابعها منها - وهما صحيفتا (الشرق) و(الجزيرة) التي أشرف بـ(الكتابة) فيها - قدمتا هذا العام (حصاداً) مختلفاً، فـ(الأولى) وهي (الشرق).. قدمت حصاداً ثقافياً عربياً عالمياً شاملاً عن كل الأحداث الثقافية التي شهدها العام المنصرم.. فلم تترك حدثاً صغيراً ولا كبيراً إلا وأحصته بـ(موضوعه) وتاريخ حدوثه، وقد علمت منه بعض ما لم أعلم.. كحصول الروائي (ربيع جابر) على (جائزة بوكر العربية) عن روايته (دروز بلغراد) في شهر مارس، أو احتضان العاصمة (الرياض) لـ(فعاليات مهرجان الفيلم السعودي) في شهر مايو.. (شكلاً) أما موضوعاً، فقد تم بث أفلام المهرجان.. من استوديوهات شركة (روتانا) في الرياض ليراه مشاهدو (قنواتها) الفضائية الفنية، أو عرض الفيلم الوثائقي (فيصل: إرث ملك) في مقر الأكاديمية البريطانية بلندن.. وليس في أي من مدن المملكة وهي الأولى والأحق بـ(عرضه) قبل غيرها في شهر أكتوبر، أو حصول الكاتب الصيني (مويان).. على جائزة (نوبل للأدب) عن العام الماضي، الذي لم أتعرف عليه أو على أي من أعماله.. حتى ذلك الذي حصل بموجبه على (نوبل)، وإن كان حصوله على الجائزة يذكرني بالروائي (الروسي) بوريس باسترناك.. الذي حصل على (نوبل) عام 1964م بعد نشره رواية (دكتور زيفاجو)، التي عرَّض فيها بالاتحاد السوفييتي ونظامه وحياته.. فكان أن رضي عنه الغرب (الأمريكي الأوروبي)، ليقدم له (نوبل) مكافأة لـ(مواقفه) بأكثر منه (تقديراً) لعبقريته الإبداعية، إلا أن (باسترناك) اعتذر عن قبولها، ومع ذلك بقي هذا (الانحراف) في دوافع منح تلك الجائزة البراقة التي يحلم بها معظم أدباء وشعراء وكتاب العالم.. باقياً، فلولاه.. لما تخطت (الجائزة) في ستينيات القرن الماضي (جان بول سارتر) لتُمنح لـ(ألبير كامو)، ولما تخطت.. الروائي الإيطالي الأعظم (ألبرتو مورافيا) لتمنح لشاعر إيطالي مغمور هو (سيلفادور كوازيمودو)، ولما غُيِّب عنها مبدعون عرباً كباراً كـ(شوقي) في الثلاثينات أو (الحكيم) في الخمسينات أو (نزار قباني) في الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي، على أنه يحمد لذلك (الحصاد الثقافي) الذي قدمته (الصحيفة).. تذكير قرائها برحيل تلك الكوكبة الباهرة من الكتاب والمفكرين والشعراء والموسيقيين والمخرجين المبدعين.. عن دنيانا، كالكاتب الصحفي اللبناني الفذ (غسان نويني) صاحب ومؤسس أكبر الصحف اليومية اللبنانية وهمها (صحيفة النهار) البيروتية.. في شهر يونيه، ورحيل المفكر الفرنسي الأعظم (روجيه جارودي).. الذي كشف لوجه (الحق) و(الحقيقة) عن (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية): “الأرض الموعودة”، و”اليهود شعب الله المختار”، و”أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، و”المحرقة النازية” - الهولوكوست - وهو في السبعينيات من عمره دون أن يخشى على حياته وشيخوخته من (بطش اليهود) وغدر اللوبي الصهيوني المتمترس لمن يكشف عن (واحدة) من تلك الأساطير، وليس عنها مجتمعة كما فعل جارودي.. الذي اقتيد في النهاية إلى المحكمة في باريس، ليذهب إليها راضياً مطمئناً.. ويتلقى حكمها بـ(الغرامة) والسجن - مع وقف التنفيذ - لـ(شيخ) ناف عن الخامسة والثمانين.. راضياً تسطع على محياه ابتسامة سعادة، لا يعرفها إلا أصحاب الرسالات كـ (جارودي).. في نفس الشهر، والأديب الأكاديمي الشاعر الدكتور (محمد العيد الخطراوي) الذي عاش ومات عن سبعة وسبعين عاماً ولم يأخذ حقه وحظه.. في شهر يوليه، فالموسيقار (سامي إحسان): الفنان الوديع.. الذي أمتعنا وأشجانا طوال سني حياته.. بألحانه حيناً، أو بقيادته لفرقة الإذاعة الموسيقية.. دائماً، وهي تعزف خلف أساطين الغناء من (طلال مداح)، لـ(محمد عبده) لـ(فوزي محسون) لـ(عبدالله محمد) لـ(سعد إبراهيم)، والمخرج الإذاعي المصري الكبير الأستاذ (إسماعيل عبدالحافظ).. مخرج أعظم المسلسلات التليفزيونية المصرية وأكثرها مشاهدة على مستوى الوطن العربي كله: مسلسل (ليالي الحلمية).. وكلاهما رحلا في سبتمبر، فرحيل الموسيقار المصري العبقري المكفوف بصراً، والمتفتح روحاً والمنفتح وجداناً على كل جميل في هذه الدنيا التي غادرها في شهر نوفمبر.. (عمار الشريعي): الغواص في بحار النغم.. وصاحب المقدمة الموسيقية الرائعة لـ(مسلسل: رأفت الهجان)، التي حفظها وعزفها لجمالها حتى الأطفال..! لقد كان جميلاً أن تقدم (الصحيفة) كل ذلك الحصاد الثقافي.. وإن أثارت في ثناياه دموعنا وأحزاننا على من رحلوا. وما أحقهم بها.. وبـ(دعواتنا) لهم.

* * *

أما صحيفتنا (الجزيرة).. فقد قدمت - في آخر أيام العام المنصرم - حصاداً وطنياً شاملاً عن كل ما شهدته أيام وشهور العام الماضي.. من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وعمرانية تنموية، ثم أتبعته بـ(حصاد) فني فريد على صفحة (الجزيرة السينمائية)التي كنت وكأني أراها لأول مرة عن أبرز أفلام عام 2012 وأكثرها ربحاً وترشيحاً لـ(الجوائز) وفوزاً بها، وهي تعلم أنها تخاطب مجتمعاً محروماً من هذا الفن، فهو لا يرى (السينما)، ولا يرى دوراً لعرضها.. ألا أن من حقه أن يعلم آخر أخبارها وإلى أين وصلت صناعتها وما الجديد فيها.. لأنه يعرفها قديماً في البيوت و(الأحواش) والقاعات القليلة التي ظهرت ثم اختفت.. بـ(السر) أو (التحايل) أو غض الطرف، ويعرفها حديثاً من على البعد.. في زياراته للقاهرة وبيروت ودبي والمنامة، ولذلك فهو يعرف - حتى - نجومها من الممثلين والممثلات والمخرجين والمصورين بل وكتّاب نصوصها وسيناريوهاتها.. بمثل ما يعرف الآن من أسماء لاعبي كرة القدم في فريقي (برشلونة) و(مانشيستر يونايتد) بأكثر ما يعرف من أسماء لاعبي فريقي (الهلال) و(الاتحاد)، في هذه القرية الكونية التي انتهينا إليها (الإنترنيت).. التي يتعامل معها أطفال التاسعة والعاشرة.. وما دون ذلك، بل ولا أظن أنه سقط من ذاكرة الأجيال السينمائية.. روائع (كلاسيكياتها) العالمية والعربية معاً كـ (ذهب مع الريح) و(زوربا اليوناني)، و(الوصايا العشر) الأمريكية.. أو كـ (الرسالة) و(دعاء الكروان) و(رُدّ قلبي) العربية، بل أحسب أنها.. هي التي سارعت في خروج هذه الأجيال السينمائية الوطنية الشابة.. التي انتقلت من (الفرجة) على (السينما) لـ(صناعتها) تمثيلاً وتصويراً وإخراجاً وإنتاجاً وهي تستلهم من رائديها السينمائيين الأستاذين (عبدالله المحيسن) و(ممدوح سالم).. خطاها، حتى فوجئ الوطن - بين عشية وضحاها - بمهرجانات تعقد في دبي وأبو ظبي والمنامة.. بل وفي جدة عن أفلام وطنية - سعودية - كان آخرها (مهرجان الأفلام السعودية) الرابع الذي شهدت عروضه قاعات الغرفة التجارية الصناعية بجدة عام 2009م.

لقد كان جميلاً.. أن تقدم (الجزيرة السينمائية).. ذلك الحصاد الواسع والعريض والشامل عن أفلام عام 2012، وقد تصدرها الحديث عن العشرة أفلام (الأولى) في العالم، والتي تقدمها فيلم (المنتقمون) الأمريكي بأرباحه التي بلغت ستمائة مليون دولار، ثم تلاه (الليالي المظلمة) بأربعمائة وخمسين مليوناً، ثم (ألعاب الجياع) - إذا صحت ترجمتي.. لاسمه - بأربعمائة وعشرين مليوناً من الدولارات، لكن ربما كان الأهم والأجمل من ذلك.. هو استرجاع ذلك (الحصاد) لـ(أهم أحداث الموسم السينمائي) الماضي، والتي كان من بينها خبر عن عرض فيلم سعودي طويل في (مهرجان فينيسيا) الدولي - وهو ثاني مهرجانات السينما العالمية بعد مهرجان كان -، وحصوله على أربع جوائز في (فئات مختلفة) كما قال الإحصاء. كان اسم الفيلم (وجدة).. ومخرجته هي السيدة (هيفاء المنصور)، وقد تبادر إلى ذهني بداية بأن الفيلم ربما كان فيلماً تسجيلياً حتى ولو كان طويلاً.. عن مدينة (وجدة) التراثية المغربية، وأنه ربما قدم رؤية تراثية جديدة عن هذه المدينة التي زارها وأعجب بها وتحدث عنها كثيرون من الزملاء من قبل.. استحق عنها هذه الجوائز الأربعة، إذ لا يعقل أن يقدم (المهرجان).. كل هذه الجوائز (مجاملة) لأن (الفيلم) من المملكة، أو أن مخرجته من هناك.. من بلد لا تُعرف له أي علاقة بـ(السينما)، ولكن.. وحتى لا أتوه بين هذه الافتراضات.. استعنت بأقرب الرائدين السينمائيين مكاناً إليَّ: أخي الأستاذ (ممدوح سالم)، فقال لي.. إنه لم ير الفيلم بعد، ولكنه عرف.. بأنه يتحدث عن فتاة اسمها (وجدة) تركب حصاناً أو دراجة لتعبر بها العديد من مناطق المملكة.. وهي تستعرض قضايا المرأة المعاصرة وصعوباتها عبر سفرها من منطقة لأخرى، وأن مخرجته هي: الأستاذة هيفاء المنصور.. السينمائية بـ(الموهبة) والدراسة، فهي تحمل ليسانس آداب لغة إنجليزية، ودرجة الماجستير في (الإخراج السينمائي) من إحدى الجامعات الأمريكية.. وهي صاحبة تجارب سينمائية طويلة ربما كان فيلم (وجدة).. هو آخرها.

لينتهي الكلام، حيث يتوجب إرسال: (التحية) لمراسل (الجزيرة) من نيويورك الأستاذ (عبدالمحسن المطيري).. الذي أعد هذا (الحصاد) الشامل والكامل لعشاق الفن السابع، و(التهنئة) للأستاذة هيفاء المنصور.. على إخراجها لفيلم (وجدة) الذي لما نره.. بعد، وحصولها على هذا العدد الوفير من الجوائز لفيلم واحد، و(أطيب التمنيات) للأمير الفنان الوليد بن طلال الذي دعَّم إنتاج الفيلم ورعاه عبر مؤسسته للإنتاج الفني (روتانا)، ليبقى بعد ذلك السؤال: إلى متى تحرم أجيالنا الشابة من السينما.. دون أن تعرف لهذا الحرمان سبباً..؟!

dar.almarsaa@hotmail.com
جدة

حصاد (2012).. و(السينما) الحاضرة الغائبة؟!
د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة