ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 06/01/2013 Issue 14710 14710 الأحد 24 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

أنصِت. أنصِت جيداً.

هل تسمع؟ «توحي» كما يقول بعض الكبار؟ هل تلتقط أذناك أي شيء؟ تقول إنك لا تسمع شيئاً؟ لا تسمع إلا الصمت التام؟

ممتاز، هذا يعني أنك تسمع جيداً، لأن هذا الصمت المطبق هو الجو الجديد للعوائل والتجمعات!

ما الذي حدث؟ في السابق كانت العوائل تجتمع وتتحادث وتتضاحك، فهذا يلقي طرفة وذاك يسرد قصة وتلك تستحضر صورة، وهؤلاء يسمعون وأولئك يضحكون وهلم جراً، جوعائلي حقيقي يجلس الناس فيه مع بعضهم ويسمعون ويتكلمون، أما الآن فالاجتماعات العائلية والتجمعات وجلسات الأصدقاء صارت ميتة: أجساد متقاربة، وأذهان متباعدة. تدريجياً بدأت التقنية الحديثة تتسلل، ولكن لم يكن هذا مشكلاً في السابق، فإذا اجتمع الناس سابقاً فأقصى ماكان أحدهم يفعله هو أن يستقبل مكالمة هاتفية على الخط الثابت، وحتى آنذاك لم يكن يأخذ وقتاً بل يقول للطرف الآخر «أستميحك عذراً، عندي ضيوف»، فكان المرء يخجل من ترك أهله وأقاربه ويجلس مع الهاتف. أما الآن فالوضع انقلب 180 درجة: العوائل تجلس في مكانٍ واحد لكن الأولوية للهاتف المتنقل. يدخل أحدهم فيسلِّم على الجميع ويرحبون به وما هي إلا دقائق معدودة والكل عاد إلى الإمساك بالهاتف المتنقل محدّقاً في شاشته. تطلب انتباه أحد هؤلاء الغائصين في جو الألعاب والمحادثات فيرفع رأسه ويجيب سؤالك ثم يغمر رأسه من جديد في ذاك العالم الرقمي البارد. إنه هَوَس كامل!

يا له من تناقض، كان الهدف من هذه الأجهزة هوربط الناس ببعضهم فإذا بالمفارقة الكبرى أن تلك التقنيات الحديثة اليوم هي من أشد الأشياء إبعاداً للناس عن بعضهم. الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المسطحة وكل ما دار في فلك هذه الاختراعات، هذه الأشياء صارت الآن وباءً اجتماعياً يفصل الناس عن بعضهم. هناك جانب إيجابي لها وهو تقريب المتباعدين مثل من يعيشون في مدن أو دول متباعدة و تربطهم محادثات الانترنت المرئية أو المسموعة، هذا لا شك أنه أثر طيب للتقنية، لكن أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ أليس من هو في حضرتك وبجانبك ومن أتى ليجلس معك ويرى وجهك ويسمع كلامك أولى بالاهتمام؟ إذاً ما بالك تُرعي سمعك وتعير انتباهك للعبة أو محادثة أو خبر إلخ؟ هذه هي التساؤلات التي تَمُوج في ذهني عندما أرى الأصدقاء والمعارف إذا اجتمعنا يُدخلون أيديهم في جيوبهم ويُخرجون تلك الأجهزة البغيضة من جحورها، والذي يَظهر لي أن صلة الرحم اليوم قد غمرها سيلٌ عَرَمْرم من الهواتف وألواح «تابليت» الذكية فجعلها مجرد ذكرى عابرة لا يُحكى عنها إلا بصيغة الماضي، يعود المرء اليوم لبيته وبالكاد يتذكر أنه كان مع أناس حقيقيين لمدة ساعة أو ساعتين ولا يتذكر من كلامهم أو أوجههم شيئاً!

ما هكذا الاجتماعية، وما هكذا صلة الرحم وقضاء الوقت مع المعارف والأصدقاء. أيا تقنية، ارحلي بعيداً ودعينا في حالنا!

الحديقة
اجتماع متفرق!
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة