ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 07/01/2013 Issue 14711 14711 الأثنين 25 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

تركي بن سلطان
إبراهيم عبدالله الجابر

رجوع

(صدمة خبر الوفاة )

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، لله ما أعطى ولله ما أخذ، نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره والحمد لله رب العالمين. تلقيت خبر الوفاة غير مصدق ونقلت لزملائي في المكتب الخبر على أنه إشاعة، وبعد أن علمت الحقيقة دخلت مرحلة نفسية خطيرة تجاوزتها -والحمد لله- يوماً بعد يوم، لقد تحدثت مع نفسي كثيراً وبكيت كثيراً تشتت ذهني ولم أعد أقدر على الكلام حتى تجاوزت مرحلة من أخطر المراحل النفسية التي مرت علي في حياتي بمساعدة بيتي وعائلتي.

علاقة الأمير تركي بن سلطان بمرافقيه وأصدقائه في القصر وفي المكتب بالوزارة

رغم أنه تعلم وحصل على الماجستير من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه حريص على القيم الإنسانية النبيلة والعادات والتقاليد العربية الأصيلة.

فلديه مجموعة من المرافقين والأصدقاء والزملاء من مختلف أطياف المجتمع، فلديه من رجال وعوائل الرياض، ورجال من كبار القبائل، ولديه من كبار بيوت المنطقة الغربية رافقوه ولازموه طوال حياتهم على مدار الثلاثين سنة التي عرفته فيها. بعد سنوات اكتشفت أن هؤلاء الرجال يشكلون مجتمعاً سعودياً مصغراً، ولا أنسى الحب الكبير للمرحوم ممن يعملون معه من السعوديين والأجانب.

ومن خلال مسيرتي مع سموه تقابلت وجلست مع بعض من هؤلاء ووجدت أنهم رجال أحبوا الأمير تركي وأحبهم فقدموا الولاء والطاعة وقدم لهم ما يستحقون. إنه صاحب مدرسة متخصصة في المجتمع السعودي، كثيراً ما أسمع الأمير يمتدح ويحث على العلم والتعليم تارة وعلى جانب آخر يتحدث عن الاهتمام بالعادات والتقاليد العربية -رحمه الله.

يتعامل مع العاملين في المكتب

الأمير رحمة الله عليه هو إنسان سكن قلوب وعقول المواطنين بما عُرف من إنسانية ونبل ومكارم أخلاق وعطف وعطاء ومساعدة.

وتعامله راقٍ جداً مع الزملاء في المكتب حتى أن الكثير من الزملاء في المكتب لديهم أبناء يحملون اسم (تركي)، وهذا يكفي للتعبير عن الحب الكبير لذلك الإنسان الكبير.

ثم سؤاله المتواصل عن الزملاء وظروفهم وإمكانياتهم والشفاعة لهم ولأقاربهم، ورغم مشاغله كثير السؤال عن أخبار من يعملون معه.

أهم الصفات التي لاحظتها خلال ثلاثين عاماً

يتمتع الأمير تركي بن سلطان -رحمه الله- بعدد من الصفات والسجايا.

ولفت انتباهي ارتباطه وحبه لوالديه، وبعد وفاتهما كان يقول عرفنا قدرهما الكبير بعد وفاتهما، وكان كثير الدعاء لهما، وأتذكر في رحلة خارجية بمؤتمر وزراء الإعلام لدول عدم الانحياز بماليزيا ومؤتمر وزراء الإعلام بدول الخليج كان على اتصال دائم بهما رغم انشغاله في الجلسات.

كان رحمه الله رجلاً متديناً، لمن لا يعرفه، فهو حريص كل الحرص على أداء الصلاة، فأحياناً لا يرد على تلفون المكتب فنعرف أنه يصلي، وحتى في الطائرة (وقد رافقته في رحلات داخل المملكة وخارجها).

والأجمل أنه قريب من كتاب الله، ففي السفر بالطائرة يطلب القرآن الكريم ويختلي مع نفسه، ثم يعود للحديث معنا.

حريص على الصدقة سواء ممن يقدمون على مكتبه بالوزارة أو على مكتبه بالقصر، يقول دائماً (لا تردون أحداً اللي الله كاتبه له رزق بيجيه)، حتى في المناسبات يأخذ جميع الأوراق التي تقدم له باهتمام ومحبة في حب الخير، أتذكر أنه يقسم الصدقات من المال والأكل وعشرات الرؤوس من اللحوم على فقراء مكة كل حج (22 سنة) عن طريق زملاء نعرفهم وهو لا يرغب أن يعرف أحد عن ذلك.. والحمد لله البذل في سبيل الله للآخرة أكبر اهتماماته.

كان يحج عدد من الفقراء من مختلف دول العالم على حسابه الخاص ولا يريد أحداً أن يعلم بذلك.

يوم وفاته كلمني الزميل ماجد السماري من جاكرتا إندونيسيا ومعه المرأة والرجل اللذان حجا على حسابه الخاص، فقد شاهدهما في برنامج خاص عن معرض للمملكة في كأس آسيا 2007م بجاكرتا، تبكي المرأة وتناشد المؤسرين الحج فكلمني ليلاً وقال هؤلاء يحجون على حسابي وأنت المسؤول عنهم، وقال إبراهيم إذا أتصل أحد يطلب الأجر غيري فلا ترده هم أولاً. كان رقيق القلب عطوفاً محباً للخير رغم هيبته وشخصيته القوية لمن يشاهده أول مرة.

يتابع من يعرفهم ويسألني دائماً عنهم من بعيد دون أن يعلموا: هل هم مبسوطون في أعمالهم عن احتياجاتهم الضروريه في حياتهم الاجتماعية؟

من أجمل صفات الأمير تركي بن سلطان وطوال معرفتي به -رحمه الله- الثلاثين عاماً هو صفة المسؤول النزيه (النزاهة) فسيرته عطرة نظيفة نقية -والحمد لله- دخل وخرج من الوزارة ولم يستلم ريالاً واحداً من الميزانية حتى راتبه كان يوزعه الزميل إبراهيم الغيهب على الفقراء والمحتاجين ممن يتقدمون لسموه في الوزارة طوال فترة عمله.

الصبر صفة تعلمتها من سموه، فلديه قدرة عجيبة على الصبر والتروي في كثير من الأمور رغم مكانته الاجتماعية ومحبة الجميع الذين يرغبون في تحقيق مطالب سموه.

في حياتي مع الفقيد ونقاشاتي وحوارتي معه كان لديه القدرة على الكتمان، وهذه الصفة صعبة أن تجدها في أي إنسان. وهذه بعض الصفات والسجايا التي أظن بأن البعض لا يعرفها عن سموه.

اهتم بالثقافة وهو رجل مثقف

قبل أن يكون الأمير من المسئولين عن الثقافة فهو رجل مثقف واسع الاطلاع ونموذج للمثقفين وهو يستمد المعارف من الكتب وموارد الثقافة والتجارب والخبرات، وكان حريصاً -رحمه الله- على حقوق المثقفين، وكان قريباً ومدركاً لأهمية حقوق الأدباء والمثقفين، وكان يهتم -رحمه الله- بالسؤال عن سيرة وظروف بعض الأدباء ويتابع باهتمام إنتاجهم الفكري وبعض مشاركاتهم الداخلية والخارجية، وكان يخشى أن يشيد أحد أو يستقبله فيتأثر باقي زملائه المثقفين.

لم يكن سموه بعيداً عن الساحة الثقافية بل كان متابعاً لهم عبر فترة زمنية سابقة لوزارة الثقافة والإعلام أو عبر وسائل الإعلام، وكان -رحمه الله- يتمنى أن تصل الثقافة والمثقفين إلى مستويات عالية فكان يتحدث عن إعجابه بالثقافة والمثقفين المصريين عربياً، والثقافة الأوربية المتنوعة الذي كان يجسد قوله أنها ثقافة متشابهة في شعوب مختلفة.

مرحلة ما بعد هيئة الإذاعة والتلفزيون

فهمت من سموه خلال عملي منذ سنوات طويلة أن الإذاعة والتلفزيون يجب أن تكون هيئة، وبعد أن أشرف على القنوات الرياضية كرر مراراً وتكراراً أن التنافس شرس بين القنوات الرياضية الخاصة والقنوات المدعومة بميزانيات حكومية ضخمة وحان الأوان لتقديم مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بطريقة أكثر مرونة وتحرك لتنافس وتقدم صورة رائعة للتلفزيون السعودي بجميع قنواته وليس الرياضة فقط.

وبعد تعيين معالي الأستاذ عبدالرحمن الهزاع التقاه الأمير وهنأه على المنصب الجديد وتمنى له التوفيق والنجاح.

علاقة الأمير مع وزراء الإعلام السابقين

خلال عملي مع سموه أدركت أن العلاقة المتينة التي تربطه بالوزراء السابقين هي علاقة تقدير واحترام لسموه ممزوجة بالحب والمودة والصداقة، وكان الوزراء يعرفون أنه ركن هام من أركان المسيرة الإعلامية طوال فترة عمله التي تجاوزت الثلاثين عاماً واكتسب الخبرة والتجربة وقبلها تخرج من كلية الآداب قسم الإعلام ودرس في الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤمن أن الإعلام هو الأهم في العملية التنموية الشاملة وهو الحاضر والمستقبل، وقدم -رحمه الله- عملاً مشرفاً ومشتركاً مع جميع الوزراء الذين عمل معهم كشريك في تطور وازدهار وزارة الثقافة والإعلام وكان يقول لي أمضيت عمري في الإعلام ولن أجد نفسي في غير الإعلام.

أتذكر مرافقتي له في مؤتمر وزراء الإعلام لدول عدم الانحياز بماليزيا إذ كان رئيساً لوفد المملكة فكان حاضر الذهن في المؤتمر الذي كان يستمر من 7- 9 ساعات، وكانت شخصيته محل إعجاب الجميع من الحضور وكبار المسؤولين.

وكذلك حضوره المتميز في مؤتمر وزراء إعلام دول الخليج بأبوظبي لم يبق إلا الذكريات الجميلة رحمة الله عليه.

القناة الرياضية

أتذكر عندما اتخذ سموه قرار العمل والإشراف على القناة الرياضية، كان بعد أن لاحظ الاهتمام الكبير بالرياضة من الدول الخليجية والدول العربية وتقدم لها من حس وطن بخدمة المواطن السعودي الذي يعشق كرة القدم وخدمة الرياضة في بلاده، وأتذكر أنه درس القرار بعناية وسألني كثيراً عن أدق التفاصيل في عملي السابق مع راديو وتلفزيون العرب ART وبعض القنوات التلفزيونية التي تهتم بالرياضة، وناقش قرار الاستعانة بالزملاء من القنوات الأخرى بكل دقة مفكراً في مصالح تلك القنوات وعلى أن لا يوثر عليهم، كان يسألني عن البرامج الرياضية وتطويرها ولا يقتنع بما يقدم بل يبحث عن الأفضل، اختلفت مع الأمير كثيراً ولم تفرقني آرائي الجريئة عنه.

القنوات الرياضية الجديدة

ساهم سموه وبقوه بتسريع فتح القنوات الجديدة بعد أن جاء الدوري السعودي حصرياً، وللأمانة فدعم ووقفة معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة وجميع المسؤولين في الوزارة كانت محل تقدير سموه رحمه الله.

وكانت محل اهتمامه تشغيل هذه القنوات والاستفادة منها في برامج شبابية قبل صدور قرار الهيئة.

الأندية سواسية

عرف عن الراحل بأنه عضو شرف هلالي بارز وواحد من الذين يدركون الكثير من أسرار الكرة السعودية وبعد إشرافه على القنوات الرياضية السعودية كانت تعليماته للجميع بأن حقوق الأندية سواسية ولا يرضى بالإساءات لأي نادٍ كان.

القناة الرياضية ووقت الأمير

القنوات الرياضية أخذت وقت الأمير الخاص، فهو يتابع البرامج والمباريات ويوجه الزملاء في الاستوديوهات والملاعب، وعلى سبيل المثال يهاتفني ليلاً في موعد البرامج يتحدث عن أخطاء في البرنامج فأقول له أنا في السيارة ورأيي كذا فيقول إذا وصلت عند التلفزيون وبعد البرنامج كلمني، أحادثه بعد أن يهدأ ورغم ذلك أحياناً لا يتهاون في قراراته مما انعكس ذلك على هيبة وقوة البرامج السعودية وتحسن النقل للمباريات.

رضا الناس غاية لا تدرك

عمل الراحل الكبير عملاً متميزاً وكان يطلب متابعة ما يكتب وينشر في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وكان حريصاً على معالجة الأخطاء وكان يكرر لي يا إبراهيم رضا الناس غاية لا تدرك، علينا الاجتهاد والعمل بأمانة وإخلاص ومعالجة السلبيات.

تركي المحطة الأجمل في حياتي

الأمير تركي محطة تاريخية جميلة هامة في حياتي بدأتها قبل ثلاثين عاماً واستمريت على المحبة والولاء والطاعة والإخلاص، لم أفكر يوماً أن أغادر التلفزيون السعودي لأنني مرتبط بهذا الرجل ورغم إحساسة بأنني متضايق بعض الأيام من دخلي المادي الضعيف طوال 25 سنة كمعلق وكمذيع، كان يطيب خاطري بكلام جميل ويقول لا تفكر بالرحيل لأنك ابن الوزارة والمستقبل لك انتظر والمادة ليست كل شيء.

- مدير العلاقات والمراسم بمكتب الأمير تركي بن سلطان بن عبدالعزيز نائب وزير الثقافة والإعلام، (المعلق، ومقدم برامج في القناة الرياضية)

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة