ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 18/01/2013 Issue 14722 14722 الجمعة 06 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ما زال كتابُ طبائع الإستبداد ومصارع الاستعباد لمؤلفه عبدالرحمن الكواكبي يشكلُ علامة فارقة بنتاجه الفكري.. كونه يطرح ويعالج سمة سلبية لازمت مجتمعاتنا منذ قرون وما زالت مستمرة.. ألا وهي سمة الاستبداد.. فهل كان الكواكبي الذي مات مغتالاً بالسم في مصر يعلم بأن وطن آبائه وأجداده سيظل مدًا لعصر الاستبداد الذي عاشه وعانى منه؟ الكواكبي الذي وُلِد ونشأ في مدينة حلب المعروفة بأنفة سكانها وعزتهم وتعاليهم على الاستبداد وحيث كانت هذه المدينة العاصمة الشرقية للدولة العثمانية آن ذاك..

وقبلة البعثات التبشرية والتعليمية بحكم قربها من الآستانة هو الذي حمل هموم وطنه وأمته.. وبقي ينطق كلمة الحق في وجه السلاطين العثمانية خوفاً من أن تضيع هذه الكلمة في أودية الجهل والنسيان. عند استحضار الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية.. بكل تجلياته وتعقيداته وما يمر به من ثورات شعبوية ضد حكوماته الاستبدادية.. نجد أن الكواكبي الذي اكتوى بهذا الداء قبل قرن من الزمن.. يقرر في كتابه أن المستبد يحيد عن الفطرة التي خُلِق عليها.. فيرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً وكأنه بذلك يستحضر قصة فرعون الواردة في القرآن الكريم التي نادى فيها بالربوبية لنفسه.. فانسجم هذا النهج مع الواقع السوري الراهن بكل تفاصيله وحيثياته.. فإذا برعاع وعبيد وشبيحة ديكتاتور سوريا بشار الأسد لا يتوانون عن ترديد (الله سوريا بشار وبس) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.. لذا ففكرة ادعاء الألوهية من قبل المستبد كفيلة بأن ترشحه إلى الظلم والجبروت.. واتباع هوى النفس في إدارة شؤون مجتمعه وشعبه.. ويظل الشعب خاضعاً يمجد (أنا) الحاكم النرجسية فتحكم هذه الأنا بما تشاء وتفعل ما تريد..!! ومن خلال قراءة متأنية لفكر الكواكبي وفلسفة أطروحاته في نقد الاستبداد على اختلاف ألوانه وأشكاله نستشف أن للاستبداد امتدادات في الزمان والمكان.. وكأن التاريخ يعيد نفسه ويربط الحاضر بالماضي وما أشبه اليوم بالأمس.. فالواقع الذي عانى منه الكواكبي صنوف المعاناة على يد الاستبداد العثماني وأعوانه استطاع وبلغة العمق المؤلم أن يتغلغل في العالم الداخلي للمستبد، ويجسد بدقة بشاعة المستبد ومدى احتقاره لرعيته ما يفضح في الوقت ذاته مدى القهر والذل الذي تتعرض له رعيته وفي هذا الشأن يقول الكواكبي في كتابه (كعبُ المستبد الذي يدوس الأرض به يسد أفواه الملايين) لطمة عار توجه للرعية تكمم أفواههم وتمنعهم من المطالبة بحقوقهم.. فأي ذلٍ تعانيه الملايين حين يوجه إليها كعبُ مستبدٍ واحد.. ولكأني بالكواكبي ما زال معاصراً.. يتذوق مرارة ما يتذوقه أبناءُ جلدته وشعب وطنه الأم سوريا من مجرمٍ اقترفت يداه وما زالت تقترف أبشع أنواع الإجرام في التاريخ البشري.. ما يجري اليوم في الوطن العربي السوري من مجازر دموية وتشريدٍ واعتقالات يؤكد أن الاستبداد ملة واحدة قديماً وحديثاً سواء كان مصدرُه الاستعمار أو حاكماً بأمر حزبٍ بعثي كبشار وريث أبيه اللذين تربعا على كرسي حكم الجور واظلم وقمع الحريات ومصادرة الحقوق منذ أربعة عقود.. تجلت قدرة وعبقرية الكواكبي في طريقة عرضه وتحليله لمنهج الطغيان والاستبداد قبل قرن من الزمن والمتمعن في قراءة صفحات كتابه طبائع الاستبداد تتملكه حالة من الذهول والدهشة فهذا العبقري في فكره ورؤيته كأنه يصف الواقع السياسي العربي الراهن بعمقٍ ودقة.. يبحث في طبائع الاستبداد وأثره على الشعوب يشير إلى مواطن الاستبداد ليس فقط في السياسة وإنما أيضاً في الدين والتربية والأخلاق إلا أن أجمل ما يميز هذا الكتاب ويجذب القارئ له أنه غيرُ موجه لحاكم بعينه أو دولة محددة.. لكنه صرخة فيلسوف ومفكر عربي مؤمن ومتألم من وضعٍ ذليل عاشته أمته وما زالت تعيشه.. رغم مرور أكثرمن قرن، ويكشف عن أخطر داء يمكن أن يصيب أي شعبٍ من الشعوب ويصف الدواء المناسب دون بترٍ لأي عضوٍ من أعضاء جسده.. فهو القائل في كتابه (كلماتُ حقٍ.. وصيحة في وادٍ.. إنْ ذهبت اليوم مع الريح.. قد تذهب غداً بالأوتاد).

zakia-hj1@hotmail.com
Twitter @2zakia

عود على بدء
وكأن التاريخ يعيد نفسه..!! الكواكبي والجبروت الأسدي
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة