ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 20/01/2013 Issue 14724 14724 الأحد 08 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

غالباً نرى في انصرام فصل الشتاء في شبه ممارسة عالمية, إعلانا لنهاية العام, واستعدادا لمرحلة إنتاجية جديدة بكل مشاريعها وتفاصيل احتياجاتها ماديا وماليا, ومراحل تنفيذها, وتعتمد فيها الميزانية الجديدة. أصل الفكرة يعود إلى ممارسات أجدادنا وأسلافنا منذ عصر الاعتماد على الصيد والترحل وراء الطرائد حتى الانتقال إلى عصر الزراعة والاستقرار, وتدجين الحيوانات لتصبح أليفة ومفيدة. وحين امتلك البشر قدرة امتطاء الحيوانات السريعة خيولاً وجمالاً مدجنة امتلكوا قدرة التنقل والابتعاد مع المجموع في حالة الحاجة للهجرة أو للتجارة، وقدرة العودة للمجموع إن شاءوا بدوافع الانتماء العاطفي أو بتخطيط مسبق. كل ذلك كان يعتمد على الفصول وتوقعها والتنبؤ بمواسم هطول المطر وصقيع الثلج ورمض الجفاف وإمكانية توفير الرزق وسلامة البقاء وردع الاعتداء. ضمان قوتك وقوت عائلتك مرتبط أيضا بالمواسم وما تستطيع تحقيقه خلالها ليكون هناك مخزون تلجأ إليه في الأزمنة العجفاء المتوقعة. تلك الفكرة هي بداية الميزانية»: أن يكون هناك ما يكفي من القوت لاحتياجات الفرد والمجموع على مدار العام من شتاء إلى شتاء. ومن لم يفكر محترزا ومخططا مسبقا أي منحصرا في التفاؤل بعقلية الربيع المزدهر والصيف المثمر قد يفاجئه جدب مفاجئ بمواسم مجاعة قاتلة. هنا تأتي أهمية «الاحتياطي» الذي لا يلجأ إليه إلا للضرورات القصوى. والشتاء هو موسم التفكير والتخطيط لجعل مواسم العطاء في الصيف والخريف القادم تعطي ما يفيض عن الحاجة اليومية ليكون الاحتياطي المخزن. مع اشتداد البرد يتقلص الصيد ويعود الناس إلى خزين المنتجات المجففة. ونهاية الشتاء يبدأ الإخصاب حين تغرس البذور زرعا وصغارا، وفي الربيع يتضح ما بذر ولادات وبراعم, وفي الصيف ينضج الزرع ويزدهر الصيد برا وبحرا, وفي الخريف يأتي موسم الجني والحصاد وتبادل المزروعات وحفظها للموسم الشتائي القادم. ويبقى خطر الاعتداء قائما, فكان لابد من التدريب على مهارات الدفاع عن الحمى من الفروسية إلى استخدام السلاح ثم تقنين مواسم الترحال والصيد والغزو والحروب كي يأمن الجميع خطر الانقراض. في زمننا زمن الصناعة والتصدير والاستيراد لم يعد الوقت والانشغال اليومي مسألة بقاء جسدي مرتبط بالفصول والهدنات البدائية بين المجاميع البشرية؛ في تقنية التكييف والتدفئة صار ممكنا أن تنجب في أي موسم دون أن يتهدد المواليد خطر الموت بردا أو جفافا.وفي تقنية التوصيل الحديث للمنتجات من أقصى أصقاع العالم صار ممكنا أن تجد في السوق المحلي الشاسع منتجات طعام طازجة على مدار العام، وملابس جاهزة من مصانع الشرق والغرب. وفي تلاحق التطورات التقنية صار ممكنا أن تتم كل أعمالك ومراسلاتك وتعقد اجتماعاتك وتدفع حساباتك ومستحقاتك بلقاءات وحوارات مرئية مسموعة من خلال جهاز حاسب متطور. وفي اكتشافات موارد ما تحت الأرض وكنوز الطاقة ومصادرها أضيف باب جديد إلى ما تتنازع عليه المجاميع ويرغب في السيطرة عليه من يستطيع فرض مشيئة قوته على ضعف الآخرين، حيث يظل خطر الاعتداء قائما وأخطر منه احتمال عدم الالتزام بالمعاهدات لفرض السلام والتعايش. و لكن المواسم والميزانيات وخطط الحروب والمعارك ما زالت تحسب وفي البال تحسبات وفرضيات شتاء الأسلاف وصيفهم. إذ إن حكمة الأسلاف أدركت بالتجربة أنه من الضروري أن يكون هناك فترة زمنية محسوبة لتخطيط الميزانية وليس هناك أضمن من أن تكون مرتبطة بجدول طبيعي يتكرر تلقائيا مع دورة الشمس في أبراج السماء.

حوار حضاري
حساب الشتاء والصيف
د.ثريا العريض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة