ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 24/01/2013 Issue 14728 14728 الخميس 12 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

لديّ قناعة راسخة أنّ من أهم عوائق التحديث في بلادنا والبطء في حركة عجلة التنمية، وتعثُّر كثير من المشاريع، يعود بصفة أساسية إلى تكلُّس وتخلُّف الأنظمة الإدارية والمالية الحالية في المملكة، وعجزها عن مواكبة الطموحات التنموية؛ ما جعل الدولة نفسها تلجأ عندما تريد مشروعاً (متميّزاً) إلى النأي به بعيداً عن هذه الأنظمة.

المملكة الآن لديها عوائد ضخمة من الأموال تجنيها من نعمة النفط ، ولديها احتياطيات مالية تقرب من الثلاثة ترليونات ريال؛ في زمن تئن فيه أغلب دول العالم من مشاكل اقتصادية ومالية تكاد أن تودي بها إلى المجهول؛ ليبرز السؤال: طالما أنّ العنصر الأهم في قضايا التنمية وهو (المال) متوفّر بهذا الحجم الضخم، فما الذي جعل عجلة التنمية في بلادنا بطيئة وأحياناً متعثّرة؟

السبب الأول والأهم في تقديري هو أنظمتنا الإدارية والمالية (المتكلّسة)، والتي مازالت كما هي منذ عقود لم تتغير تغيُّرات جوهرية تجعلها قادرة على مواكبة طموحاتنا.

مستشفى الملك فيصل التخصصي - مثلاً - مشروع نموذجي في أدائه وعطائه وتميُّزه بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ هذه المنشأة الحضارية الشامخة ما كانت لتكون بهذا القدر من التميُّز والعطاء وتلبية الأهداف التي أنجزت من أجلها، لو أنها (تقيّدت) بأنظمة الدولة الإدارية والمالية ؛ فهذه المنظومة الطبية المتقدمة تعمل كمؤسسة عامة حسب قرار مجلس الوزراء 265 في 30 شوال 1422 هـ الموافق 14 يناير 2002م، القاضي بتحويل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث إلى مؤسسة عامة؛ وهذا يعني أنّ نجاح هذا المستشفى، وقدرة إدارته على الحفاظ على تميُّزه يعود (أولاً) إلى أنه (تحرّر) من بيروقراطية الأنظمة الحكومية وصار يعمل بعيداً عن قيودها وتعقيداتها؛ وأكاد أجزم أنّ هذه المنظومة الحضارية الرائدة، لو أنها رضخت لأنظمة الدولة في عملها، لكانت مثل أي مستشفى آخر من مستشفيات وزارة الصحة الأخرى. (لتتعرّف على مسيرة هذا الصرح وتاريخه ومنجزاته راجع كتاب «رؤية ملك يُحققها ملوك»، الصادر عن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث).

أن تلجأ الحكومة في المشاريع الهامة إلى الابتعاد عن البيروقراطية الحكومية الإدارية والروتين المعتمد بإقامة مؤسسات عامة (موازية)، فهذا اعتراف ضمني من الحكومة نفسها، أنّ الأنظمة الإدارية والمالية الحكومية القائمة تُشكِّل (عائقاً) في وجه الإنجاز، فلماذا بدلاً من إبقاء هذه الأنظمة قائمة و(الالتفاف عليها) من خلال هذه المؤسسات، لا يُعاد النظر في هذه الأنظمة برمّتها، واستبدالها بأخرى قادرة على الإنجاز وتحقيق الأهداف؟

إنني على يقين أنّ الأنظمة الحكومية الإدارية والمالية القائمة في أمسّ الحاجة إلى إعادة تقييم وتغيير وتطوير؛ ليس فقط لمرة واحدة، وإنما بشكل متكرّر ومستمر؛ ودون أن نبدأ من الآن فستظل مشاريعنا التنموية تتعثّر، وأهدافنا تتأخر، وسنظل نلقي اللوم على (الأفراد) في تدنِّي الخدمات وبطء التنمية، بينما أنّ لبّ المشكلة لا يتوقف على الفرد وإنما على (المؤسسة) نفسها، وأعني بالمؤسسة هنا أي (أنظمتها الإدارية والمالية).. ونحن هنا لن نعيد اختراع العجلة، وإنما كل ما في الأمر أن نستفيد من تجارب الدول التي استطاعت أن تحقق مؤسساتها الحكومية نتائج تنموية جيدة.

صحيح أننا بدأنا خطوات جيدة في العمل الإجرائي الحكومي من خلال (الحكومة الإلكترونية)، وتم اعتمادها فعلياً من قِبل وزارات عدّة، حيث يتم إنجاز كثير من أعمال المواطن من خلال الإنترنت، إلاّ أنّ بنية الأنظمة الإدارية والمالية نفسها مازالت متخلِّفة، وتتواءم مع عصر ما قبل الحكومة الإلكترونية، لذلك فهي تحتاج من أجل أن تواكب العصر الذي نعيش فيه للكثير من التطوير والتحديث لتلبِّي متطلّبات التنمية وطموحاتها.

إننا دون أن نحدث تغييراً بنيوياً (جريئاً) في أنظمة الحكومة الإدارية والمالية، فستبقى عجلة التنمية أبطأ من أن تواكب إيقاع العصر السريع، وستتفشى نتيجة لذلك كثير من الأمراض الاجتماعية وربما الاقتصادية والسياسية أيضاً، التي لا يمكن مواجهتها إلاّ بالتحديث والتغيير والمواكبة؛ هذه هي الحقيقة التي لا بد من مواجهتها أيها السادة.

إلى اللقاء

شيء من
الأنظمة الإدارية والمالية المتكلّسة عائق التنمية الأول
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة