ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 28/01/2013 Issue 14732 14732 الأثنين 16 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كثيرون في بلادي، مواطنُون ومقيمُون، يُعانون بلا استثناء من (حمّى) عجيبة تعيثُ في أحشاء شوارع مدننا وأحيائها، بل وطرقاتها الضيقة ناهيك بالطرق السريعة خارجها، وتحصدُ منا يومياً العشرات، قتلاً وتشويهاً وإعاقة، تلكم هي حمّى حوادث السيارات، التي تكاد فواجعُها المؤلمة تقتربُ من مخرجَات بعض الحروب والفتن المعاصرة، كمًّا وكيفاً!

***

ولقد باتَ المرءُ منا، في مدينة مثخنة بالبشر والسيارات، كمدينة الرياض، ومثلُها مدينة جدة - بات يخشَى على نفسه وأهله، ومن يهمه أمره ليلاً ونهاراً، سواء قاد عربته بنفسه، أو قادَها سواه!

***

كَتبتُ مرّاتٍ، وفَعَل سواي خَيْراً مِمَّا فَعلتُ حول هذا الموضوع، لكن ما جدْوَى الكتَابة إذا كانَتْ لا تُسْدِي خيراً .. ولا تجُدي نَفْعاً، لن أكرّسَ هنا اللَّومَ كلَّه لأجهزةِ المرور دون سواها، فهيَ تَجْتهِدُ كثيراً وتَفْعلُ كَثيِراً، ولها من اجتِهادِها وفْعِلهِا أكثرُ من نَصِيب، وهي ليسَتْ في كل الأحوال منزَّهةً من الخَطأ، تسَاهُلاً أو تقْصِيراً، بل أكادُ أجزمُ أن لها في بعض الأحوال عُذْراً أو أعذاراً، والناسُ يلوُمون! ومن شَاء تفْسِيراً لهذا القَول أو تأْوِيلاً فلْيسْأَلْ أهلَ المرُور أنفُسَهم كما فَعلتُ أنا، أكَثر من مَرة، ولن أنسَى تعليقَ قيادي منهم ذاتَ يومٍ ردَّاً على سؤالي إذْ قال: أُسلَّم بكثيرٍ مما تَكتبُ أنت وسواك عن أداءِ المرُور في التصدَّي لـ(نوازل) السيارات، لكنّنا بدَوْرِنا نُعانِي من فِتْنِة (الواسطة)، ولو كان لنا منها حصَانةٌ، لكانَتْ لنا هَيْبةٌ ترْدعُ قاَطعَ الإشَارةِ، ومن في حكمه من (عَابِري القَارات) في الشوارع!

***

إذاً، فللمرُور نصيبٌ من حقَّ، مثْلمَا أن له قَدْراً من عَتَبٍ، لكن الأهَمَّ من هذا كلَّه إلاّ يتَحوَّلَ الجُمهورُ، في نظر المرور أو العكس إلى (شَمّاعةٍ) تُعلَّقُ عليها الأَخَطاءُ، ويُسْقَطُ العتبُ، فكلاهما شَريِكان في إشعال (حمى حوادث السيارات)!

كيف؟

يُخِطئُ المروُر حين يَغِيبُ أفْرادُه حضُوراً وهيبةً وردْعاً عن شارِع يُعانِي فتنَ الزَّحَامِ لأيّ سبَبَ، قلَّ أو جلَّ!

ويُخطئ المرور حين (يُعلِّق) وزرَ الكثير من الحوادث المرورية على (شماعة) سائق العربة أو من يسانده أو المجتمع ككل!

***

أما الجمهوُر فيُخْطئُ مراتٍ:

مرةً بغفْلتِه حين يُسلَّمُ حَدَثاً غَرّاً سيارةً لا يُحسِنُ قِيادتَها فَناً ولا خُلُقاً.

ومرةً: بأسلُوبِ تَعامُلِه مع مُرتِكَبِ الحَادِث.. فيَرْفضَ العقَابَ، ويقَاومَ الرّدْعَ، ويحكّم الظنون!

ومرةً: حين يَعتذِرُ لقائدِ المركبةِ الحَدَث بأنّه صَغِيرٌ لا يِعَي من أمرِه شيئاً، فإن نالَ مرادَه، وإلاّ لجأ إلى (ذي جاه) يَلتمِسُ منه الشَّفاعةَ لتَطْويقِ الحاَدثِ لصَالحِ ابنهِ أو قَريبهِ!

***

لهذه الأسُبَابِ وغيرِها، تنمُو حُوادثُ المرُورِ وتَسْتَعِرُ! وترتيباً على هذه الأسباب.. يجدُ المرورُ نفَسَه أحياناً عَاجِزاً عن التَّعامُل مع حوَادِث الشَّارعِ بالقَدْر الذي يتَمنَّاه الأسوياءُ من الناس!

***

أقول لرجال المرور:

لا تُعاتِبُوا الناسَ كثيراً، وعاتبُوا أنفسَكم عمَّا تشْهدُه شوارعُنا من حَوادثِ مؤْسِفةٍ، فالدولةُ لم تبْخَلْ عليكم بالتقنية أو التقنين لممارسة مهَامِكم، وإذا كان هناك قُصُورٌ من لدن الجُمْهور لا يدَ لكم فيه، فليسَ هذا مبرراً لغيابكم عن الشوارع، وهو أضعف الإيمان!

***

وللجمهور أقول:

لا تلومُوا المرورَ كثيراً، ولومُوا أنفسَكم وأولادَكم وأهليكم عمَّا تشهده شَوارُعنا من حوادثِ السياراتِ، فأنتم تمكّنون أحياناً أفراداً غيرَ مسئولين من ذويكم أو مِمّن لكم عليهم حَقُّ الولايةِ يفْتقرُون إلى الخِبْرة لقيادةِ السيارات وحين يأتون من الحوادث ما تكْرهُون.. تَتَطوّعُون بالانتصَار لهم، ظَالمِين أو مظْلوُمِين، وتَحُوُلوُن بينهم وبين العدالة، أجهزةً وإجْراءاتٍ، فإذا خَلَوْتم إلى أنفُسِكم، كِلْتُمْ اللومَ كلَّه للمرُور، ونسيتُم أنفْسَكم وأولاَدكم ومَنْ لكم عليهم ولايةٌ، وكأَنْ مرتِكبي الحَوادثِ قادمُون من كواكبَ أخرى!

الرئة الثالثة
«حُمّى» السيارات .. بلا استثناء!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة