ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 28/01/2013 Issue 14732 14732 الأثنين 16 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

خطاب التنصيب لرئاسة أمريكا يعطينا ملخصاً لأولويات الإدارة الأمريكية للأربع السنوات القادمة، خاصة عندما يكون خطاب الولاية الثانية للرئيس. زبدة الخطاب هو أن أمريكا مهمومة بقضاياها الداخلية وستركز عليها، ولن تتدخل عسكرياً في مناطق العالم عدا الدعم لحلفائها الغربيين.. لكن ماذا عن التفاصيل؟

رغم تقهقر الولايات المتحدة فهي لا تزال الأقوى اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وتكنولوجيا وبفارق كبير عن دول العالم،. لكن أولويات الرئيس الأمريكي تركّزت على أهداف داخلية تتعلّق بالاقتصاد وبالحريات والحقوق الشخصية، أما سياسته الخارجية فقد تطرق إليها بحيز ضيق في خطابه، يمكن فرزها بثلاث نقاط: أولها خطر التغيّر المناخي، وثانيها إيمانه بأن الأمن الدائم والسلام الدائم لا تتطلب حرباً دائمة، وثالثها تأكيده أن إدارته ستحافظ على تحالفات قوية في كل أنحاء العالم لدعم الديمقراطية..

حسناً، ما الجديد الذي يعنينا هنا؟ إذا بدأنا بتطرقه للتغيّر المناخي فهو جديد وغريب.. جديد لأنه لأول مرة يذكره رئيس أمريكي في خطاب بهذه الأهمية، فأمريكا غالباً تتجنب التطرق لهذا الموضوع لأنها متهمة بالتقصير فيه.. وهو غريب أن يبدأ الحديث عن السياسة الخارجية بموضوع بيئي متفق عليه عالمياً وليس سياسياً مختلف عليه! فهل هو هروب إلى الأمام أم استدرار للعاطفة؟ فأمريكا ثانياً والصين أولاً، هما أكبر مصدرين لتلوث المناخ في العالم، وتتلكآن في توقيع الاتفاقيات الدولية ولهما مواقف انفرادية في الحد من مخاطر تلوث البيئة..

أما من الناحية السياسية فإن الجديد هو أنه لم يذكر بلداً بعينه صديقاً أو عدواً، ولم يستخدم مفردات التدخل ولا المجابهة وابتعد عن لغة الكاوبوي الأمريكي، بل أكثر من لغة السلام.. فهل هو سلام العاجز الجريح أم سلام جاد؟ عدا عن ذلك فإن ما قاله في خطابه عن سياسته الخارجية ليس إلا تكريساً لما بدأ يظهر كنوع من اعتزال أمريكا لتدخلاتها في دول العالم وتركيزها على همومها الداخلية وأزماتها المالية الحادة.

إذن، الخطاب يأتي في مرحلة تبدو بها أمريكا متراجعة نتيجة أزمتها الاقتصادية، فلقد دفعت فاتورتين باهظتين في تدخلها بأفغانستان وغزوها للعراق، ربما تجاوزت أربعة تريليونات دولار (تقرير “تكاليف الحروب” معهد واتسون للدراسات الدولية). فاتورتان تأتيان لسلسلة متراكمة من التدخلات العسكرية الأمريكية على مدى عقود، بينما الدول المنافسة لها اقتصادياً لم تتكبد عناء هذه التكاليف. يقول آين بريمير (مستشار سياسي اقتصادي) إن القوة الأميركية خلال نصف قرن اعتمدت على جيش قوي وسوق هائلة، فأحدهما يمكنه العقاب والآخر يمكنه المكافأة، لكن بينما حافظت على مكانتها في الأول، فإن بقية العالم أصبح أقل اهتماماً به متوسعة في قوتها الاقتصادية.

فهل ستصبح أمريكا شبه متفرجة على غيرها في التدخلات الخارجية، منذ تدخل فرنسا وبريطانيا في ليبيا إلى تدخل الأولى في مالي قبل أيام، مروراً بتدخلها في ساحل العاج واعتقال رئيسها الذي رفض الاعتراف بفوز خصمه في الانتخابات؟ وكيف ستكون إستراتيجية أوباما المقبلة؟

يقول بريجنسكي، أحد قدامى عرابي السياسة الخارجية الأمريكية: “لدينا فكرة عن عقيدة أوباما، ولكن ليس لدينا إستراتيجية أوباما. وأعتقد أن هذين الشخصين (وزيري الخارجية والدفاع الجديدين) يمكن أن يوفرا إستراتيجية للعقيدة.”.

هذه الإستراتيجية يجب أن تنطلق - حسب بريجنسكي- من “أن مفهوم الهيمنة العالمية من قبل قوة واحدة لم يعد مجدياً، حتى بالنسبة إلى الأقوى. . والأولويات هي ما تمليه علينا مواجهة ازدياد الصراع والتوتر في الشرق الأوسط.. وأبعد من ذلك، إذا نظرتم إلى خريطة العالم من الحدود الجنوبية لأوراسيا، بدءاً بكوريا الشمالية من خلال بحر الصين والهند والصين وأفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا، ثم على طول الطريق إلى السويس ومصر، ومن ثم على طول الطريق إلى النيجر ومالي - نرى أننا نواجه حزاماً حقيقياً لظروف قابلة للانفجار. . . وأوروبا هي شريكنا التجاري الرئيسي، وحليفنا العالمي الرئيسي، ولها حيوية كبيرة تؤهلها لتسهم بصورة رئيسية في استقرار الوضع العالمي..”.

وقبل خطاب أوباما بأيام صدر تقرير “فورين بولسي” عام 2013، موضحاً أنه بعد سلسلة غزوات عسكرية وسياسات تدخلية في العالم وعسكرة السياسة الخارجية أدت لانهيار الاقتصاد الأمريكي ومن ثم إلى العزلة الأمريكية الداخلية. ويؤكد التقرير أن هناك توقعات من انكماش حجم النفوذ الأمريكي حول العالم بشكل جزئي بعد انسحاب معظم القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان بحلول نهاية عام 2014م. وأشار إلى أن تنامي التوقعات بشأن تقليص واشنطن حجم اعتماداتها المالية للتدخلات الخارجية يؤثّر على الانكماش للنفوذ الأمريكي أيضاً.

ونتيجة لذلك سوف تسعى أمريكا - حسب فورين بولسي - لتركيز اهتمامها على الدول المصدرة للنفط داخل منطقة الشرق الأوسط في ضوء ارتفاع معدلات الاستهلاك بالولايات المتحدة في قطاع الغاز والنفط.. وكل هذا يشير إلى أن الولايات المتحدة ستمارس دوراً “أقل” خارج حدود أراضيها خلال الأعوام المقبلة. وقال التقرير: إن الخطر الذي يحدق بالنموذج الغربي بشكل عام يتمثّل في عجز الولايات المتحدة وأوروبا عن معالجة قضاياهما المالية والاقتصادية، حتى وإن كانت أزمات تتعلّق بالشق الاقتصادي، غير أن الضعف الذي سيحل بهذين الكيانين سياسي بالأساس.

ورغم هذا الانكماش الأمريكي فقبل أيام طالبت صحيفة واشنطن بوست أوباما بالتدخل في سوريا باعتباره واجباً أخلاقياً.. وصنفت الأزمة السورية باعتبارها “حرباً ضرورية” ينبغي خوضها فوراً مع أخذ الاحتياطات المناسبة، وليست “حرباً اختيارية” يمكن تجنبها وتفادي عواقبها، وضربت مثلاً بالحرب العالمية الثانية والحرب على أفغانستان وقالت إنهما من الحروب الضرورية، بينما الحرب على العراق اختيارية معتبرة دخول أميركا في تلك الحرب كان حماقة.

قبل عشرين عاماً كانت أمريكا تحت التأثير المنعش لانتصارها الحضاري على الاتحاد السوفييتي، واعتقد بعض ساستها ومفكريها أن التاريخ انتهى بالانتصار المطلق لنموذجهم، وأن بإمكان أمريكا إدارة العالم وحدها.. وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 صارت أمريكا كأسد فتيٍّ تعرض إلى خدش وأراد ممارسة فتوته على العالم.. أما أمريكا اليوم فهي كأسد هرم يريد أن يمارس الحكمة! فهل تجمع أمريكا بين القوة المفرطة والحكمة، أم أنهما بالطبيعة لا يجتمعان؟ أو كما قال الشاعر العربي: إنما العاجز من لا يستبد!

alhebib@yahoo.com

كيف ستتعامل أمريكا مع منطقتنا؟
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة